التفاسير

< >
عرض

وَٱلْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ ٱللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا صَوَآفَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَانِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ كَذٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
٣٦
-الحج

جامع البيان في تفسير القرآن

يقول تعالـى ذكره: { والبُدْنَ } وهي جمع بَدَنة، وقد يقال لواحدها: بَدَن، وإذا قـيـل بَدَن احتـمل أن يكون جمعاً وواحداً، يدلّ علـى أنه قد يقال ذلك للواحد قول الراجز:

عَلـيَّ حِينَ تَـمْلِكُ الأُمُورَا صَوْمَ شُهُورٍ وَجَبَتْ نُذُورَا
وَحَلْقَ رأسِي وَافِـيا مَضْفُورَا وَبَدًنا مُدَرَّعا مَوْفُورَا

والبَدَن: هو الضخم من كلّ شيء، ولذلك قـيـل لامرىء القـيس بن النعمان صاحب الـخورنق والسَّدِير: البَدَن، لضخمه واسترخاء لـحمه، فإنه يقال: قد بَدَّن تبديناً. فمعنى الكلام: والإبل العظام الأجسام الضخام، جعلناها لكم أيها الناس من شعائر الله يقول: من أعلام أمر الله الذي أمركم به فـي مناسك حجكم إذا قلدتـموها وجللتـموها وأشعرتـموها، علـم بذلك وشعر أنكم فعلتـم ذلك من الإبل والبقر. كما:

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، عن ابن جُرَيج، قال: قال عطاء:{ والبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِن شَعائِرِ اللَّهِ } قال: البقرة والبعير.

وقوله: { لَكُمْ فِـيها خَيْرٌ } يقول: لكم فـي البدن خير وذلك الـخير هو الأجر فـي الآخرة بنـحرها والصدقة بها، وفـي الدنـيا: الركوب إذا احتاج إلـى ركوبها.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول الله:{ لَكُمْ فِـيها خَيْرٌ } قال: أجر ومنافع فـي البدن.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفـيان، عن منصور، عن إبراهيـم: { لَكُمْ فِـيها خَيْرٌ } قال: اللبن والركوب إذا احتاج.

حدثنا عبد الحميد ابن بيان، قال: أخبرنا إسحاق، عن شريك، عن منصور، عن إبراهيـم:{ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ } قال: إذا اضطررت إلـى بدنتك ركبتها وشربت من لبنها.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيـم: { لَكُمْ فِـيها خَيْرٌ } من احتاج إلـى ظهر البدنة ركب، ومن احتاج إلـى لبنها شرب.

وقوله:{ فـاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَـيْها صَوَافَّ } يقول تعالـى ذكره: فـاذكروا اسم الله علـى البدن عند نـحركم إياها صوافّ.

واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الأمصار:{ فـاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَـيْها صَوَافَّ } بمعنى مصطفة، واحدها: صافة، وقد صفت بـين أيديها. ورُوي عن الـحسن ومـجاهد وزيد بن أسلـم وجماعة أُخر معهم، أنهم قرءوا ذلك: «صَوَافِـيَ» بـالـياء منصوبة، بـمعنى: خالصة لله لا شريك له فـيها صافـية له. وقرأ بعضهم ذلك: «صَوَافٍ» بإسقاط الـياء وتنوين الـحرف، علـى مثال: عوارٍ وعوادٍ. ورُوي عن ابن مسعود أنه قرأه: «صَوَافِنٌ» بـمعنى: مُعْقلة.

والصواب من القراءة فـي ذلك عندي قراءة من قرأه بتشديد الفـاء ونصبها، لإجماع الـحجة من القرّاء علـيه بـالـمعنى الذي ذكرناه لـمن قرأه كذلك. ذكر من تأوّله بتأويـل من قرأه بتشديد الفـاء ونصبها:

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا جابر بن نوح، عن الأعمش، عن أبـي ظبـيان، عن ابن عبـاس، فـي قوله: { فـاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَـيْها صَوَافَّ } قال: الله أكبر الله أكبر، اللهمّ منك ولك. صوافّ: قـياماً علـى ثلاث أرجل. فقـيـل لابن عبـاس: ما نصنع بجلودها؟ قال: تصدّقوا بها، واستـمتعوا بها.

حدثنـي مـحمد بن عبد الله بن عبد الـحكم، قال: ثنا أيوب بن سويد، قال: ثنا سفـيان، عن الأعمش، عن أبـي ظبـيان، عن ابن عبـاس، فـي قوله: { صَوَافَّ } قال: قائمة، قال: يقول: الله أكبر، لا إله إلا الله، اللهمّ منك ولك.

حدثنـي مـحمد بن الـمثنى، قال: ثنا ابن أبـي عديّ، عن شعبة، عن سلـيـمان، عن أبـي ظبـيان، عن ابن عبـاس: { فـاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَـيْها صَوَافَّ } قال: قـياماً علـى ثلاث قوائم معقولة بـاسم الله، الله أكبر، اللهمّ منك ولك.

حدثنـي يعقوب، قال: ثنا هشيـم، قال: أخبرنا حصين، عن مـجاهد، عن ابن عبـاس، فـي قوله:{ صَوَافَّ } قال: معقولة إحدى يديها، قال: قائمة علـى ثلاث قوائم.

حدثنـي علـيّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، فـي قوله:{ فـاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَـيْها صَوَافَّ } يقول: قـياماً.

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله:{ فـاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَـيْها صَوَافَّ } والصوافّ: أن تعقل قائمة واحدة، وتصفها علـى ثلاث فتنـحرها كذلك.

حدثنـي يعقوب، قال: ثنا هشيـم، قال: أخبرنا يعلـى بن عطاء، قال: أخبرنا بجير بن سالـم، قال: رأيت ابن عمر وهو ينـحر بدنته، قال: فقال: { صَوَافَّ } كما قال الله، قال: فنـحرها وهي قائمة معقولة إحدى يديها.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: أخبرنا لـيث، عن مـجاهد، قال: الصَّوافّ: إذا عقلت رجلها وقامت علـى ثلاث.

قال: ثنا لـيث، عن مـجاهد، فـي قوله:{ فـاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَـيْها صَوَافَّ } قال: صوافّ بـين أوظافها.

حدثني مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد:{ صَوَافَّ } قال: قـيام صواف علـى ثلاث قوائم.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد:{ فـاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَـيْها صَوَافَّ } قال: بـين وظائفها قـياماً.

حدثنا ابن البرقـي، قال: ثنا ابن أبـي مريـم، قال: أخبرنا يحيى بن أيوب، عن خالد بن يزيد، عن ابن أبـي هلال، عن نافع، عن عبد الله: أنه كان ينـحر البُدن وهي قائمة مستقبلة البـيت تصفّ أيديها بـالقـيود، قال: هي التـي ذكر الله:{ فـاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَـيْها صَوَافَّ }.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنـي جرير، عن منصور، عن رجل، عن أبـي ظبـيان، عن ابن عبـاس، قال: قلت له: قول الله{ فـاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَـيْها صَوَافَّ }؟ قال: إذا أردت أن تنـحر البدنة فـانـحرها، وقل: الله أكبر، لا إله إلا الله، اللهم منك ولك، ثم سمّ ثم انـحرها. قلت: فأقول ذلك للأضحية؟ قال: وللأضحية.

ذكر من تأوّله بتأويـل من قرأه: «صَوَافِـيَ» بـالـياء:

حدثنا ابن عبد الأعلـىء، قال: ثنا الـمعتـمر، عن أبـيه، عن الـحسن أنه قال: «فـاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَـيْها صَوَافِـيَ» قال: مُخْـلَصين.

قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، قال: قال الـحسن: «صَوَافِـيَ»: خالصة.

حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، قال: قال الـحسن: «صَوَافِـيَ»: خالصة لله.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفـيان، عن قـيس بن مسلـم، عن شقـيق الضبـيّ: «فـاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَـيْها صَوَافِـيَ» قال: خالصة.

قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا أيـمن بن نابل، قال: سألت طاوسا عن قوله: «فـاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَـيْها صَوَافِـيَ» قال: خالصاً.

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: «فـاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَـيْها صَوَافِـيَ» قال: خالصة لـيس فـيها شريك كما كان الـمشركون يفعلون، يجعلون لله ولآلهتهم صوافـي صافـية لله تعالـى.

ذكر من تأوّله بتأويـل من قرأه «صَوَافِنَ»:

حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قَتادة: فـي حرف ابن مسعود: «فـاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَـيْها صَوَافنَ»: أي معقلة قـياماً.

حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قَتادة: فـي حرف ابن مسعود: «فـاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَـيْها صَوَافنَ» قال: أي معقلة قـياماً.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفـيان، عن منصور، عن مـجاهد، قال: من قرأها «صَوَافِنَ» قال: معقولة. قال: ومن قرأها: صَوَافَّ قال: تصفُّ بـين يديها.

حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: { فـاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَـيْها صَوَافَّ } يعنـي صوافن، والبدنة إذا نـحرت عقلت يد واحدة، فكانت علـى ثلاث، وكذلك تُنـحر.

قال أبو جعفر: وقد تقدم بـيان أولـى هذه الأقوال بتأويـل قوله: { صَوَافَّ } وهي الـمصطفة بـين أيديها الـمعقولة إحدى قوائمها.

وقوله:{ فإذَا وَجَبَتْ جُنُوبُها } يقول: فإذا سقطت فوقعت جنوبها إلـى الأرض بعد النـحر،{ فَكُلُوا مِنْها } وهو من قولهم: قد وجبت الشمس: إذا غابت فسقطت للتغيب، ومنه قول أوس ابن حجر:

ألَـمْ تُكْسَفِ الشَّمْسُ والبَدْرُ والْ كوَاكِبُ للْـجَبَلِ الوَاجِبِ

يعنـي بـالواجب: الواقع.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنـي عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد:{ فإذَا وَجَبَتْ جُنُوبُها } سقطت إلـى الأرض.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، فـي قوله:{ فإذَا وَجَبَتْ جُنُوبُها } قال: إذا فرغت ونُـحِرت.

حدثنـي مـحمد بن عمارة، قال: ثنا عبـيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيـل، عن أبـي يحيى، عن مـجاهد:{ فإذَا وَجَبَتْ } نـحرت.

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله:{ فإذَا وَجَبَتْ جُنُوبُها } قال: إذا نـحرت.

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله:{ فإذَا وَجَبَتْ جُنُوبُها } قال: فإذا ماتت.

وقوله:{ فَكُلُوا مِنْها } وهذا مخرجه مخرج الأمر ومعناه الإبـاحة والإطلاق يقول الله: فإذا نـحرت فسقطت ميتة بعد النـحر فقد حلّ لكم أكلها، ولـيس بأمر إيجاب.

وكان إبراهيـم النـخعي يقول فـي ذلك ما:

حدثنا مـحمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفـيان، عن منصور، عن إبراهيـم، قال: الـمشركون كانوا لا يأكلون من ذبـائحهم، فرخص للـمسلـمين، فأكلوا منها، فمن شاء أكل ومن شاء لـم يأكل.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفـيان، عن حصين، عن مـجاهد، قال: إن شاء أكل وإن شاء لـم يأكل، فهي بـمنزلة: { فإذَا حَلَلْتُـمْ فـاصْطادُوا } .

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس:{ فَكُلُوا مِنْها وأطْعِمُوا القانِعَ والـمُعْتَرَّ } يقول: يأكل منها ويطعم.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنا هشيـم، قال: أخبرنا يونس، عن الـحسن. وأخبرنا مغيرة، عن إبراهيـم، وأخبرنا حجاج، عن عطاء. وأخبرنا حصين، عن مـجاهد، فـي قوله:{ فَكُلُوا مِنْها } قال: إن شاء أكل وإن شاء لـم يأكل، قال مـجاهد: هي رخصة، هي كقوله: { فإذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فـانْتَشِرُوا فِـي الأرْضِ } ومثل قوله: { وَإذَا حَلَلْتُـمْ فـاصْطادُوا } ، وقوله: { وأطْعِمُوا القانِعَ والـمُعْتَرَّ } يقول: فأطعموا منها القانع.

واختلف أهل التأويـل فـي الـمعنـيّ بـالقانع والـمعترّ، فقال بعضهم: القانع الذي يقنع بـما أعطي أو بـما عنده ولا يسأل، والـمعترّ: الذي يتعرّض لك أن تطعمه من اللـحم ولا يسأل. ذكر من قال ذلك:

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، فـي قوله:{ وأطْعِمُوا القانِعَ والـمُعْتَرَّ } قال: القانع: الـمستغنـي بـما أعطيته وهو فـي بـيته، والـمعترّ: الذي يتعرّض لك ويـلـمّ بك أن تطعمه من اللـحم ولا يسأل. وهؤلاء الذين أمر أن يطعموا من البُدن.

حدثنـي يعقوب، قال: ثنا ابن علـية، عن لـيث، عن مـجاهد، قال: القانع: جارك الذي يقنع بـما أعطيته، والـمعترّ: الذي يتعرّض لك ولا يسألك.

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي أبو صخر، عن القرظي أنه كان يقول فـي هذه الآية:{ وأطْعِمُوا القانِعَ والـمُعْتَرَّ } القانع: الذي يقنع بـالشيء الـيسير يرضى به، والـمعترّ: الذي يـمرّ بجانبك لا يسأل شيئا فذلك الـمعترّ.

وقال آخرون: القانع: الذي يقنع بـما عنده ولا يسأل والـمعترّ: الذي يعتريك فـيسألك. ذكر من قال ذلك:

حدثنـي علـيّ، قال: ثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس، قوله:{ القانِعَ والـمُعْتَرَّ } يقول: القانع الـمتعفف{ والـمُعْتَرَّ } يقول: السائل.

حدثنا ابن أبـي الشوارب، قال: ثنا عبد الواحد، قال: ثنا خصيف، قال: سمعت مـجاهداً يقول: القانع: أهل مكة والـمعترّ: الذي يعتريك فـيسألك.

حدثنـي أبو السائب، قال: ثنا عطاء، عن خصيف، عن مـجاهد فذكر مثله.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مسلـم بن إبراهيـم، قال: ثنـي كعب بن فروخ، قال: سمعت قَتادة يحدث، عن عكرمة، فـي قوله: { القانِعَ والـمُعْتَرَّ } قال: القانع: الذي يقعد فـي بـيته، والـمعترّ: الذي يسأل.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الأعلـى، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، قال: القانع: الـمتعفف الـجالس فـي بـيته والـمعترّ: الذي يعتريك فـيسألك.

حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قال:{ القانِعَ والـمُعْتَرَّ } قال: القانع: الطامع بـما قِبلك ولا يسألك والـمعترّ: الذي يعتريك ويسألك.

حدثنـي نصر بن عبد الرحمن، قال: ثنا الـمـحاربـي، عن سفـيان، عن منصور، عن مـجاهد وإبراهيـم قالا: القانع: الـجالس فـي بـيته والـمعترّ: الذي يسألك.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الأعلـى، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة فـي القانع والـمعترّ، قال: القانع: الذي يقنع بـما فـي يديه والـمعترّ: الذي يعتريك، ولكلـيهما علـيك حقّ يا ابن آدم.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مـجاهد:{ فَكُلُوا منْها وأطْعمُوا القانِعَ والـمُعْتَرَّ } قال: القانع الذي يجلس فـي بـيته. والـمعترّ: الذي يعتريك.

وقال آخرون: القانع: هو السائل، والـمعترّ: هو الذي يعتريك ولا يسأل. ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الأعلـى، قال: ثنا يونس، عن الـحسن، قال: القانع: الذي يقنع إلـيك ويسألك والـمعترّ: الذي يتعرّض لك ولا يسألك.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنا مـحمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن منصور بن زاذان، عن الـحسن، فـي هذه الآية:{ وأطْعِمُوا القانِعَ والـمُعْتَرَّ } قال: القانع: الذي يقنع، والـمعترّ: الذي يعتريك. قال: وقال الكلبـي: القانع: الذي يسألك والـمعترّ: الذي يعتريك، يتعرّض ولا يسألك.

حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي، قال: ثنا الـمـحاربـي، عن سفـيان، عن يونس، عن الـحسن، فـي قوله:{ وأطْعِمُوا القانِعَ والـمُعْتَرَّ } قال: القانع: الذي يسألك، والـمعترّ: الذي يتعرّض لك.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، عن أبـيه، قال: قال سعيد بن جُبـير: القانع: السائل.

حدثنـي مـحمد بن إسماعيـل الأحمسي، قال: ثنـي غالب، قال: ثنـي شريك، عن فرات القزاز، عن سعيد بن جُبـير، فـي قوله: { القانِعَ } قال: هو السائل، ثم قال: أما سمعت قول الشماخ

.

لَـمَالُ الـمَرْءِ يُصْلِـحُهُ فَـيُغْنى مَفـاقَرهُ أعَفُّ مِنَ القُنُوعِ

قال: من السؤال.

حدثنـي يعقوب، قال: ثنا ابن علـية، قال: أخبرنا يونس، عن الـحسن، أنه قال فـي قوله:{ وأطْعِمُوا القانِعَ والـمُعْتَرَّ } قال: القانع: الذي يقنع إلـيك يسألك، والـمعترّ: الذي يريك نفسه ويتعرّض لك ولا يسألك.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنا هشام، قال: أخبرنا منصور ويونس، عن الـحسن، قال: القانع: السائل، والـمعترّ: الذي يتعرّض ولا يسأل.

حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي عبد الله بن عياش، قال: قال زيد بن أسلـم: القانع: الذي يسأل الناس.

وقال آخرون: القانع: الـجار، والـمعترّ: الذي يعتريك من الناس. ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت لـيثاً، عن مـجاهد، قال: القانع: جارك وإن كان غنـيًّا، والـمعترّ: الذي يعتريك.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن ابن أبـي نـجيح، قال: قال مـجاهد، فـي قوله:{ وأطْعِمُوا القانِعَ والـمُعْتَرَّ } قال: القانع: جارك الغنـيّ، والـمعترّ: من اعتراك من الناس.

حدثنـي يعقوب، قال: ثنا هشيـم، قال: أخبرنا مغيرة، عن إبراهيـم، فـي قوله:{ وأطْعِمُوا القانِعَ والـمُعْتَرَّ } أنه قال: أحدهما السائل، والآخر الـجار.

وقال آخرون: القانع: الطوّاف، والـمعترّ: الصديق الزائر. ذكر من قال ذلك:

حدثنـي مـحمد بن عبد الله بن عبد الـحكم، قال: ثنـي أبـي وشعيب بن اللـيث، عن اللـيث، عن خالد بن يزيد، عن ابن أبـي هلال، قال: قال زيد بن أسلـم، فـي قول الله تعالـى:{ القانِعَ والـمُعْتَرَّ } فـالقانع: الـمسكين الذي يطوف، والـمعترّ: الصديق والضعيف الذي يزور.

وقال آخرون: القانع: الطامع، والـمعترّ: الذي يعترّ بـالبدن. ذكر من قال ذلك:

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله:{ القانِعَ } قال: الطامع والـمعترّ: من يعترّ بـالبدن من غنـيّ أو فقـير.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: أخبرنـي عمر بن عطاء، عن عكرِمة، قال: القانع: الطامع.

وقال آخرون: القانع: هو الـمسكين، والـمعترّ: الذي يتعرّض للـحم. ذكر من قال ذلك:

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: { وأطْعِمُوا القانِعَ والـمُعْتَرَّ } قال: القانع: الـمسكين، والـمعترّ: الذي يعترّ للقوم للـحمهم ولـيس بـمكسين، ولا تكون له ذبـيحة، يجيء إلـى القوم من أجل لـحمهم، والبـائس الفقـير: هو القانع.

وقال آخرون بـما:

حدثنا به ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفـيان، عن فرات، عن سعيد بن جُبـير، قال: القانع: الذي يقنع، والـمعترّ: الذي يعتريك.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفـيان، عن يونس، عن الـحسن بـمثله.

قال: ثنا سفـيان، عن منصور، عن إبراهيـم ومـجاهد:{ القانِعَ والـمُعْتَرَّ } القانع: الـجالس فـي بـيته، والـمعترّ: الذي يتعرّض لك.

وأولـى هذه الأقوال بـالصواب قول من قال: عنـي بـالقانع: السائل لأنه لو كان الـمعنـيّ بـالقانع فـي هذا الـموضع الـمكتفـي بـما عنده والـمستغنـي به، لقـيـل: وأطعموا القانع والسائل، ولـم يقل: وأطعموا القانع والـمعترّ. وفـي إتبـاع ذلك قوله: والـمعترّ الدلـيـل الواضح علـى أن القانع معنـيّ به السائل، من قولهم: قنع فلان إلـى فلان، بـمعنى سأله وخضع إلـيه، فهو يقنع قنوعاً ومنه قول لبـيد:

وأعْطانِي المَوْلى عَلى حِينَ فَقْرِهِ إذَا قالَ أبْـصِرْ خَـلَّتِـي وَقُنُوعـي

وأما القانع الذي هو بـمعنى الـمكتفـي، فإنه من قَنِعْت به بكسر النون أقنع قناعة وقنعاً وقنعاناً. وأما الـمعترّ: فإنه الذي يأتـيك معترّاً بك لتعطيه وتطعمه.

وقوله:{ كَذلكَ سَخَّرْناها لَكُمْ } يقول هكذا سخرنا البدن لكم أيها الناس { لَعَلَّكُمْ تَشكُرونَ } يقول: لتشكرونـي علـى تسخيرها لكم.