التفاسير

< >
عرض

وَقَدْ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ ٱلْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ ٱلْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى ٱلدَّارِ
٤٢
-الرعد

جامع البيان في تفسير القرآن

يقول تعالـى ذكره: قد مكر الذين من قبل هؤلاء الـمشركين من قريش من الأمـم التـي سلفت بأنبـياء الله ورسله { فللّه الـمَكْرُ جَمِيعاً } يقول: فللَّه أسبـاب الـمكر جميعاً، وبـيده وإلـيه، لا يضرّ مكر من مكر منهم أحداً إلاَّ من أراد ضرّه به، يقول: فلـم يضرّ الـماكرون بـمكرهم إلاَّ من شاء الله أن يضرّه ذلك، وإنـما ضرّوا به أنفسهم لأنهم أسخطوا ربهم بذلك علـى أنفسهم حتـى أهلكهم، ونـجى رسله: يقول: فكذلك هؤلاء الـمشركون من قريش يـمكرون بك يا مـحمد، والله منـجيك من مكرهم، ومُلـحق ضرّ مكرهم بهم دونك. وقوله: { يَعْلَـمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ } يقول: يعلـم ربك يا مـحمد ما يعمل هؤلاء الـمشركون من قومك وما يَسْعون فـيه من الـمكر بك، ويعلـم جميع أعمال الـخـلق كلهم، لا يخفـى علـيه شيء منها. { وَسَيَعْلَـمُ الكُفَّـارُ لـمَنْ عُقْبَى الدَّارِ } يقول: وسيعلـمون إذا قدموا علـى ربهم يوم القـيامة لـمن عاقبة الدار الآخرة حين يدخـلون النار، ويدخـل الـمؤمنون بـالله ورسوله الـجنة.

واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته قرّاء الـمدينة وبعض أهل البصرة: «وَسَيَعْلَـمُ الكافِرُ» علـى التوحيد. وأما قرّاء الكوفة فإنهم قرءوه: { وَسَيَعْلَـمُ الكُفَّـارُ } علـى الـجمع.

والصواب من القراءة فـي ذلك القراءة علـى الـجمع: { وسَيَعْلَـمُ الكُفَّـارُ } لأن الـخبر جرى قبل ذلك عن جماعتهم، وأتبع بعده الـخبر عنهم، وذلك قوله: { وإمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أوْ نَتَوَفَّـيَنَّكَ } وبعده قوله: { { وَيَقولُ الَّذِينَ كَفَروا لَسْتَ مُرْسَلاً } }. وقد ذكر أنها فـي قراءة ابن مسعود: «وَسَيَعْلَـمَ الكافِرُون»، وفـي قراءة أبـيّ: «وَسَيَعْلَـمُ الَّذِينَ كَفَرُوا» وذلك كله دلـيـل علـى صحة ما اخترنا من القراءة فـي ذلك.