التفاسير

< >
عرض

وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ شَيْئاً وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ
٧٣
فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ ٱلأَمْثَالَ إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ
٧٤
-النحل

جامع البيان في تفسير القرآن

يقول تعالـى ذكره: ويعبد هؤلاء الـمشركون بـالله من دونه أوثاناً لا تـملك لهم رزقاً من السموات، لأنها لا تقدر علـى إنزال قطر منها لإحياء موتان الأرضين. { والأَرْضِ } يقول: ولا تـملك لهم أيضاً رزقاً من الأرض لأنها لا تقدر علـى إخراج شيء من نبـاتها وثمارها لهم ولا شيئاً مـما عدّد تعالـى فـي هذه الآية أنه أنعم بها علـيهم. { وَلا يَسْتَطِيعُونَ } يقول: ولا تـملك أوثانهم شيئاً من السموات والأرض، بل هي وجميع ما فـي السموات والأرض لله ملك، { ولا يَسْتَطِيعُونَ } يقول: ولا تقدر علـى شيء.

وقوله: { فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثالَ } يقول: فلا تـمثلوا لله الأمثال، ولا تشبِّهوا له الأشبـاه، فإنه لا مِثْل له ولا شِبْه.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو حُذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: الأمثال الأشبـاه.

وحدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله: { فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثالَ } يعنـي اتـخاذهم الأصنام، يقول: لا تـجعلوا معي إلهاً غيري، فإنه لا إله غيري.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَـمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّمَوَاتِ والأرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ } قال: هذه الأوثان التـي تُعْبد من دون الله لا تـملك لـمن يعبدها رزقاً ولا ضرًّا ولا نفعاً، ولا حياة ولا نشوراً. وقوله: { فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثالَ } فإنه أحَد صَمَد لـم يَـلِد ولـم يُولَد ولـم يكن له كُفُواً أحد. { إنَّ اللَّهَ يَعْلَـمُ وأنْتُـمْ لا تَعْلَـمونَ } يقول: والله أيها الناس يعلـم خطأ ما تـمثلون وتضربون من الأمثال وصوابه، وغير ذلك من سائر الأشياء، وأنتـم لا تعلـمون صواب ذلك من خطئه.

واختلف أهل العربـية فـي الناصب قوله: «شَيْئاً» فقال بعض البصريـين: هو منصوب علـى البدل من الرزق، وهو فـي معنى: لا يـملكون رزقاً قلـيلاً ولا كثـيراً. وقال بعض الكوفـيـين: نصب «شيئاً» بوقوع الرزق علـيه، كما قال تعالـى ذكره: { { ألَـمْ نَـجْعَلِ الأرْضَ كِفـاتاً أحْياءً وأمْوَاتاً } }. أي تكفت الأحياء والأموات، ومثله قوله تعالـى ذكره: { { أوْ إطْعامٌ فِـي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِـيـماً ذا مَقْرَبَةٍ أوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ } . قال: ولو كان الرزق مع الشيء لـجاز خفضه، لا يـملك لكم رزق شيء من السموات، ومثله: { { فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ } }.