التفاسير

< >
عرض

وَٱلْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ وَعلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى ٱلْوَارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
٢٣٣
-البقرة

جامع البيان في تفسير القرآن

يعنـي تعالـى ذكره بذلك: والنساء اللواتـي بنّ من أزواجهنّ ولهن وأولاد قد ولدنهم من أزواجهن قبل بـينونتهن منهم بطلاق أو ولدنهم منهم بعد فراقهم إياهن من وطء كان منهم لهن قبل البـينونة يرضعن أولادهن، يعنـي بذلك أنهن أحقّ برضاعهم من غيرهن. ولـيس ذلك بإيجاب من الله تعالـى ذكره علـيهن رضاعهم، إذا كان الـمولود له والداً حياً موسراً لأن الله تعالـى ذكره قال فـي سورة النساء القصرى: { وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ } [الطلاق: 6] وأخبر تعالـى أن الوالدة والـمولود له إن تعاسرا فـي الأجرة التـي ترضع بها الـمرأة ولدها، أن أخرى سواها ترضعه، فلـم يوجب علـيها فرضاً رضاع ولدها، فكان معلوماً بذلك أن قوله:{ وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَّ أوْلادَهُنَّ حَوْلَـيْنَ } دلالة علـى مبلغ غاية الرضاع التـي متـى اختلف الولدان فـي رضاع الـمولود بعدها، جعل حدًّا يفصل به بـينهما، لا دلالة علـى أن فرضاً علـى الوالدات رضاع أولادهن.

وأما قوله{ حَوْلَـيْن } فإنه يعنـي به سنتـين، كما:

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد:{ وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَّ أوْلادَهُنَّ حَوْلَـيْنَ كامِلَـيْنِ } سنتـين.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

وأصل الـحول من قول القائل: حال هذا الشيء: إذا انتقل، ومنه قـيـل: تـحوّل فلان من مكان كذا: إذا انتقل عنه.

فإن قال لنا قائل: وما معنى ذكر كاملـين فـي قوله:{ وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَّ أوْلادَهُنَّ حَوْلَـيْنَ كامِلَـيْنِ } بعد قوله يرضعن حولـين وفـي ذكر الـحولـين مستغنى عن ذكر الكاملـين؟ إذ كان غير مشكل علـى سامع سمع قوله: { وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَّ أوْلادَهُنَّ حَوْلَـيْنَ } ما يراد به، فما الوجه الذي من أجله زيد ذكر كاملـين؟ قـيـل: إن العرب قد تقول: أقام فلان بـمكان كذا حولـين أو يومين أو شهرين، وإنـما أقام به يوما وبعض آخر أو شهرا وبعض آخر، أو حولاً وبعض آخر فقـيـل حولـين كاملـين لـيعرف سامع ذلك أن الذي أريد به حولان تامان، لا حول وبعض آخر، وذلك كما قال الله تعالـى ذكره: { وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ } [البقرة: 203].

ومعلوم أن الـمتعجل إنـما يتعجل فـي يوم ونصف، فكذلك ذلك فـي الـيوم الثالث من أيام التشريق، وأنه لـيس منه شيء تام، ولكن العرب تفعل ذلك فـي الأوقات خاصة، فتقول: الـيوم يومان منذ لـم أره، وإنـما تعنـي بذلك يوما وبعض آخر، وقد توقع الفعل الذي تفعله فـي الساعة أو اللـحظة علـى العام والزمان والـيوم، فتقول زرته عام كذا، وقتل فلان فلاناً زمان صفّـين، وإنـما تفعل ذلك لأنها لا تقصد بذلك الـخبر عن عدد الأيام والسنـين، وإنـما تعنـي بذلك الأخبـار عن الوقت الذي كان فـيه الـمخبر عنه، فجاز أن ينطق بـالـحولـين والـيومين علـى ما وصفت قبل، لأن معنى الكلام فـي ذلك: فعلته إذ ذاك، وفـي ذلك الوقت. فكذلك قوله:{ وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَّ أوْلادَهُنَّ حَوْلَـيْنَ كامِلَـيْنِ } لـما كان الرضاع فـي الـحولـين ولـيسا بـالـحولـين، فكان الكلام لو أطلق فـي ذلك بغير تضمين الـحولـين بـالكمال، وقـيـل:{ وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَّ أوْلادَهُنَّ حَوْلَـيْنَ } مـحتـملاً أن يكون معنـياً به حول وبعض آخر نفـي اللبس عن سامعيه بقوله: { كامِلَـيْنِ } أن يكون مراداً به حول وبعض آخر، وأُبـين بقوله:{ كامِلَـيْنِ } عن وقت تـمام حدّ الرضاع، وأنه تـمام الـحولـين بـانقضائهما دون انقضاء أحدهما وبعض الآخر.

ثم اختلف أهل التأويـل فـي الذي دلت علـيه هذه الآية من مبلغ غاية رضاع الـمولودين، أهو حدّ لكل مولود، أو هو حدّ لبعض دون بعض؟ فقال بعضهم: هو حدّ لبعض دون بعض. ذكر من قال ذلك:

حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا داود عن عكرمة، عن ابن عبـاس فـي التـي تضع لستة أشهر: أنها ترضع حولـين كاملـين، وإذا وضعت لسبعة أشهر أرضعت ثلاثة وعشرين لتـمام ثلاثـين شهراً، وإذا وضعت لتسعة أشهر أرضعت واحداً وعشرين شهراً.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنا عبد الأعلـى، قال: ثنا داود، عن عكرمة بـمثله، ولـم يرفعه إلـى ابن عبـاس.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن أبـي عبيدة قال: رفع إلـى عثمان امرأة ولدت لستة أشهر، فقال: إنها رفعت لا أراها إلا قد جاءت بشرّ أو نـحو هذا ولدت لستة أشهر، فقال ابن عبـاس: إذا أتـمت الرضاع كان الـحمل لستة أشهر. قال: وتلا ابن عبـاس: { وَحَمْلُهُ وَفِصَٰلُهُ ثَلٰثُونَ شَهْراً } [الأحقاف: 15]، فإذا أتـمت الرّضاع كان الـحمل لستة أشهر. فخـلَّـى عثمان سبـيـلها.

وقال آخرون: بل ذلك حدّ رضاع كل مولود اختلف والداه فـي رضاعه، فأراد أحدهما البلوغ إلـيه، والآخر التقصير عنه. ذكر من قال ذلك:

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس قوله:{ وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَّ أوْلادَهُنَّ حَوْلَـيْنَ كامِلَـيْنِ } فجعل الله سبحانه الرضاع حولـين لـمن أراد أن يتـمّ الرضاعة، ثم قال:{ فإنْ أرَادَ فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَـيْهِما } إن أرادا أن يفطماه قبل الـحولـين وبعده.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء:{ وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أوْلادَهُنَّ حَوْلَـيْنِ كامِلَـيْنِ } قال: إن أرادت أمه أن تقصر عن حولـين كان علـيها حقاً أن تبلغه لا أن تزيد علـيه إلا أن يشاء.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، وحدثنـي علـيّ بن سهل، قال: ثنا زيد بن أبـي الزرقاء جميعاً، عن الثوري فـي قوله:{ وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَّ أوْلادَهُنَّ حَوْلَـيْنَ كامِلَـيْنِ لِـمَنْ أرَادَ أنْ يُتِـمَّ الرّضَاعَةَ } والتـمام: الـحولان، قال: فإذا أراد الأب أن يفطمه قبل الـحولـين ولـم ترض الـمرأة فلـيس له ذلك، وإذا قالت الـمرأة أنا أفطمه قبل الـحولـين وقال الأب لا. فلـيس لها أن تفطمه حتـى يرضى الأب حتـى يجتـمعا، فإن اجتـمعا قبل الـحولـين فطماه، وإذا اختلفـا لـم يفطماه قبل الـحولـين، وذلك قوله:{ فإنْ أرَادَ فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ }.

وقال آخرون: بل دل الله تعالـى ذكره بقوله:{ وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَّ أوْلادَهُنَّ حَوْلَـيْنَ كامِلَـيْنِ }علـى أن لا رضاع بعد الـحولـين، فإن الرضاع إنـما هو. كان فـي الـحولـين. ذكر من قال ذلك:

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا آدم، قال: أخبرنا ابن أبـي ذئب، قال: ثنا الزهري، عن ابن عبـاس وابن عمر أنهما قالا: إن الله تعالـى ذكره يقول:{ وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَّ أوْلادَهُنَّ حَوْلَـيْنَ كَامِلَـيْنِ } ولا نرى رضاعاً بعد الـحولـين يحرّم شيئاً.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا ابن الـمبـارك، عن يونس بن يزيد، عن الزهري، قال: كان ابن عمر وابن عبـاس يقولان: لا رضاع بعد الـحولـين.

حدثنا أبو السائب، قال: ثنا حفص، عن الشيبـانـي، عن أبـي الضحى، عن أبـي عبد الرحمن، عن عبد الله قال: ما كان من رضاع بعد سنتـين أو فـي الـحولـين بعد الفطام فلا رضاع.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى بن سعيد وعبد الرحمن، قالا: ثنا سفـيان، عن الأعمش، عن إبراهيـم عن علقمة: أنه رأى امرأة ترضع بعد حولـين، فقال لا ترضعيه.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفـيان، عن الشيبـانـي، قال: سمعت الشعبـي، يقول: ما كان من وَجُور أو سَعُوط أو رضاع فـي الـحولـين فإنه يحرّم، وما كان بعد الـحولـين لـم يحرّم شيئاً.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنا مـحمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن الـمغيرة، عن إبراهيـم أنه كان يحدّث عن عبد الله أنه قال: لا رضاع بعد فصال أو بعد حولـين.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا حسن بن عطية، قال: ثنا إسرائيـل، عن عبد الأعلـى، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس، قال: لـيس يحرم من الرضاع بعد التـمام، إنـما يحرّم ما أنبت اللـحم وأنشأ العظم.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن عمرو بن دينار، أن ابن عبـاس قال: لا رضاع بعد فصال السنتـين.

حدثنا هلال بن العلاء الرقـي، قال: ثنا أبـي، قال: ثنا عبـيد الله، عن زيد، عن عمرو بن مرة، عن أبـي الضحى، قال: سمعت ابن عبـاس يقول:{ وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَّ أوْلادَهُنَّ حَوْلَـيْنَ كامِلَـيْنِ } قال: لا رضاع إلا فـي هذين الـحولـين.

وقال آخرون: بل كان قوله:{ وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَّ أوْلادَهُنَّ حَوْلَـيْنَ كَامِلَـيْنِ } دلالة من الله تعالـى ذكره عبـاده علـى أن فرضاً علـى والدات الـمولودين أن يرضعنهم حولـين كاملـين، ثم خفف تعالـى ذكره ذلك بقوله:{ لِـمَنْ أرَادَ أنْ يُتِـمّ الرِّضَاعَةَ } فجعل الـخيار فـي ذلك إلـى الآبـاء والأمهات إذا أرادوا الإتـمام أكملوا حولـين، وإن أرادوا قبل ذلك فطم الـمولود كان ذلك إلـيهم علـى النظر منهم للـمولود. ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله:{ وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَّ أوْلادَهُنَّ حَوْلَـيْنَ كامِلَـيْنِ } ثم أنزل الله الـيسر والتـخفـيف بعد ذلك، فقال تعالـى ذكره:{ لِـمَنْ أرَادَ أنْ يُتِـمّ الرِّضَاعَةَ }.

حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع فـي قوله:{ وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَّ أوْلادَهُنَّ حَوْلَـيْنَ كامِلَـيْنِ } يعنـي الـمطلقات يرضعن أولادهن حولـين كاملـين، ثم أنزل الرخصة والتـخفـيف بعد ذلك، فقال:{ لِـمَنْ أرَادَ أنْ يُتِـمّ الرِّضَاعَةَ }.

ذكر من قال: إن الوالدات اللواتـي ذكرهنّ الله فـي هذا الـموضع البـائنات من أزواجهن علـى ما وصفنا قبل.

حدثنـي موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسبـاط، عن السدي قال:{ وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَّ أوْلادَهُنَّ حَوْلَـيْنَ كامِلَـيْنِ }إلـى:{ إذا سَلَّـمْتُـمْ ما آتـيْتُـمْ بـالـمَعْرُوفِ } أما الوالدات يرضعن أولادهن حولـين كاملـين، فـالرجل يطلق امرأته وله منها ولد، وأنها ترضع له ولده بـما يرضع له غيرها.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن جويبر، عن الضحاك فـي قوله:{ وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَّ أوْلادَهُنَّ حَوْلَـيْنَ كامِلَـيْنِ } قال: إذا طلق الرجل امرأته وهي ترضع له ولداً.

حدثنا الـمثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك، بنـحوه.

وأولـى الأقوال بـالصواب فـي قوله:{ وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَّ أوْلادَهُنَّ حَوْلَـيْنَ كامِلَـيْنِ لِـمَنْ أرَادَ أنْ يُتِـمّ الرِّضَاعَةَ } القول الذي رواه علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس، ووافقه علـى القول به عطاء والثوري، والقول الذي رُوي عن عبد الله بن مسعود وابن عبـاس وابن عمر، وهو أنه دلالة علـى الغاية التـي ينتهي إلـيها فـي رضاع الـمولود إذا اختلف والده، وأن لا رضاع بعد الـحولـين يحرّم شيئاً، وأنه معنـي به كل مولود لستة أشهر كان وِلادُه، أو لسبعة أو لتسعة.

فأما قولنا: إنه دلالة علـى الغاية التـي ينتهي إلـيها فـي الرضاع عند اختلاف الوالدين فـيه فلأن الله تعالـى ذكره لـما حدّ فـي ذلك حداً، كان غير جائز أن يكون ما وراء حدّه موافقاً فـي الـحكم ما دونه، لأن ذلك لو كان كذلك، لـم يكن للـحدّ معنى معقول. وإذا كان ذلك كذلك، فلا شك أن الذي هو دون الـحولـين من الأجل لـما كان وقت رضاع، كان ما وراءه غير وقت له، وأنه وقت لترك الرضاع، وأن تـمام الرضاع لـما كان تـمام الـحولـين، وكان التمامُّ من الأشياء لا معنى إلـى الزيادة فـيه، كان لا معنى للزيادة فـي الرضاع علـى الـحولـين، وأن ما دون الـحولـين من الرضاع لـما كان مـحرّماً، كان ما وراءه غير مـحرّم. وإنـما قلنا هو دلالة علـى أنه معنـي به كل مولود لأيّ وقت كان ولاده، لستة أشهر، أوسبعة، أو تسعة، لأن الله تعالـى ذكره عم بقوله: { وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَّ أوْلادَهُنَّ حَوْلَـيْنَ كامِلَـيْنِ } ولـم يخصص به بعض الـمولودين دون بعض. وقد دللنا علـى فساد القول بـالـخصوص بغير بـيان الله تعالـى ذكره ذلك فـي كتابه، أو علـى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فـي كتابنا «كتاب البـيان عن أصول الأحكام» بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع.

فإن قال لنا قائل: فإن الله تعالـى ذكره قد بـين ذلك بقوله: { وَحَمْلُهُ وَفِصَٰلُهُ ثَلٰثُونَ شَهْراً } [الأحقاف: 15] فجعل ذلك حداً للـمعنـيـين كلـيهما، فغير جائز أن يكون حمل ورضاع أكثر من الـحد الذي حدّه الله تعالـى ذكره، فما نقص من مدة الـحمل عن تسعة أشهر، فهو مزيد في مدة الرضاع، وما زيد فـي مدة الـحمل نقص عن مدة الرضاع، وغير جائز أن يجاوز بهما كلـيهما مدة ثلاثـين شهراً، كما حدّه الله تعالـى ذكره؟ قـيـل له: فقد يجب أن يكون مدة الـحمل علـى هذه الـمقالة إن بلغت حولـين كاملـين، ألاّ يرضع الـمولود إلا ستة أشهر، وإن بلغت أربع سنـين أن يبطل الرضاع فلا ترضع، لأن الـحمل قد استغرق الثلاثـين شهراً وجاوز غايته. أو يزعم قائل هذه الـمقالة أن مدة الـحمل لن تـجاوز تسعة أشهر، فـيخرج من قول جميع الـحجة، ويكابر الـموجود والـمشاهد، وكفـى بهما حجة علـى خطأ دعواه إن ادّعى ذلك، فإلـى أيّ الأمرين لـجأ قائل هذه الـمقالة وضح لذوي الفهم فساد قوله.

فإن قال لنا قائل: فما معنى قوله إن كان الأمر علـى ما وصفت: { وَحَمْلُهُ وَفِصَٰلُهُ ثَلٰثُونَ شَهْراً } [الأحقاف: 15] وقد ذكرت آنفـاً أنه غير جائز أن يكون ما جاوز حدّ الله تعالـى ذكره نظير ما دون حدّه فـي الـحكم، وقد قلت: إن الـحمل والفصال قد يجاوزان ثلاثـين شهراً؟ قـيـل: إن الله تعالـى ذكره لـم يجعل قوله:{ وحَمْلُهُ وفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً } حداً تعبد عباده بأن لا يجاوزه كما جعل قوله:{ وَالوَالِدَتُ يُرْضِعْنَّ أوْلادَهُنَّ حَوْلَيْن كامِلَيْنِ لِمَنْ أرَاد أنْ يُتِمَ الرِّضاعة } حَدّاً لرضاع المولود التام الرضاع، وتعبد العباد بحمل والديه عليه عند اختلافهما فيه، وإرادة أحدهما الضرار به. وذلك أن الأمر من الله تعالى من ذكره إنما يكون للعباد السبيل إلى طاعته بفعله والمعصية بتركه، فأما ما لم يكن لهم إلى فعله، ولا إلى تركه سبيل فذلك مما لا يجوز الأمر به ولا النهي عنهن ولا التعبد به فإذا كان ذلك كذلك، وكان الحمل مما لا سبيل للنساء إلى تقصير مدته، ولا إلى إطالتها فيضعنه متى شئن ويتركن وضعه إذا شئن، كان معلوماً أنقوله: { وَحَمْلُهُ وَفِصَٰلُهُ ثَلٰثُونَ شَهْراً } [الأحقاف: 15] إنما هوخبر من الله تعالى ذكره عن أن من خلقه من حملته وولدته وفصلته في ثلاثين شهراً، لا أمر بأن لا يتجاوز في مدة حمله وفصاله ثلاثون شهراً لما وصفنا، وكذلك قال ربنا تعالى ذكره في كتابه: { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَانَ بِوَٰلِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَٰلُهُ ثَلٰثُونَ شَهْراً } [الأحقاف: 15].

فإن ظن ذوغباء، أن الله تعالى ذكره إذ وصف أن من خلقه منحملته أمه ووضعته وفصلته في ثلاثين شهراً، فقد يجب أن يكون كل عباده صفتهم أن يقولوا إذا بلغوا أشدهم وبلغوا أربعين سنة { رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَٰلِحاً تَرْضَٰهُ } [الأحقاف: 15] على ما وَصف الله به الذي وصف في هذه الآية. وفي وجودنا من يستحكم كفره بالله وكفرانه نعم ربه عليه، وجرأته على والديه بالقتل والشتم وضروب المكاره عند استكماله الأربعين من سنيه وبلوغه أشّده ما يعلم أنه لم يعن الله بهذه الآية صفة جميع عباده، بل يعلم أنه إنما وصف بها بعضاً منهم دون بعض، وذلك مالا ينكره ولا يدفعه أحد لأن من يولد من الناس لتسعة أشهر أكثر ممن يولد لأربع سنين ولسنتين، كما أن من يولد لتسعة أشهر أكثر ممن يولد لستة أشهر ولسبعة أشهر.

واختلف القراء في قراءة ذلك، فقرأ عامة أهل المدينة والعراق والشام: { لِمَنْ أرَادَ أنْ يُتِمّ الرَضَاعَةَ } بالياء في "يتم" ونصب "الرضاعة" بمعنى:لمن أراد من الآباء والأمهات أن يتمّ رضاع ولده، وقرأه بعض أهل الحجاز "لِمَنْ أرَادَأنْ تَتِمّ الرِّضاعَةَ" بالتاء في "تتمّ"، ورفع "الرضاعة" بصفها.

والصواب من القراءة في ذلك عندنا قراءة من قرأ بالياء في "يتم" ونصب "الرضاعة"، لأن الله تعالى ذكره قال { وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَّ أوْلادَهُنَّ } فكذلك هن يتممنها إذا أردن هن والمولودُ له إتمامها، وأ،ها القراءة التي جاء بها النقل المستفيض الذي ثبتت به الحجة دون القراءة الأخرى. وقد حكي في الرضاعة سماعاً من العرب كسر الراء التي فيها، وإن تكن صحيحة فهي نظيرة الوِكالة والوَكالة والدِّلالة والدَّلالة، ومهرت الشيء مَهارة، فيجوز حينئذ الرَّضاع والرِّضاع، كما قيل الحَصاد.وأن القراءة فبالقبح لا غير.

القول في تأويل قوله تعالى: { وَعلى المَوْلُودِ رِزْقَهُنَّ وكِسْوَتُهُنَّ بالمَعروفِ }.

يعني تعالى ذكره بقوله: { وَعلى المَوْلُودِ لَهُ } وعلى آباء الصبيان للمراضع رزقهن، يعني رزق والدتهن.ويعني بالرزق ما يقوتهنّ من طعام، ومالا بدّ لهن من غذاء ومطعم وكسوتهن، ويعني بالكسوة: الملبس. ويعني بقوله: { بالمَعْرُوفِ } بما يجب لمثلها على مثله إذ كان الله تعالى ذكره قد علم تفاوت أحوال خلقه بالغنى والفقر، وأن منهم الموسع والمقتر وبين ذلك، فأمر كلا أن ينفق على من لزمته نفقته من زوجته وولده على قدر ميسرته، كما قال تعالى ذكره: { لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّآ آتَاهُ ٱللَّهُ لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَآ آتَاهَا } [الطلاق: 7] وكما:

حدثني المثنى، قالك ثنا سويد، قال:أخبرنا ابن المبارك، عن جويبر، عن الضحاك قوله: { والوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنَ كامِلَيْن لِمَنْ أرَادَ أنْ يُتِمّ الرَّضَاعَةَ وَعلى المَوْلُودِ لَهُ رِزْقَهُنَّ وكسْوَتَهُنَّ بالمَعْرُوفِ } قال: إذا طلق الرجل امرأته وهي ترضع وله ولداً، فتراضيا على أن ترضع حولين كاملين، فعلى الوالد رزق المرضع والكسوة بالمعروف على قدر الميسرة، لا نكلف نفساً إلا وسعها.

حدثني عليّ بن سهل الرملي، قالك ثنا زيد، وحدثنا ابنحميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان قوله، { وَالوَلِدَاتُ يُرْضِعْنَ أوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنَ كامِليْنِ لِمَنْ أرَادَ أنْ يُتِمّ الرَّضَاعَةَ } والتمام: الحولان { وَعَلى المَوْلُودِ لَهُ } على الأب طعامها وكسوتها بالمعروف.

حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: { وَعَلى المَوْلُودِ لَهُ رِزْقَهُنّ وَكِسْوَتُهُنّ بالمَعْرُوفِ } قال: على الأب.

القول في تأويل قوله تعالى: { لا تُكَلَّفُ نَفٍسٌ إلا وُسعها }

يعني تعالى ذكره بذلك: لا تحمل نفس من الأمور إلا ما لايضيق عليها ولا يتعذّر عليها وجوده إذا ارادت.وإنما عنى الله تعالى ذكره بذلك: لا يوجب الله على الرجال مننفقة من أرضع أولادهم من نسائهم البائنات منهم إلا ما أطاقوه ووجدوا إليه السبيل، كما قال تعالى ذكره: { لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّآ آتَاهُ ٱللَّهُ } [الطلاق: 7]. كما:

حدثنا ابنحميد، قال ثنا مهران، وحدثني عليّ قال: ثنا زيدجميعاً، عن سفيان: { لا تُكَلّفُ نَفْسٌ إلاَّ وُسْعَهَا إلا ما أطاقت.

والوُسْع:الفُعل من قول القائل: وسعني هذا الأمر، فهو يسعني سعة، ويقال: هذا الذي أعطيتك وسعي، أي ما يتسع لي أن أعطيك فلا يضيق عليّ إعطاؤكه وأعطيتك من جهدي إذا أعطيته ما يجهدك فيضيق عليك إعطاؤه.

فمعنى قوله { لا تُكَلّفُ إلا وُسْعَها } هو ما وصفت من أنها لا تكلف إلا ما يتسع لها بذل ما كلفت بذله، فلا يضيق عليها، ولا يجهدها، لا ما أظنه جهلة أهل القدر منأن معناه: لا تكلف النفس إلا ما قد أعطيت عليه القدرة من الطاعات، لأن ذلك لوكان كما زعمت لكان قوله تعالى ذكره: { ٱنْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلأَمْثَالَ فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً } [الإسراء: 48] إذا كان دالاً على أنهم غير مستطيعي السبيل إلى ما كلفوه واجباً أن يكون القوم في حال واحدة قد أعطوا الاستطاعة على مامنعوها عليه. وذلك من قائله إن قاله إحالة في كلامه، ودعوى باطل لا يخيل بُطوله.وإذا كان بيِّناً فساد هذا القول، فمعلوم أن الذي أخبر تعالى ذكره أنه كلف النفوس من وسعها غير الذي أخبر أنه كلفها مما لا تستطيع إليه السبيل.

القول في تأويل قوله تعالى: { لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلضدِها وَلاَ مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَده }.

اختلف القراء في قراءة ذلك، فقرأ عامة قراء أهل الحجاز والكوفة والشام:{ لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِها } بفتح الراء بتأويل لا تضارَر على وجه النهي وموضعه إذا قرئ كذلك جزم، غير أنه حرك، إذ ترك التضعيف بأخف الحركات وهو الفتح، ولوحرك إلى كسر كان جائزاً إتباعاً لحركة لام الفعل حركة عينه، وإن شئت فلأن الجزم إذا حرّك حرّك إلى الكسر. وقرأ ذلك بعض أهل الحجاز وبعض أهل البصرة: "لا تُضَارُّ وَالِدَةٌ بوَلَدِها" رفعٌ. ومن قرأه كذلك لم تحتمل قراءته معنى النهي، ولكنها تكون بالخبر عطفاً بقوله { لا تُضارّ } على قوله: { لا تكلفُ نَفسٌ إلاَّ وْسعهَا }.وقد زعم بعض نحويي البصرة أن معنى من رفع لا تضار والدة بولدها هكذا في الحكم، أنه لا تضارّ والدة بولدها، أي ما ينبغي أن تضارّ، فلما حذفت "ينبغي" وصار "تضارّ" في وضعه صار على لفظه، واستشهد لذلك بقول الشاعر:

عَلى الحَكَمِ المَأْتِيّ يَوْماً إذَا قَضَى.....قَضِيْتَهُ أنْ لا يَجُورَ وَيَقْصِدُ

فزعم أنه رفع يقصد بمعنى ينبغي. والمحكي عن العرب سماعاً غير الذي قال وذلك أنه روي عنهم سماعاً فتصنَع ماذا، إذا أرادوا أن يقولوا:فتريد أن تصنَع ماذا، فينصبونه بنية "أن" وإذا لم ينووا "أنْ" ولم يريدوها، قالوا: فتريدُ ماذا، فيرفعون تريد، لأن لا جالب لـ:"أنْ" قبله، كما كان له جالب قبل تصنع، فلوكان معنى قوله لا تضارّ إذا قرئ رفعا بمعنى: ينبغي أن لا تضارْ، أوما ينبغي أن تضار حذف ينبغي وأن، وأقيم تضارّ مقام ينبغي لكان الواجب أن يقرأ إذا قرئ بذلك المعنى نصباً لا رفعاً، ليعلم بنصبه المتروك قبله المعنّي المراد، كما فعل بقوله فتصنع ماذا، ولكن معنى ذلك ما قلنا إذا رفع على العطف على لا تُكَلّف ليست تكلف نفس إلا وسعها، وليست تضارّ والدة بولدها، يعني بذلك أنه ليست ذلك في دين الله وحكمه وأخلاق المسلمين.

وأولى القراءتين بالصواب في ذلك قراءة من قرأ بالنصب، لأن نهي من الله تعالى ذكره كل واحد من أبوي المولود عن مضارّة صاحبه له حرام عليهما ذلك بإجماع المسلمين، فلو كان ذلك خبراً لكان حراماً عليهما ضرارهما به كذلك. وبما قلنا في ذلك منأن ذلك بمعنى النهي تأوّله أهل التأويل.

ذكر منقال ذلك:

حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبوعاصم، عن عيسى، عن ابن أب نجيح، عن مجاهد: { لا تُضَار وَالِدَةٌ بوَلَدِهَا } لا تأبى أن ترضعه ليشقّ ذلك على أبيه، ولا تضارّ الوالد بولده، فيمنع أمه أن ترضعه ليحزنها.

حدثني المثنى، قال: ثنا أبوحذيفة، قال:ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عنمجاهد مثله.

حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا بن زريع، قال: ثنا سعيد،عن قتادة قوله: { لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ } قال: نهى الله تعالى عن الضرار وقدّم فيه، فنهى الله أن يضارّ الوالد فينتزع الولد من أمه إذا كانت راضية بما كان مسترضعاً به غيرها، ونهيت الوالدة أن تقذف الولد إلى أبيه ضراراً.

حدثنا الحسن بن يحيى، قال:أخبرنا عبد الراق، قال:أخبرنا معمر، عن قتادة في قول: { لا تُضَارَّ وَالشدَةٌ بِوَلَدِها } ترمي به إلى أبيه ضراراً { وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدَهِ } يقول: ولا الولد فينتزعه منها ضراراً إذا رضيت من أجر الرضاع ما رضي به غيرها، فهي أحقّ به إذا رضيت بذلك.

حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن ابي جعفر، عن أبيه، عن يونس، عن الحسن: { لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا } قال: ذلك إذا طلقها، فليس له أن يضارّها، فينتزع الولد منها إذا رضيت منه بمثل ما يرضى به غيرها، وليس لها أن تضارّه فتكلفه مالا يطيق إذا كان إنساناً مسكيناً فتقذف إليه ولده.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك:{ لاتُضَارَّ وَالِدَةٌ بوَلَدِهَا }لا تضار أم بولدها، ولا أب بولده. يقول: لا تضار أم بولدها فتقذفه إلـيه إذا كان الأب حياً أو إلـى عصبته إذا كان الأب ميتاً، ولا يضارّ الأب الـمرأة إذا أحبت أن ترضع ولدها ولا ينتزعه.

حدثنـي موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسبـاط، عن السدي:{ لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بوَلَدِهَا }يقول: لا ينزع الرجل ولده من امرأته فـيعطيه غيرها بـمثل الأجر الذي تقبله هي به، ولا تضارّ والدة بولدها فتطرح الأم إلـيه ولده تقول لا ألـيه ساعة تضعه، ولكن علـيها من الـحقّ أن ترضعه حتـى يطلب مرضعاً.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالـح، قال: ثنـي اللـيث، قال: ثنـي عقـيـل، عن ابن شهاب، وسئل عن قول الله تعالـى ذكره: { وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَّ أوْلادَهُنَّ حَوْلَـيْنَ كَامِلَـيْنِ إلـى لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدَهِ }. قال ابن شهاب: والوالدات أحقّ برضاع أولادهنّ ما قبلن رضاعهنّ بـما يعطى غيرهنّ من الأجر ولـيس للوالدة أن تضارّ بولدها فتأبى رضاعة مضارّة وهي تُعْطَى علـيه ما يعطى غيرها من الأجر، ولـيس للـمولود له أن ينزع ولده من والدته مضاراً لها وهي تقبل من الأجر ما يعطاه غيرها.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، وحدثنـي علـي، قال ثنا زيد جميعاً، عن سفـيان فـي قوله:{ لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بوَلَدِهَا } لا ترم بولدها إلـى الأب إذا فـارقها تضاره بذلك،{ وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدَهِ } ولا ينزع الأب منها ولدها، يضارها بذلك.

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله:{ لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدَهِ } قال: لا ينزعه منها وهي تـحب أن ترضعه فـيضارها، ولا تطرحه علـيه وهو لا يجد من ترضعه ولا يجد ما يسترضعه به.

حدثنا عمرو بن علـي البـاهلـي، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنـي ابن جريج، عن عطاء فـي قوله:{ لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بوَلَدِهَا } قال: لا تدعنه ورضاعه من شأنها مضارة لأبـيه، ولا يـمنعها الذي عنده مضارة لها.

وقال بعضهم: الوالدة التـي نهى الرجل عن مضارتها: ظئر الصبـي. ذكر من قال ذلك:

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا مسلـم بن إبراهيـم، قال: ثنا هارون النـحوي، قال: ثنا الزبـير بن الـحارث عن عكرمة فـي قوله:{ لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بوَلَدِهَا } قال: هي الظئر.

فمعنى الكلام: لا يضارر والد مولود والدته بـمولوده منها، ولا والدة مولود والده بـمولودها منه، ثم ترك ذكر الفـاعل فـي يضار، فقـيـل: لا تضار والدة بولدها، ولا مولود له بولده، كما يقال إذا نهي عن إكرام رجل بعينه فـيـما لـم يسم فـاعله ولـم يقصد بـالنهي عن إكرامه قصد شخص بعينه: لا يكرم عمرو ولا يجلس إلـى أخيه، ثم ترك التضعيف فقـيـل: لا يضار، فحرّكت الراء الثانـية التـي كانت مـجزومة لو أظهر التضعيف بحركة الراء الأولـى.

وقد زعم بعض أهل العربـية أنها إنـما حركت إلـى الفتـح فـي هذا الـموضع لأنه أحد الـحركات. ولـيس للذي قال من ذلك معنى، لأن ذلك إنـما كان جائزاً أن يكون كذلك لو كان معنى الكلام: لا تضارون والدة بولدها، وكان الـمنهي عن الضرار هي الوالدة. علـى أن معنى الكلام لو كان كذلك لكان الكسر فـي تضارّ أفصح من الفتـح، والقراءة به كانت أصوب من القراءة بـالفتـح، كما أن مَدَّ بـالثوب أفصح من مدّ به. وفـي إجماع القراء علـى قراءة: لا تُضَارَّ بـالفتـح دون الكسر دلـيـل واضح علـى إغفـال من حكيت قوله من أهل العربـية فـي ذلك.

فإن قال قائل ذلك قاله توهماً منه أنه معنى ذلك: لا تُضَارِرْ والدة، وأن الوالدة مرفوعة بفعلها، وأن الراء الأولـى حظها الكسر فقد أغفل تأويـل الكلام، وخالف قول جميع من حكينا قول من أهل التأويـل. وذلك أن الله تعالـى ذكره تقدم إلـى كل واحد من أبوي الـمولود بـالنهي عن ضرار صاحبه بـمولودها، لا أنه نهى كل واحد منهما عن أن يضارّ الـمولود، وكيف يجوز أن ينهاه عن مضارّة الصبـيّ، والصبـيّ فـي حال ما هو رضيع غير جائز أن يكون منه ضرار لأحد، فلو كان ذلك معناه، لكل التنزيـل: لا تضرّ والدة بولدها.

وقد زعم آخرون من أهل العربـية أن الكسر فـي «تضار» جائز، والكسر فـي ذلك عندي غير جائز فـي هذا الـموضع، لأنه إذا كسر تغير معناه عن معنى «لا تُضَار» الذي هو فـي مذهب ما لـم يسم فـاعله، إلـى معنى «لا تُضَار» الذي هو فـي مذهب ما قد سمي فـاعله.

فإذا كان الله تعالـى ذكره قد نهى كل واحد من أبوي الـمولود عن مضارة صاحبه بسبب ولدهما، فحقّ علـى إمام الـمسلـمين إذا أراد الرجل نزع ولده من أمه بعد بـينونتها منه، وهي تـحضنه وتكلفه وترضعه بـما يحضنه به غيرها ويكلفه به ويرضعه من الأجرة، أن يأخذ الوالد بتسلـيـم ولدها ما دام مـحتاجاً الصبـي إلـيها فـي ذلك بـالأجرة التـي يعطاها غيرها. وحقّ عليه إذا كان الصبـيّ لا يقبل ثدي غير والدته، أو كان الـمولود له لا يجد من يرضع ولده، وإن كان يقبل ثدي غير أمه، أو كان معدماً لا يجد ما يستأجر به مرضعاً ولا يجد ما يتبرّع علـيه برضاع مولوده، أن يأخذ والدته البـائنة من والده برضاعه وحضانته لأن الله تعالـى ذكره حرم علـى كل واحد من أبويه ضرار صاحبه بسببه، فـالإضرار به أحرى أن يكون مـحرّماً مع ما فـي الإضرار به من مضارّة صاحبه.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{ وَعَلـى الوَارثِ مِثْلُ ذَلِكَ }.

اختلف أهل التأويـل فـي الوارث الذي عنى الله تعالـى ذكره بقوله:{ وَعَلـى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } وأي وارث هو؟ ووارث من هو؟ فقال بعضهم: هو وارث الصبـي وقالوا: معنى الآية: وعلـى وارث الصبـي إذا كان [أبوه] ميتاً الذي كان علـى أبـيه فـي حياته. ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قالا: ثنا سعيد، عن قتادة:{ وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } علـى وارث الولد.

حدثنـي موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسبـاط، عن السدي:{ وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } علـى وارث الولد.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن معمر، عن قتادة:{ وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكِ } قال: وعلـى وارث الصبـي مثل ما علـى أبـيه.

ثم اختلف قائلو هذه الـمقالة فـي وارث الـمولود الذي ألزمه الله تعالـى مثل الذي وصف، فقال بعضهم: هم وارث الصبـيّ من قبل أبـيه من عصبته كائناً من كان أخاً كان أو عمًّاً أو ابن عم أو ابن أخ. ذكر من قال ذلك:

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن جريج أن عمرو بن شعيب أخبره أن سعيد بن الـمسيب أخبره أن عمر بن الـخطاب رضي الله عنه [قال فـي قوله:{ وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } قال] حبس بنـي عم علـى منفوس كلالة بـالنفقة علـيه مثل العاقلة.

حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة أن الـحسن كان يقول: { وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ }علـى العصبة.

حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: ثنا عبد الله بن إدريس وأبو عاصم، قالا: ثنا ابن جريج، عن عمرو بن شعيب، عن سعيد بن الـمسيب قال: وقـف عمر ابن عم علـى منفوس كلالة برضاعه.

حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: ثنا ابن علـية، عن يونس أن الـحسن كان يقول: إذا توفـي الرجل وامرأته حامل، فنفقتها من نصيبها، ونفقة ولدها من نصيبه من ماله إن كان له، فإن لـم يكن له مال فنفقته علـى عصبته. قال: وكان يتأول قوله:{ وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ }علـى الرجال.

حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا هشيـم، عن يونس، عن الـحسن، قال: علـى العصبة الرجال دون النساء.

حدثنا أبو كريب وعمرو بن علـيّ قالا: ثنا ابن إدريس، قال: ثنا هشام عن ابن سيرين أنه أتـى عبد الله بن عتبة مع الـيتـيـم ولـيه، ومع الـيتـيـم من يتكلـم فـي نفقته، فقال لولـيّ الـيتـيـم: لو لـم يكن له مال لقضيت علـيك بنفقته، لأن الله تعالـى يقول:{ وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ }.

حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: ثنا ابن علـية، قال: ثنا أيوب، عن مـحمد بن سيرين، قال: أتـى عبد الله بن عتبة فـي رضاع صبـيّ، فجعل رضاعه فـي ماله، وقال لولـيه: لو لـم يكن له مال جعلنا رضاعه فـي مالك، ألا تراه يقول: { وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ }؟

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيـم فـي قوله: { وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } قال: علـى الوارث ما علـى الأب إذا لـم يكن للصبـي مال، وإذا كان له ابن عم أو عصبة ترثه فعلـيه النفقة.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد:{ وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } قال: الولّـي من كان.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن أبـي بشر ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا عبد الله بن مـحمد الـحنفـي، قال: ثنا عبد الله بن عثمان، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، قال: أخبرنا يعقوب، يعنـي ابن القاسم، عن عطاء وقتادة فـي يتـيـم لـيس له شيء: أتـجبر أولـياؤه علـى نفقته؟ قالا: نعم، ينفق علـيه حتـى يدرك.

حدثت عن يعلـى بن عبـيد، عن جويبر، عن الضحاك قال: إن مات أبو الصبـيّ وللصبـيّ مال أخذ رضاعه من الـمال، وإن لـم يكن له مال أخذ من العصبة، فإن لـم يكن للعصبة مال أجبرت علـيه أمه.

وقال آخرون منهم: بل ذلك علـى وارث الـمولود من كان من الرجال والنساء. ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة أنه كان يقول:{ وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } علـى وارث الـمولود ما كان علـى الوالد من أجر الرضاع إذا كان الولد لا مال له علـى الرجال والنساء علـى قدر ما يرثون.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري: أن عمر بن الـخطاب رضي الله عنه أغرم ثلاثة كلهم يرث الصبـيّ أجر رضاعه.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين: أن عبد الله بن عتبة جعل نفقة صبـيّ من ماله، وقال لوارثه: أما إنه لو لـم يكن له مال أخذناك بنفقته، ألا ترى أنه يقول: { وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ }؟.

وقال آخرون منهم: هو من ورثته من كان منهم ذا رحم مـحرم للـمولود، فأما من كان ذا رحم منه ولـيس بـمـحرم كابن العم والـمولـى ومن أشبههما فلـيس من عناه الله بقوله:{ وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ }.

والذين قالوا هذه الـمقالة: أبو حنـيفة، وأبو يوسف، مـحمد.

وقالت فرقة أخرى: بل الذي عنى الله تعالـى ذكره بقوله:{ وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } الـمولود نفسه. ذكر من قال ذلك:

حدثنا مـحمد بن عبد الله بن عبد الـحكم الـمصري، قال: ثنا أبو زرعة وعبد الله بن راشد، قال: أخبرنا حيوة بن شريح، قال: أخبرنا جعفر بن ربـيعة أن بشر بن نصر الـمزنـي وكان قاضيا قـيـل ابن حجيرة فـي زمان عبد العزيز كان يقول:{ وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } قال: الوارث: هو الصبـي.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا عبد الله بن يزيد الـمقرى، قال: أخبرنا حيوة: قال: أخبرنا جعفر بن ربـيعة، عن قبـيصة بن ذؤيب:{ وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } قال: هو الصبـي.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن حيوة بن شريح، قال: أخبرنـي جعفر بن ربـيعة، أن قبـيصة بن ذؤيب كان يقول: الوارث: هو الصبـي، يعنـي قوله:{ وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ }.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن جويبر، عن الضحاك:{ وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } قال: يعنـي بـالوارث: الولد الذي يرضع.

قال أبو جعفر: وتأويـل ذلك علـى ما تأوّله هؤلاء: وعلـى الوارث الـمولود مثل ما كان علـى الـمولود له.

وقال آخرون: بل هو البـاقـي من والدي الـمولود بعد وفـاة الآخر منهما. ذكر من قال ذلك:

حدثنـي عبد الله بن مـحمد الـحنفـي، قال: أخبرنا عبد الله بن عثمان، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، قال: سمعت سفـيان يقول فـي صبـيّ له عم وأم وهي ترضعه، قال: يكون رضاعه بـينهما، ويرفع عن العم بقدر ما ترث الأم، لأن الأم تـجبر علـى النفقة علـى ولدها.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{ مِثْلُ ذَلِكَ }

اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله:{ مِثْلُ ذَلِكَ } فقال بعضهم: تأويـله: وعلـى الوارث للصبـيّ بعد وفـاة أبويه مثل الذي كان علـى والده من أجر رضاعه ونفقته إذا لـم يكن للـمولود مال. ذكر من قال ذلك:

حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: ثنا هشيـم، عن مغيرة، عن إبراهيـم فـي قوله:{ وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } قال: علـى الوارث رضاع الصبـي.

حدثنا عمرو بن علـيّ ومـحمد بن بشار قالا: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا أبو عوانة، عن منصور، عن إبراهيـم:{ وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } قال: أجر الرضاع.

حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفـيان، عن مغيرة، عن إبراهيـم:{ وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } قال: الرضاع.

حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا أبو عوانة، عن الـمغيرة، عن إبراهيـم فـي قوله:{ وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } قال: أجر الرضاع.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا حماد بن سلـمة، عن أيوب، عن مـحمد بن سيرين، عن عبد الله بن عتبة:{ وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } قال: الرضاع.

حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا حماد بن سلـمة، عن أيوب، عن مـحمد، عن عبد الله بن عتبة فـي قوله:{ وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } قال: النفقة بـالـمعروف.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيـم:{ وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } قال: علـى الوارث ما علـى الأب من الرضاع إذا لـم يكن للصبـيّ مال.

حدثنا سفـيان، قال: ثنا أبـي، عن سفـيان، عن مغيرة، عن إبراهيـم، قال: الرضاع والنفقة.

حدثنـي أحمد بن حازم، قال: ثنا أبو نعيـم، قال: ثنا سفـيان، عن إبراهيـم:{ وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } قال: الرضاع.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا أبو عوانة، عن عطاء بن السائب، عن الشعبـي، قال: الرضاع.

حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا أبو عوانة عن مطرّف، عن الشعبـي:{ وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } قال: أجر الرضاع.

حدثنا عمرو، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا أبو عوانة، عن مغيرة، عن إبراهيـم، والشعبـي مثله.

حدثنا أبو كريب وعمرو بن علـيّ، قالا: حدثنا عبد الله بن إدريس، قال سمعت هشاماً عن الـحسن فـي قوله:{ وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } قال: الرضاع.

حدثنـي أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، عن هشام وأشعث، عن الـحسن، مثله.

حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن يونس، عن الـحسن:{ وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } يقول: فـي النفقة علـى الوارث إذا لـم يكن له مال.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا حماد بن سلـمة، عن قـيس بن سعد، عن مـجاهد مثله.

حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا حماد بن سلـمة، عن قـيس بن سعد، عن مـجاهد:{ وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } قال: النفقة بـالـمعروف.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد:{ وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } علـى الولّـي كفله ورضاعه إن لـم يكن للـمولود مال.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، قال:{ وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } قال: وعلـى الوارث من كان مثل ما وصف من الرضاع.

قال ابن جريج: وأخبرنـي عبد الله بن كثـير عن مـجاهد مثل ذلك فـي الرضاعة، قال:{ وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } قال: وعلـى الوارث أيضا كَفْله ورضاعه إن لـم يكن له مال، وأن لا يضار أمه.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي الـحجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الـخراسانـي، عن ابن عبـاس:{ وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } قال: نفقته حتـى يفطم إن كان أبوه لـم يترك له مالاً.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: وَعَلـى { الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } قال: وعلـى وارث الولد ما كان علـى الولد من أجر الرضاع إذا كان الولد لا مال له.

حدثنـي عبد الله بن مـحمد الـحنفـي، قال: ثنا عبد الله بن عثمان، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن معمر، عن قتادة:{ وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } قال: علـى وارث الصبـيّ مثل ما علـى أبـيه، إذا كان قد هلك أبوه ولـم يكن له مال، فإن علـى الوارث أجر الرضاع.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيـم: { وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } قال: إذا مات ولـيس له مال كان علـى الوارث رضاع الصبـي.

وقال آخرون: بل تأويـل ذلك: وعلـى الوارث مثل ذلك أن لا يضارّ. ذكر من قال ذلك:

حدثنا عمرو بن علـيّ ومـحمد بن بشار، قالا: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا حماد بن زيد، عن علـيّ بن الـحكم، عن الضحاك بن مزاحم:{ وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } قال: أن لا يضارّ.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عاصم الأحول، عن الشعبـي فـي قوله:{ وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } قال: لا يضارّ، ولا غرم علـيه.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن سفـيان، عن جابر، عن مـجاهد فـي قوله:{ وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } أن لا يضارّ.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالـح، قال: ثنا اللـيث، قال: ثنـي عقـيـل، عن ابن شهاب: { وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَّ أوْلادَهُنَّ حَوْلَـيْنِ } قال: الوالدات أحق برضاع أولادهنّ ما قبلن رضاعهنّ بـما يعطى غيرهنّ من الأجر. ولـيس لوالدة أن تضارّ بولدها فتأبى رضاعه مضارّة، وهي تُعْطَى علـيه ما يعطى غيرها. ولـيس للـمولود له أن ينزع ولده من والدته ضراراً لها، وهي تقبل من الأجر ما يعطى غيرها{ وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } مثل الذي علـى الوالد فـي ذلك.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، وحدثنا علـيّ، قال: ثنا زيد، عن سفـيان:{ وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } قال: أن لا يضارّ وعلـيه مثل ما علـى الأب من النفقة والكسوة.

وقال آخرون: بل تأويـل ذلك: وعلـى الوارث الـمولود مثل الذي كان علـى الـمولود له من رزق والدته وكسوتها بـالـمعروف. ذكر من قال ذلك:

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن جويبر، عن الضحاك: { وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } قال: علـى الوارث عند الـموت، مثل ما علـى الأب للـمرضع من النفقة والكسوة، قال: ويعنـي بـالوارث: الولد الذي يرضع أن يؤخذ من ماله إن كان له مال أجر ما أرضعته أمه، فإن لـم يكن للـمولود مال ولا لعصبته فلـيس لأمه أجر، وتـجبر علـى أن ترضع ولدها بغير أجر.

حدثنـي موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسبـاط، عن السدي:{ وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } قال: علـى وارث الولد مثل ما علـى الوالد من النفقة والكسوة.

وقال آخرون: معنى ذلك: وعلـى الوارث مثل ما ذكره الله تعالـى ذكره. ذكر من قال ذلك:

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء: قوله تعالـى ذكره:{ وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } قال: مثل ما ذكره الله تعالـى ذكره.

قال أبو جعفر: وأولـى الأقوال بـالصواب فـي تأويـل قوله:{ وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } أن يكون الـمعنى بـالوارث ما قاله قبـيصة بن ذؤيب والضحاك بن مزاحم ومن ذكرنا قوله آنفـاً من أنه معنّـي بـالوارث الـمولود، وفـي قوله:{ مِثْلُ ذَلِكَ } أن يكون معنـياً به مثل الذي كان علـى والده من رزق والدته وكسوتها بـالـمعروف إن كانت من أهل الـحاجة، وهي ذات زمانة وعاهة، ومن لا احتراف فـيها ولا زوج لها تستغنـي به، وإن كانت من أهل الغنى والصحة فمثل الذي كان علـى والده لها من أجر رضاعة.

وإنـما قلنا هذا التأويـل أولـى بـالصواب مـما عداه من سائر التأويلات التـي ذكرنا، لأنه غير جائز أن يقال فـي تأويـل كتاب الله تعالـى ذكره قول إلا بحجة واضحة علـى ما قد بـينا فـي أول كتابنا هذا وإذ كان ذلك كذلك، وكان قوله:{ وَعَلـى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } مـحتـملاً ظاهره: وعلـى الوارث الصبـي الـمولود مثل الذي كان علـى الـمولود له، ومـحتـملاً.وعلـى وارث الـمولود له مثل الذي كان علـيه فـي حياته من ترك ضرار الوالدة ومن نفقة الـمولود، وغير ذلك من التأويلات علـى نـحو ما قد قدمنا ذكره، وكان الـجميع من الـحجة قد أجمعوا علـى أن من ورثة الـمولود من لا شيء علـيه من نفقته وأجر رضاعه، وصحّ بذلك من الدلالة علـى أن سائر ورثته غير آبـائه وأمهاته وأجداده وجداته من قِبَل أبـيه أو أمه فـي حكمه، فـي أنهم لا يـلزمهم له نفقة ولا أجر رضاع، إذ كان مولـى النعمة من ورثته، وهو مـمن لا يـلزمه له نفقة ولا أجر رضاع فوجب بإجماعهم علـى ذلك أن حكم سائر ورثته غير من استثنـي حكمه وكان إذا بطل أن يكون معنى ذلك ما وصفنا من أنه معنّـي به ورثة الـمولود، فبطول القول الآخر وهو أنه معنّـي به ورثة الـمولود له سوى الـمولود أحرى، لأن الذي هو أقرب بـالـمولود قرابة مـمن هو أبعد منه إذا لـم يصحّ وجوب نفقته وأجر رضاعه علـيه، فـالذي هو أبعد منه قرابة أحرى أن لا يصحّ وجوب ذلك علـيه.

وأما الذي قلنا من وجوب رزق الوالدة وكسوتها بـالـمعروف علـى ولدها إذا كانت الوالدة بـالصفة التـي وصفنا علـى مثل الذي كان يجب لها من ذلك علـى الـمولود له، فما لا خلاف فـيه من أهل العلـم جميعاً، فصح ما قلنا فـي الآية من التأويـل بـالنقل الـمستفـيض وراثة عمن لا يجوز خلافه، وما عدا ذلك من التأويلات فمتنازع فـيه، وقد دللنا علـى فساده.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{ فإنْ أرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَـيْهِمَا }.

يعنـي تعالـى ذكره بقوله:{ فإنْ أرَادَا } إن أراد والد الـمولود ووالدته فصالاً، يعنـي فصال ولدهما من اللبن. ويعنـي بـالفصال: الفطِام، وهو مصدر من قول القائل: فـاصلت فلاناً أفـاصله مفـاصلة وفِصالاً: إذا فـارقه من خـلطة كانت بـينهما، فكذلك فصال الفطيـم، إنـما هو منعه اللبن وقطعه شربه، وفراقه ثدي أمّه إلا الاغتذاء بـالأقوات التـي يغتذي بها البـالغ من الرجال. وبـما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

حدثنـي موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسبـاط، عن السدي قوله: { فإنْ أرَادَا فِصَالاً } يقول إن أرادا أن يفطماه قبل الـحولـين.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنا معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس:{ فإنْ أرَادَا فِصَالاً } فإن أرادا أن يفطماه قبل الـحولـين وبعده.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك:{ فإنْ أرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُما } قال: الفطام.

وأما قوله:{ عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُما وتَشَاوُرٍ } فإنه يعنـي بذلك: عن تراض من والدي الـمولود وتشاور منهما.

ثم اختلف أهل التأويـل فـي الوقت الذي أسقط الله الـجناح عنها إن فطماه عن تراض منهما وتشاور، وأيّ الأوقات الذي عناه الله تعالـى ذكره بقوله:{ فإنْ أرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُما وتَشَاوُرٍ } فقال بعضهم: عنى بذلك: فإن أرادا فصالاً فـي الـحولـين عن تراض منهما وتشاور، فلا جناح علـيهما. ذكر من قال ذلك:

حدثنـي موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسبـاط، عن السدي:{ فإنْ أرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُما وتَشَاوُرٍ } يقول: إذا أرادا أن يفطماه قبل الـحولـين فتراضيا بذلك، فلـيفطماه.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: إذا أرادت الوالدة أن تفصل ولدها قبل الـحولـين، فكان ذلك عن تراض منهما وتشاور، فلا بأس به.

حدثنا سفـيان، قال: ثنا أبـي، عن سفـيان، عن لـيث، عن مـجاهد:{ فإنْ أرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُما وتَشَاوُرٍ } قال: التشاور فـيـما دون الـحولـين لـيس لها أن تفطمه إلا أن يرضى، ولـيس له أن يفطمه إلا أن ترضى.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن سفـيان، عن لـيث، عن مـجاهد، قال: التشاور: ما دون الـحولـين، فإن أرادا فصالاً عن تراض منهما وتشاور دون الـحولـين، فلا جناح علـيهما، فإن لـم يجتـمعا فلـيس لها أن تفطمه دون الـحولـين.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو نعيـم، قال: ثنا سفـيان، عن لـيث، عن مـجاهد، قال: التشاور: ما دون الـحولـين، لـيس لها حتـى يجتـمعا.

حدثنـي الـمثنى،، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنـي اللـيث، قال: أخبرنا عقـيـل، عن ابن شهاب:{ فإنْ أرَادَا فِصَالاً } يفصلان ولدهما،{ عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُما وتَشَاوُرٍ } دون الـحولـين الكاملـين،{ فَلا جُناحَ عَلَـيْهِمَا }.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، وحدثنـي علـيّ، قال: ثنا زيد جميعا، عن سفـيان، قال: التشاور ما دون الـحولـين إذا اصطلـحا دون ذلك، وذلك قوله:{ فإنْ أرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُما وتَشَاوُرٍ }. فإن قالت الـمرأة: أنا أفطمه قبل الـحولـين، وقال الأب لا، فلـيس لها أن تفطمه قبل الـحولـين. وإن لـم ترض الأم فلـيس له ذلك حتـى يجتـمعا فإن اجتـمعا قبل الـحولـين فطماه، وإذا اختلفـا لـم يفطماه قبل الـحولـين، وذلك قوله:{ فإنْ أرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُما وتَشَاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَـيْهِمَا }.

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد:{ فإنْ أرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُما وتَشَاوُرٍ } قال: قبل السنتـين،{ فَلا جُناحَ عَلَـيْهِمَا }.

وقال آخرون: معنى ذلك: فإن أراد فصالاً عن تراض منهما وتشاور، فلا جناح علـيهما فـي أيّ وقت أرادا ذلك، قبل الـحولـين أراد ذلك أم بعد الـحولـين. ذكر من قال ذلك:

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس:{ فإنْ أرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُما وتَشَاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَـيْهِمَا } أن يفطماه قبل الـحولـين وبعده.

وأما قوله:{ عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُما وتَشَاوُرٍ } فإنه يعنـي: عن تراض منهما وتشاور فـيـما فـيه مصلـحة الـمولود لفطمه. كما:

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد:{ فإنْ أرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُما وتَشَاوُرٍ } قال: غير مسيئين فـي ظلـم أنفسهما ولا إلـى صبـيهما،{ فَلا جُناحَ عَلَـيْهِما }.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

وأولـى التأويـلـين بـالصواب، تأويـل من قال: فإن أراد فصالاً فـي الـحولـين عن تراض منهما وتشاور، لأن تـمام الـحولـين غاية لتـمام الرضاع وانقضائه، ولا تشاور بعد انقضائه وإنـما التشاور والتراضي قبل انقضاء نهايته. فإن ظنّ ذو غفلة أن للتشاور بعد انقضاء الـحولـين معنى صحيحاً، إذا كان من الصبـيان من تكون به علة يحتاج من أجلها إلـى تركه والاغتذاء بلبن أمه، فإن ذلك إذا كان كذلك، فإنـما هو علاج كالعلاج بشرب بعض الأدوية لا رضاع. فأما الرضاع الذي يكون فـي الفصال منه قبل انقضاء آخره تراض وتشاور من والدي الطفل الذي أسقط الله تعالـى ذكره لفطمهما إياه الـجناح عنهما قبل انقضاء آخر مدته، فإنـما الـحدّ الذي حدّه الله تعالـى ذكره بقوله:{ وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أوْلاَدَهُنَّ حَوْلَـيْن كامِلَـيْنِ لـمَنْ أرَادَ أنْ يُتِـمِّ الرِّضاعَةَ } علـى ما قد أتـينا علـى البـيان عنه فـيـما مضى قبل. وأما الـجناح: فـالـحرج. كما:

حدثنـي به الـمثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس:{ فَلا جُناحَ عَلَـيْهِمَا } فلا حرج علـيهما.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{ وَإنْ أرَدْتُـمْ أنْ تَسْتَرْضِعُوا أوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَـيْكَمْ إذَا سَلَّـمْتُـمْ ما آتَـيْتُـمْ بـالـمَعْرُوفِ }.

يعنـي تعالـى ذكره بذلك: وإن أردتـم أن تسترضعوا أولادكم مراضع غير أمهاتهم إذا أبت أمهاتهم أن يرضعنهم بـالذي يرضعنهم به غيرهن من الأجر، أو من خيفة ضيعة منكم علـى أولادكم بـانقطاع ألبـان أمهاتهم أو غير ذلك من الأسبـاب، فلا حرج علـيكم فـي استرضاعهن إذا سلـمتـم ما آتـيتـم بـالـمعروف.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

حدثنـي مـحمد بن عمرو قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد:{ وَإنْ أرَدْتُـمْ أنْ تَسْتَرْضِعُوا أوْلادَكُمْ } خيفة الضيعة علـى الصبـيّ فلا جناح علـيكم.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنـي عبد الله بن مـحمد الـحنفـي، قال: ثنا عبد الله بن عثمان، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، قال: أخبرنا أبو بشر ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنـي موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسبـاط، عن السدي: { وَإنْ أرَدْتُـمْ أنْ تَسْتَرْضِعُوا أوْلادَكُمْ } إن قالت الـمرأة: لا طاقة لـي به فقد ذهب لبنـي، فتسترضع له أخرى.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن جويبر، عن الضحاك، قال: لـيس للـمرأة أن تترك ولدها بعد أن يصطلـحا علـى أن ترضع، ويسلـمان ويجبران علـى ذلك. قال: فإن تعاسروا عند طلاق أو موت فـي الرضاع فإنه يعرض علـى الصبـيّ الـمراضع، فإن قبل مرضعاً صار ذلك وأرضعته، وإن لـم يقبل مرضعاً فعلـى أمه أن ترضعه بـالأجر إن كان له مال أو لعصبته، فإن لـم يكن له مال ولا لعصبته أكرهت علـى رضاعه.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، وحدثنـي علـيّ، قال: ثنا زيد جميعا، عن سفـيان:{ وَإنْ أرَدْتُـمْ أنْ تسْتَرْضِعُوا أوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَـيْكُمْ } إذا أبت الأم أن ترضعه فلا جناح علـى الأب أن يسترضِع له غيرها.

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله:{ وَإنْ أرَدْتُـمْ أنْ تَسْتَرْضِعُوا أوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَـيْكُمْ إذَا سَلّـمْتُـمْ مَا آتَـيْتُـمْ بـالـمَعْرُوفِ } قال: إذا رضيت الوالدة أن تسترضع ولدها ورضي الأب أن يسترضع ولده، فلـيس علـيهما جناح.

واختلفوا فـي قوله:{ إذَا سَلّـمْتُـمْ ما آتَـيْتُـمْ بـالـمَعْرُوفِ } فقال بعضهم: معناه: إذا سلـمتـم لأمهاتهم ما فـارقتـموهنّ علـيه من الأجرة علـى رضاعهن بحساب ما استـحقته إلـى انقطاع لبنها، أو الـحال التـي عذر أبو الصبّـي بطلب مرضع لولده غير أمه واسترضاعه له. ذكر من قال ذلك:

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد:{ إذَا سَلّـمْتُـمْ ما آتَـيْتـمْ بـالـمَعْرُوفِ } قال: حساب ما أرضع به الصبـي.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد:{ إذَا سَلَّـمْتُـمْ ما آتَـيْتُـمْ بـالـمَعْرُوفِ } حساب ما يرضع به الصبـيّ.

حدثنـي موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسبـاط، عن السدي:{ إذَا سَلَّـمْتُـمْ ما آتَـيْتُـمْ بـالـمَعْرُوفِ } إن قالت يعنـي الأم: لا طاقة لـي به فقد ذهب لبنـي، فسترضع له أخرى، ولـيسلـم لها أجرها بقدر ما أرضعت.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنـي سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن ابن جريج، قال: قلت، يعنـي لعطاء:{ وَإنْ أرَدْتُـمْ أنْ تَسْتَرْضِعُوا أوْلادَكُمْ } قال: أمه وغيرها، { فَلا جُنَاحَ عَلَـيْكُمْ إذَا سَلَّـمْتُـمْ } قال: إذا سلـمت لها أجرها،{ ما آتَـيْتُـمْ } قال: ما أعطيتـم.

وقال آخرون: معنى ذلك: إذا سلـمتـم للاسترضاع عن مشورة منكم ومن أمهات أولادكم الذين تسترضعون لهم، وتراض منكم ومنهن بـاسترضاعهم. ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله:{ فَلا جُناحَ عَلَـيْكُمْ إذَا سَلّـمْتُـمْ ما آتَـيْتُـم بـالـمَعْروفِ } يقول: إذا كان ذلك عن مشورة ورضا منهم.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالـح، قال: أخبرنـي اللـيث، قال: ثنـي عقـيـل، عن ابن شهاب: لا جناح علـيهما أن يسترضعا أولادهما، يعنـي أبوي الـمولود إذا سلـما ولـم يتضارّا.

حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع:{ إذَا سَلَّـمْتُـمْ ما آتَـيْتـمْ بـالـمَعْرُوفِ } يقول: إذا كان ذلك عن مشورة ورضا منهم.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: إذا سلـمتـم ما آتـيتـم بـالـمعروف إلـى التـي استرضعتـموها بعد إبـاء أم الـمرضع من الأجرة بـالـمعروف. ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، وحدثنـي علـيّ، قال: ثنا زيد جميعاً، عن سفـيان فـي قوله:{ إذَا سَلّـمْتُـمْ ما آتَـيْتُـمْ بـالـمَعرُوفِ } قال: إذا سلـمتـم إلـى هذه التـي تستأجرون أجرها بـالـمعروف، يعنـي إلـى من استرضع للـمولود إذا أبت الأم رضاعه.

وأولـى الأقوال بـالصواب فـي تأويـل ذلك قول من قال تأويـله: وإن أردتـم أن تسترضعوا أولادكم إلـى تـمام رضاعهن، ولـم تتفقوا أنتـم ووالدتهم علـى فصالهم، ولـم تروا ذلك من صلاحهم، فلا جناح علـيكم أن تسترضعوهم ظؤرة إن امتنعت أمهاتهم من رضاعهم لعلة بهنّ أو لغير علة إذا سلـمتـم إلـى أمهاتهم وإلـى الـمسترضعة الآخرة حقوقهنّ التـي آتـيتـموهنّ بـالـمعروف. يعنـي بذلك الـمعنى الذي أوجبه الله لهنّ علـيكم، وهو أن يوفـيهنّ أجورهنّ علـى ما فـارقهنّ علـيه فـي حال الاسترضاع ووقت عقد الإجارة. وهذا هو الـمعنى الذي قاله ابن جريج، ووافقه علـى بعضه مـجاهد والسدي ومن قال بقولهم فـي ذلك.

وإنـما قضينا لهذا التأويـل أنه أولـى بتأويـل الآية من غيره، لأن الله تعالـى ذكره ذكر قبل قوله:{ وَإنْ أرَدْتُـمْ أنْ تَسْتَرْضِعُوا أوْلادَكُمْ } أمر فصالهم، وبـين الـحكم فـي فطامهم قبل تـمام الـحولـين الكاملـين، فقال:{ فإنْ أرَادَا فصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُما } فـي الـحولـين الكاملـين، فلا جناح علـيها. فـالذي هو أولـى بحكم الآية، إذ كان قد بـين فـيها وجه الفصال قبل الـحولـين أن يكون الذي يتلو ذلك حكم ترك الفصال وإتـمام الرضاع إلـى غاية نهايته، وأن يكون إذ كان قد بـين حكم الأم إذا هي اختارت الرضاع بـما يرضع به غيرها من الأجرة، أن يكون الذي يتلو ذلك من الـحكم بـيان حكمها وحكم الولد إذا هي امتنعت من رضاعه كما كان ذلك كذلك فـي غير هذا الـموضع من كتاب الله تعالـى، وذلك فـي قوله:{ فإنْ أرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أجُورُهَنَّ وأتْـمِرُوا بَـيْنَكُمْ بِـمَعْرُوفٍ وَإنْ تَعاسَرْتُـمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى }، فأتبع ذكر بـيان رضا الوالدات برضاع أولادهن، ذكر بـيان امتناعهنّ من رضاعهن، فكذلك ذلك فـي قوله:{ وَإنْ أرَدْتُـمْ أنْ تَسْتَرْضِعُوا أوْلادَكُمْ }. وإنـما اخترنا فـي قوله:{ إذَا سَلّـمْتُـمْ ما آتَـيْتُـمْ بـالـمَعْرُوفِ } ما اخترنا من التأويـل لأن الله تعالـى ذكره فرض علـى أبـي الـمولود تسلـيـم حقّ والدته إلـيها مـما آتاها من الأجرة علـى رضاعها له بعد بـينونتها منه، كما فرض علـيه ذلك لـمن استأجره لذلك مـمن لـيس من مولده بسبـيـل وأمره بإيتاء كل واحدة منهما حقها بـالـمعروف علـى رضاع ولده فلـم يكن قوله: «إذا سلـمتـم» بأن يكون معنـيا به إذا سلـمتـم إلـى أمهات أولادكم الذين يرضعون حقوقهن بأولـى منه بأن يكون معنـياً به إذا سلـمتـم ذلك إلـى الـمراضع سواهن ولا الغرائب من الـمولود بأولـى أن يكنّ معنـيات بذلك من الأمهات، إذ كان الله تعالـى ذكره قد أوجب علـى أبـي الـمولود لكل من استأجره لرضاع ولده من تسلـيـم أجرتها إلـيها مثل الذي أوجب علـيه من ذلك للأخرى، فلـم يكن لنا أن نـحيـل ظاهر تنزيـل إلـى بـاطن ولا نقل عام إلـى خاص إلا بحجة يجب التسلـيـم لها فصح بذلك ما قلنا.

وأما معنى قوله:{ بـالـمَعْرُوفِ } فإن معناه: بـالإجمال والإحسان وترك البخس والظلـم فـيـما وجب للـمراضع.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:{ وَاتَّقُوا اللّهَ وَاعْلَـمُوا أنَّ اللّهَ بِـمَا تَعْمَلُونَ بَصيرٌ }.

يعنـي تعالـى ذكره بقوله:{ وَاتَّقُوا اللّهَ } وخافوا الله فـيـما فرض لبعضكم علـى بعض من الـحقوق، وفـيـما ألزم نساءكم لرجالكم ورجالكم لنسائكم، وفـيـما أوجب علـيكم لأولادكم فـاحذروه أن تـخالفوه فتعتدوا فـي ذلك وفـي غيره من فرائضه وحقوقه حدوده، فتستوجبوا بذلك عقوبته، واعلـموا أن الله بـما تعملون من الأعمال أيها الناس سرّها وعلانـيتها، وخفـيها وظاهرها، وخيرها وشرّها، بصير يراه ويعلـمه، ولا يخفـى علـيه شيء، ولا يغيب عنه منه شيء، فهو يحصي ذلك كله علـيكم حتـى يجازيكم بخير ذلك وشرّه. ومعنى بصير ذو إبصار، وهو فـي معنى مبصر.