التفاسير

< >
عرض

يُنَزِّلُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ بِٱلْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوۤاْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱتَّقُونِ
٢
-النحل

جامع البيان في تفسير القرآن

اختلفت القراء فـي قراءة قوله: { يُنَزّلُ الـمَلائِكَةَ } فقرأ ذلك عامَّة قرّاء الـمدينة والكوفة: { يُنَزّلُ الـمَلائِكَةَ } بـالـياء وتشديد الزاي ونصب الـملائكة، بـمعنى يُنَزّل الله الـملائكة بـالروح. وقرأ ذلك بعض البصريـين وبعض الـمكيـين: «يُنَزّلُ الـمَلائِكَةَ» بـالـياء وتـخفـيف الزاي ونصب الـملائكة. وحُكي عن بعض الكوفـيـين أنه كان يقرؤه: «تَنَزَّلُ الـمَلائِكَةَ» بـالتاء وتشديد الزاي والـملائكة بـالرفع، علـى اختلاف عنه فـي ذلك. وقد رُوي عنه موافقة سائر قرّاء بلده.

وأولـى القراءات بـالصواب فـي ذلك عندي قراءة من قرأ: { يُنَزّلُ الـمَلائِكَةَ } بـمعنى: ينزّل الله ملائكة. وإنـما اخترت ذلك، لأن الله هو الـمنزّل ملائكته بوحيه إلـى رسله، فإضافة فعل ذلك إلـيه أولـى وأحقّ واخترت «ينزّل» بـالتشديد علـى التـخفـيف، لأنه تعالـى ذكره كان ينزّل من الوحي علـى من نزّله شيئاً بعد شيء، والتشديد به إذ كان ذلك معناه أولـى من التـخفـيف.

فتأويـل الكلام: ينزّل الله ملائكته بـما يحيا به الـحقّ ويضمـحلّ به البـاطل من أمره { علـى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَـادِهِ } يعنـي علـى من يشاء من رسله { أنْ أنْذِرُوا } فـ «أنْ» الأولـى فـي موضع خفض، ردًّا علـى «الروح»، والثانـية فـي موضع نصب بـ «أنْذِرُوا». ومعنى الكلام: ينزل الـملائكة بـالروح من أمره علـى من يشاء من عبـاده، بأن أنذروا عبـادي سطوتـي علـى كُفرهم بـي وإشراكهم فـي اتـخاذهم معي الآلهة والأوثان، فإنه { لا إله إلاَّ أنا } يقول: لا تنبغي الأولوهة إلا لـي، ولا يصلـح أن يُعبد شيء سواي، { فـاتَّقُونِ } يقول: فـاحذرونـي بأداء فرائضي وإفراد العبـادة وإخلاص الربوبـية لـي، فإن ذلك نـجاتكم من الهلكة.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

حدثنا الـمثنى، قال: ثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، قوله: { يُنَزّلُ الـمَلائِكَةَ بـالرُّوحِ } يقول: بـالوحي.

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله: { يُنَزّلُ الـمَلائِكَةَ بـالرُّوحِ مِنْ أمْرِهِ علـى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبـادِهِ } يقول: ينزل الـملائكة....

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل وحدثنـي الـمثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء جميعاً، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول الله: { بالرُّوحِ مِنْ أمْرِهِ } إنه لا ينزل ملَك إلا ومعه روح.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جريج، قال مـجاهد: قوله: { يُنَزّلُ الـمَلائِكَةَ بـالرُّوحِ مِنْ أمْرِهِ } قال: لا ينزل ملك إلا معه روح { يُنَزّلُ الـمَلائِكَةَ بـالرُّوحِ مِنْ أمْرِهِ علـى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبـادِهِ } قال بـالنبوّة. قال ابن جريج: وسمعت أن الروح خـلق من الـملائكة نزل به الروح { { وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحِ مِنْ أمْرِ رَبّـي } }.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن أبـيه، عن الربـيع بن أنس، فـي قوله: { يُنَزّلُ الـمَلائِكَةَ بـالرُّوحِ مِنْ أمْرِهِ علـى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبـادِهِ أنْ أنْذِرُوا أنَّهُ لا إلَهَ إلاَّ أنَا فـاتَّقُونِ } قال: كل كَلِـم تكلـم به ربنا فهو روح منه، { { وكذلكَ أوْحَيْنا إلَـيْكَ رُوحاً منْ أمْرِنا } }... إلـى قوله: { { ألا إلـى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ } }.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { يُنَزّلُ الـمَلائِكَةَ بـالرُّوحِ مِنْ أمْرِهِ } يقول: ينزّل بـالرحمة والوحي من أمره، { علـى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبَـادِهِ } فـيصطفـي منهم رسلاً.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: ثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: { يُنَزّلُ الـمَلائِكَةَ بـالرُّوحِ مِنْ أمْرِهِ علـى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبـادِهِ } قال: بـالوحي والرحمة.

وأما قوله: { أنْ انْذِرُوا أنَّهُ لا إلهَ إلاَّ أنا فـاتَّقُونِ } فقد بـيَّنا معناه.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { أنْ أنْذِرُوا أنَّهُ لا إلهَ إلاَّ أنا فـاتَّقُونِ } إنـما بعث الله الـمرسلـين أن يوحَّدَ الله وحده، ويُطاع أمره، ويجتنب سخطه.