التفاسير

< >
عرض

وَلَهُ مَا فِي ٱلْسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلَهُ ٱلدِّينُ وَاصِباً أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ تَتَّقُونَ
٥٢
-النحل

جامع البيان في تفسير القرآن

يقول تعالـى ذكره: ولله ملك ما فـي السموات والأرض من شيء، لا شريك له فـي شيء من ذلك، هو الذي خـلقهم، وهو الذي يرزقهم، وبـيده حياتهم وموتهم. وقوله: { وَلَهُ الدّينُ وَاصِبـاً } يقول جلّ ثناؤه: وله الطاعة والإخلاص دائماً ثابتاً واجبـاً، يقال منه: وَصَبَ الدَّينُ يَصِبُ وُصُوبـاً ووَصْبـاً كما قال الدِّيِـلـيّ:

لا أبْتَغِي الـحَمْدَ القَلِـيـلَ بَقاؤُهُيَوْماً بِذَمّ الدَّهْرِ أجمَعَ وَاصِبـا

ومنه قول الله: { ولَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ } وقول حسان:

غَيَّرَتْهُ الرّيحُ تَسْفِـي بِهِوهَزِيـمٌ رَعْدُهُ وَاصِبُ

فأما من الألـم، فإنـما يقال: وصب الرجل يُوصَبُ وَصَبـاً، وذلك إذا أعيا وملّ ومنه قول الشاعر:

لا يغْمِزُ السَّاقَ مِنْ أيْنٍ ولا وَصَبٍولا يعَضُّ علـى شُرْسُوفِهِ الصَّفَرُ

وقد اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل الواصب، فقال بعضهم: معناه، ما قلنا. ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن آدم، عن قـيس، عن الأغرّ بن الصبـاح، عن خـلـيفة بن حصين عن أبـي نضرة، عن ابن عبـاس: { وَلَهُ الدّينُ وَاصِبـاً } قال: دائماً.

حدثنـي إسماعيـل بن موسى، قال: أخبرنا شريك، عن أبـي حصين، عن عكرمة، فـي قوله: { وَلَهُ الدّينُ وَاصِبـاً } قال: دائماً.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن آدم، عن قـيس، عن يعلـى بن النعمان، عن عكرمة، قال: دائماً.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال أخبرنا: إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل جميعاً، عن ابن أبـي نـجيح عن مـجاهد: { وَلَهُ الدّينُ وَاصِبـاً } قال: دائماً.

حدثنا القاسم قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد: { ولَه الدّين وَاصبـاً } قال: دائماً.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبدة وأبو معاوية، عن جويبر، عن الضحاك: { وَلَهُ الدّينُ وَاصِبـاً } قال: دائماً.

حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هُشيـم، عن جويبر، عن الضحاك، مثله.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: { وَلَهُ الدّينُ وَاصِبـاً }: أي دائماً، فإن الله تبـارك وتعالـى لـم يدع شيئاً من خـلقه إلاَّ عبده طائعاً أو كارهاً.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: ثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: { وَاصِبـاً } قال: دائماً، ألا ترى أنه يقول: { عَذَابٌ وَاصِبٌ }: أي دائم؟

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: { وَلَهُ الدّينُ وَاصِبـاً } قال: دائماً، والواصب: الدائم.

وقال آخرون: الواصب فـي هذا الـموضع: الواجب. ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن عطية، عن قـيس، عن يَعْلَـى بن النعمان، عن عكرمة، عن ابن عبـاس، فـي قوله: { وَلَهُ الدّينُ وَاصِبـاً } قال: واجبـاً.

وكان مـجاهد يقول: معنى الدين فـي هذا الـموضع: الإخلاص. وقد ذكرنا معنى الدين فـي غير هذا الـموضع بـما أغنى عن إعادته.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا أبو حُذيفة، قال: ثنا شبل وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء جميعاً عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: { وَلَهُ الدّينُ وَاصِبـاً } قال: الإخلاص.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، قال: الدِّينُ: الإخلاص.

وقوله: { أفَغَيْرَ اللّهِ تَتَّقُونَ } يقول تعالـى ذكره: أفغير الله أيها الناس تتقون، أي ترهبون وتـحذرون أن يسلبكم نعمة الله علـيكم بإخلاصكم العبـادة لربكم، وإفرادكم الطاعة له، وما لكم نافع سواه.