التفاسير

< >
عرض

وَلْيَسْتَعْفِفِ ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَٱلَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ آتَاكُمْ وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى ٱلْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُواْ عَرَضَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُنَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٣٣
-النور

جامع البيان في تفسير القرآن

يقول تعالـى ذكره:{ ولـيَسْتَعْفِف الَّذِينَ لا يَجِدُون } ما ينكحون به النساء عن إتـيان ما حرّم الله علـيهم من الفواحش،{ حَتَّـى يُغْنِـيَهُمُ اللّهُ مِنْ } سعة { فَضْلِهِ }، ويوسِّع علـيهم من رزقه.

وقوله:{ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الكِتابَ مِـمَّا مَلَكَتْ أيـمَانُكُمْ } يقول جلّ ثناؤه: والذين يـلتـمسون الـمكاتبة منكم من مـمالـيككم،{ فكاتِبُوهُمْ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهمْ خَيْراً }.

واختلف أهل العلـم فـي وجه مكاتبة الرجل عبده الذي قد علـم فـيه خيراً، وهل قوله:{ فَكاتِبُوهُم إنْ عَلِـمْتُـمْ فـيهِمْ خَيْراً } علـى وجه الفرض أم هو علـى وجه الندب؟ فقال بعضهم: فرض علـى الرجل أن يكاتب عبده الذي قد علـم فـيه خيرا إذا سأله العبد ذلك.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن جُرَيج، قال: قلت لعطاء: أواجب علـيّ إذا علـمت مالاً أن أكاتبه؟ قال: ما أراه إلاَّ واجبـاً. وقالها عمرو بن دينار، قال: قلت لعطاء: أَتأْثِرُه عن أحد؟ قال: لا.

حدثنا مـحمد بن بشار، قال: ثنا مـحمد بن بكر، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، عن أنس بن مالك، أن سيرين، أراد أن يكاتبه فتلكَّأ علـيه، فقال له عمر: لتكاتبنه

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قال: لا ينبغي لرجل إذا كان عنده الـمـملوك الصالـح الذي له الـمال يريد إن يكاتب ألاَّ يكاتبه.

وقال آخرون: ذلك غير واجب علـى السيد، وإنـما قوله:{ فَكاتِبُوهُمْ }: نَدْب من الله سادَة العبـيد إلـى كتابة من علـم فـيه منهم خير، لا إيجاب.

ذكر من قال ذلك:

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال مالك بن أنس: الأمر عندنا أن لـيس علـى سيد العبد أن يكاتبه إذا سأله ذلك، ولـم أسمع بأحد من الأئمة أكره أحداً علـى أن يكاتب عبده. وقد سمعت بعض أهل العلـم إذا سُئل عن ذلك فقـيـل له: إن الله تبـارك وتعالـى يقول فـي كتابه:{ فَكاتِبُوهُمْ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهِمْ خَيْراً } يتلو هاتـين الآيتـين: { فإذَا حَلَلْتُـمْ فـاصْطادُوا فإذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فـانْتَشِرُوا فـي الأرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللّهِ } قال مالك: فإنـما ذلك أمر أذِن الله فـيه للناس، ولـيس بواجب علـى الناس ولا يـلزم أحداً. وقال الثوريّ: إذا أراد العبد من سيده أن يكاتبه، فإن شاء السيد أن يكاتبه كاتبه، ولا يُجْبر السيد علـى ذلك.

حدثنـي بذلك علـيّ عن زيد عنه وحدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: { فَكاتِبُوهُمْ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهمْ خَيْراً } قال: لـيس بواجب علـيه أن يكاتبه، إنـما هذا أمر أذن الله فـيه ودلـيـل.

وأولـى القولـين فـي ذلك عندي بـالصواب قول من قال: واجب علـى سيد العبد أن يكاتبه إذا علـم فـيه خيرا وسأله العبد الكتابة وذلك أن ظاهر قوله:{ فَكاتِبُوهُمْ } ظاهر أمر، وأمر الله فرضٌ الانتهاء إلـيه، ما لـم يكن دلـيـلٌ من كتاب أو سنة علـى أنه ندب، لـما قد بـيَّنا من العلة فـي كتابنا الـمسمى «البـيان عن أصول الأحكام».

وأما الـخير الذي أمر الله تعالـى ذكره عبـاده بكتابة عبـيدهم إذا علـموه فـيهم، فهو القُدْرة علـى الاحتراف والكسب لأداء ما كوتبوا علـيه.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفـيان، عن عبد الكريـم الـجزري، عن نافع، عن ابن عمر: أنه كره أن يكاتِب مـملوكه إذا لـم تكن له حرفة، قال: تطعمنـي أوساخ الناس.

حدثنـي علـيّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، قوله:{ فَكاتِبوهُمْ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهمْ خَيْراً } يقول: إن علـمتـم لهم حيـلة، ولا تلقوا مُؤْنتهم علـى الـمسلـمين.

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا أشهب، قال: سئل مالك بن أنس، عن قوله: { فكاتبوهم إن علـمتـم فـيه خيراً }فقال: إنه لـيقال: الـخير القوة علـى الأداء.

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثنـي ابن زيد، عن أبـيه، قول الله:{ فَكاتِبُوهُمْ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهمْ خَيْراً } قال: الـخير: القوة علـى ذلك.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: إن علـمتـم فـيهم صدقاً ووفـاء وأداء.

ذكر من قال ذلك:

حدثنـي يعقوب، قال: ثنا ابن علـية، قال: أخبرنا يونس، عن الـحسن، فـي قوله: { فَكاتِبُوهُمْ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهمْ خَيْراً } قال: صدقاً ووفـاء وأداء وأمانة.

قال: ثنا ابن عُلَـية، قال: ثنا عبد الله، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد وطاوس، أنهما قالا فـي قوله:{ فَكاتِبُوهُمْ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهمْ خَيْراً } قالا: مالاً وأمانة.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا جابر بن نوح، قال: ثنا إسماعيـل بن أبـي خالد، عن أبـي صالـح: { فكاتِبُوهُمْ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهمْ خَيْراً } قال: أداء وأمانة.

حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: ثنا مـحمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن الـمغيرة، قال: كان إبراهيـم يقول فـي هذه الآية:{ فَكاتِبُوهُمْ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهمْ خَيْراً } قال: صدقاً ووفـاء، أو أحدهما.

حدثنا أبو بكر، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت عبد الـملك بن أبـي سلـيـمان، عن عطاء، فـي قوله:{ فَكاتِبُوهُمْ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهِمْ خَيْراً } قال: أداء ومالاً.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن جُرَيج، قال: قال عمرو بن دينار: أحسبه كل ذلك الـمال والصلاح.

حدثنـي علـيّ بن سهل، قال: ثنا زيد، قال: ثنا سفـيان:{ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهِم خَيْراً } يعنـي: صدقا ووفـاء وأمانة.

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله:{ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهِمْ خَيْراً }، قال: إن علـمت فـيه خيرا لنفسك، يؤدّي إلـيك ويصدّقك ما حدثك، فكاتبه.

وقال آخرون بل معنى ذلك: إن علـمتـم لهم مالاً.

ذكر من قال ذلك

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، فـي قوله:{ فَكاتِبُوهُمْ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهِمْ خَيْراً } يقول: إن علـمتـم لهم مالاً.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال ابن عبـاس:{ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهِمْ خَيْراً } قال: مالاً.

حدثنا ابن بشار وابن الـمثنى، قالا: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا شعبة، عن الـحكم، عن مـجاهد:{ فَكاتِبُوهُمْ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهِمْ خَيْراً } قال: مالاً.

حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: ثنا مـحمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن الـحكم، عن مـجاهد، مثله.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول الله:{ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهِمْ خَيْراً } قال: لهم مالاً، فكاتبوهم.

حدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد:{ فَكاتِبُوهُمْ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهِمْ خَيْراً } قال: إن علـمتـم لهم مالاً، كائنة أخلاقهم وأديانهم ما كانت.

حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: ثنا مـحمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن منصور، عن زَاذان، عن عطاء بن أبـي رَبـاح: { فَكاتِبُوهُمْ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهِمْ خَيْراً } قال: مالاً.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنا هشيـم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن مـجاهد، قال: إن علـمتـم عندهم مالاً.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي مـحمد بن عمرو الـيافعيّ، عن ابن جُرَيج، أن عطاء بن أبـي رَبـاح، كان يقول: ما نراه إلاَّ الـمال، يعنـي قوله: { إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهِمْ خَيْراً } قال: ثم تلا: { كُتِبَ عَلَـيْكُمْ إذَا حَضَرَ أحَدَكُمُ الـمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْراً } .

وأولـى هذه الأقوال فـي معنى ذلك عندي قول من قال: معناه: فكاتبوهم إن علـمتـم فـيهم قوّة علـى الاحتراف والاكتساب ووفـاء بـما أوجب علـى نفسه وألزمها وصدق لهجة. وذلك أن هذه الـمعانـي هي الأسبـاب التـي بـمولـى العبد الـحاجةُ إلـيها إذا كاتب عبده مـما يكون فـي العبد فأما الـمال وإن كان من الـخير، فإنه لا يكون فـي العبد وإنـما يكون عنده أو له لا فـيه، والله إنـما أوجب علـينا مكاتبة العبد إذا علـمنا فـيه خيراً لا إذا علـمنا عنده أو له، فلذلك لـم نقل: إن الـخير فـي هذا الـموضع معنـيّ به الـمال.

وقوله:{ وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الَّذِي آتاكُمْ } يقول تعالـى ذكره: وأعطُوهم من مال الله الذي أعطاكم.

ثم اختلف أهل التأويـل فـي الـمأمور بإعطائه من مال الله الذي أعطاه مَنْ هو؟ وفـي الـمال أيّ الأموال هو؟ فقال بعضهم: الذي أمر الله بإعطاء الـمكاتب من مال الله هو مولَـى العبد الـمكاتَب، ومال الله الذي أُمر بإعطائه منه هو مال الكِتابة، والقدر الذي أمر أن يعطيه منه الربع.

وقال آخرون: بل ما شاء من ذلك الـمولـى.

ذكر من قال ذلك:

حدثنـي عمرو بن علـيّ، قال: ثنا عمران بن عيـينة، قال: ثنا عطاء بن السائب، عن أبـي عبد الرحمن السُّلَـمِيّ، عن علـيّ فـي قول الله:{ وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الَّذِي آتاكُمْ } قال: ربع الـمكاتبة.

حدثنا الـحسن بن عرفة، قال: ثنا عبد الرحمن بن مـحمد الـمـحاربـي، عن عطاء بن السائب، عن أبـي عبد الرحمن السُّلَـميّ، عن علـيّ، فـي قوله الله:{ وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الَّذِي آتاكُمْ } قال: ربع الكتابة يحطُّها عنه.

حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: ثنا ابن عُلـيَة، عن لـيث، عن عبد الأعلـى، عن أبـي عبد الرحمن، عن علـيّ رضي الله عنه، فـي قول الله:{ وآتوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الَّذِي آتاكُمْ } قال: الربع من أوّل نـجومه.

قال: أخبرنا ابن عُلَـية، قال: عطاء بن السائب، عن أبـي عبد الرحمن السُّلَـميّ، عن علـيّ، فـي قول:{ وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الَّذِي آتاكُمْ } قال: الربع من مكاتبته.

حدثنا مـحمد بن إسماعيـل الأَحمسيّ، قال: ثنا مـحمد بن عبـيد، قال: ثنـي عبد الـملك بن أبـي سلـيـمان، عن عبد الـملك بن أعين، قال: كاتب أبو عبد الرحمن غلاماً فـي أربعة آلاف درهم، ثم وضع له الربع، ثم قال: لولا أنـي رأيت علـيًّا رضوان الله علـيه كاتب غلاماً له ثم وضع له الربع، ما وضعت لك شيئاً.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنا مـحمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن عبد الأعلـى، عن أبـي عبد الرحمن السُّلَـمي: أنه كاتب غلاماً له علـى ألف ومِئتـين، فترك الربع وأشهدنـي، فقال لـي: كان صديقك يفعل هذا، يعنـي علـيًّا رضوان الله علـيه، يتأوّل:{ وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الَّذِي آتاكُمْ }.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفـيان، عن عبد الـملك، قال: ثنـي فضالة بن أبـي أمية، عن أبـيه، قال: كاتبنـي عمر بن الـخطاب رضي الله عنه، فـاستقرض لـي من حَفْصة مِئَتَـي درهم. قلت: ألا تـجعلها فـي مكاتبتـي؟ قال: إنـي لا أدري أدرك ذاك أم لا.

قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفـيان، بلغنـي أنه كاتبه علـى مِئَة أوقـية: قال: ثنا سفـيان، عن عبد الـملك، قال: ذكرت ذلك لعكرِمة، فقال: هو قول الله:{ وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الَّذِي آتاكُمْ }.

حدثنـي علـيّ، قال: ثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، فـي قول الله: { وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الَّذِي آتاكُمْ } يقول: ضعوا عنهم من مكاتبتهم.

حدثني مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس:{ وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الَّذِي آتاكُمْ } يقول: ضعوا عنهم مـما قاطعتـموهم علـيه.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت عبد الـملك بن أبـي سلـيـمان، عن عطاء، فـي قوله: { وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الَّذِي آتاكُمْ } قال: مـما أخرج الله لكم منهم.

حدثنـي أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، عن لـيث، عن مـجاهد:{ وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الَّذِي آتاكُمْ } قال: آتِهِم مـما فـي يديك.

حدثنـي الـحسين بن عمرو العنقزي، قال: ثنـي أبـي، عن أسبـاط، عن السديّ، عن أبـيه، قال: كاتبتْنـي زينب بنت قـيس بن مَخْرمة من بنـي الـمطلب بن عبد مناف علـى عشرة آلاف، فتركت لـي ألفـاً وكانت زينب قد صلَّت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم القبلتـين جميعاً.

حدثنا مـجاهد بن موسى، قال: ثنا يزيد، قال: أخبرنا ابن مسعود الـجريريّ، عن أبـي نَضْرة، عن أبـي سعيد، مولـى أبـي أَسِيد، قال: كاتبنـي أبو أَسِيد، علـى ثنتـي عشرة مئة، فجئته بها، فأخذ منها ألفـا وردّ علـيّ مِئتـين.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا هارون بن الـمغيرة، عن عنبسة، عن سالـم الأفطس، عن سعيد بن جبـير، قال: كان ابن عمر إذا كاتب مكاتبه لـم يضع عنه شيئاً من أوّل نـجومه مخافة أن يعجِز فترجع إلـيه صدقته، ولكنه إذا كان فـي آخر مكاتبته وضع عنه ما أحبّ.

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي مَخْرَمة، عن أبـيه، عن نافع، قال: كاتب عبد الله بن عمر غلاماً له يقال له شرف علـى خمسة وثلاثـين ألف درهم، فوضع من آخر كتابته خمسة آلاف. ولـم يذكر نافع أنه أعطاه شيئاً غير الذي وضع له.

قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال مالك: سمعت بعض أهل العلـم يقول: إن ذلك أن يكاتب الرجل غلامه، ثم يضع عنه من آخر كتابته شيئاً مسمَّى. قال مالك: وذلك أحسن ما سمعت، وعلـى ذلك أهل العلـم وعملُ الناس عندنا.

حدثنـي علـيّ، قال: ثنا زيد، قال: ثنا سفـيان: أحبّ إلـيّ أن يعطيه الربع أو أقلّ منه شيئاً، ولـيس بواجب وأن يفعل ذلك حسن.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عطاء، عن عبد الله بن حبـيب أبـي عبد الرحمن السُّلَـميّ، عن علـيّ رضي الله عنه:{ وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الَّذِي آتاكُمْ } قال: هو ربع الـمكاتبة.

وقال آخرون: بل ذلك حضّ من الله أهل الأموال علـى أن يعطوهم سهمهم الذي جعله لهم من الصدقات الـمفروضة لهم فـي أموالهم بقوله:{ إنَّـمَا الصَّدَقاتُ للْفُقَرَاءِ وَالـمَساكِينِ والعامِلِـينَ عَلَـيْها والـمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهمْ وفِـي الرّقابِ } قال: فـالرِّقاب التـي جعل فـيها أحد سُهْمان الصدقة الثمانـية هم الـمكاتَبون، قال: وإياه عنى جلّ ثناؤه بقوله:{ وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الَّذِي آتاكُمْ }: أي سَهمْهم من الصدقة.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد، قال: ثنـي يحيى بن واضح، قال: ثنا الـحسين، عن ابن زيد، عن أبـيه، قوله:{ وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الَّذِي آتاكُمْ } قال: يحثّ الله علـيه، يُعْطَوْنه.

حدثنـي يعقوب، قال: ثنـي ابن عُلَـية، قال: أخبرنا يونس، عن الـحسن: { وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الَّذِي آتاكُمْ } قال: حثّ الناسَ علـيه مولاه وغيره.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن حماد، عن إبراهيـم، فـي قوله:{ وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الَّذِي آتاكُمْ } قال: يعطِي مكاتَبَه وغيره، حَثَّ الناس علـيه.

حدثنـي يعقوب، قال: ثنا هُشيـم، عن مغيرة، عن إبراهيـم أنه قال فـي قوله:{ وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الَّذِي آتاكُمْ } قال: أمر مولاه والناس جميعاً أن يعينوه.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنا مـحمد، قال: ثنا شعبة، عن مغيرة، عن إبراهيـم:{ وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الَّذِي آتاكُمْ } قال: أمر الـمسلـمين أن يُعْطُوهم مـما آتاهم الله.

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثنـي ابن زيد، عن أبـيه: { وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الَّذِي آتاكُمْ } قال: ذلك فـي الزكاة علـى الوُلاة يعطونهم من الزكاة، يقول الله: { وفِـي الرّقابِ }.

قال: ثنـي ابن زيد، عن أبـيه:{ وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الَّذِي آتاكُمْ } قال: الفَـيْء والصدقات. وقرأ قول الله: { إنَّـمَا الصَّدَقاتُ للْفُقُراءِ وَالـمَساكِينِ } ، وقرأ حتـى بلغ: { وفِـي الرّقابِ } فأمر الله أن يوفوها منه، فلـيس ذلك من الكتابة. قال: وكان أبـي يقول: ماله وللكتابة هو من مال الله الذي فَرَض له فـيه نصيبـاً.

وأولـى القولـين بـالصواب فـي ذلك عندي القول الثانـي، وهو قول من قال: عَنَى به إيتاءَهم سهمهم من الصدقة الـمفروضة.

وإنـما قلنا ذلك أولـى القولـين لأن قوله:{ وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الَّذِي آتاكُمْ } أمر من الله تعالـى ذكره بإيتاء الـمكاتَبِـين من ماله الذي آتـى أهل الأموال، وأمر الله فرض علـى عبـاده الانتهاءُ إلـيه، ما لـم يخبرهم أن مراده الندْب، لـما قد بـيَّنا فـي غير موضع من كتابنا. فإذ كان ذلك كذلك، ولـم يكن أخبرنا فـي كتابه ولا علـى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أنه نَدْب، ففرض واجب. وإذ كان ذلك كذلك، وكانت الـحجة قد قامت أن لا حقَّ لأحد فـي مال أحد غيره من الـمسلـمين إلاَّ ما أوجبه الله لأهل سُهمان الصدقة فـي أموال الأغنـياء منهم، وكانت الكتابة التـي يقتضيها سيد الـمكاتَب من مكاتَبِه مالاً من مال سيد الـمكاتَب فـيفـاد أن الـحقّ الذي أوجب الله له علـى الـمؤمنـين أن يؤتوه من أموالهم هو ما فُرِض علـى الأغنـياء فـي أموالهم له من الصدقة الـمفروضة، إذ كان لا حقّ فـي أموالهم لأحد سواها.

يقول تعالـى ذكره: زَوِّجوا الصالـحين من عبـادكم وإمائكم ولا تُكْرهوا إماءَكم علـى البغاء، وهو الزنا{ إنْ أرَدْنَ تَـحَصُّناً } يقول: إن أردن تعففـا عن الزنا.{ لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الـحَياةِ الدُّنْـيا } يقول: لتلتـمسوا بإكراهكم إياهنّ علـى الزنا عَرَض الـحياة، وذلك ما تعرِض لهم إلـيه الـحاجة من رِياشها وزينتها وأموالها. { وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ } يقول: ومن يُكْره فَتـياته علـى البغاء، فإن الله من بعد إكراهه إياهن علـى ذلك، لهم { غَفُورٌ رَحِيـمٌ }، ووِزْر ما كان من ذلك علـيهم دونهن.

وذُكر أن هذه الآية أنزلت فـي عبد الله بن أبـيّ ابن سَلَول حين أكره أمته مُسَيكة علـى الزنا.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا الـحسن بن الصبـاح، قال: ثنا حجاج بن مـحمد، عن ابن جُرَيج، قال: أخبرنـي أبو الزبـير، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: جاءت مُسَيْكة لبعض الأنصار فقالت: إن سيدي يكرهنـي علـى الزنا فنزلت فـي ذلك: وَلا تُكْرِهُوا فَتَـيَاتِكُمْ علـى البِغاءِ.

حدثنـي يحيى بن إبراهيـم الـمسعودي، قال: ثنا أبـي، عن أبـيه، عن جدّه، عن الأعمش، عن أبـي سفـيان عن جابر، قال: كانت جارية لعبد الله بن أبـيّ ابن سَلول يقال لها مُسَيْكة، فآجرها أو أكرهها الطبريّ شكّ فأتت النبـيّ صلى الله عليه وسلم فشكَتْ ذلك إلـيه، فأنزل الله:{ وَلا تُكْرِهُوا فَتَـيَاتِكُمْ عَلـى البِغاءِ إنْ أرَدْنَ تَـحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الـحَياةِ الدُّنْـيا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فإنَّ اللّهَ مِنْ بَعْدِ إكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيـمٌ } يعنـي بهنّ.

حدثنا أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس، قال: ثنا عَبْثَر، قال: ثنا حصين، عن الشعبـيّ، فـي قوله:{ وَلا تُكْرِهُوا فَتَـيَاتِكُمْ عَلـى البِغاءِ } قال: رجل كانت له جارية تفجر، فلـما أسلـمت نزلت هذه.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: أخبرنـي أبو الزبـير، عن جابر، قال: جاءت جارية لبعض الأنصار، فقالت: إن سيدي أكرهنـي علـى البغاء فأنزل الله فـي ذلك:{ وَلا تُكْرِهُوا فَتَـيَاتِكُمْ عَلـى البِغاءِ }.

قال ابن جُرَيج: وأخبرنـي عمرو بن دينار، عن عكرِمة، قال: أمة لعبد الله بن أُبـيّ، أمرها فزنت، فجاءت ببُرْد، فقال لها: ارجعي فـازنـي قالت: والله لا أفعل، إن يك هذا خيرا فقد استكثرت منه، وإن يك شرًّاً فقد آن لـي أن أدعه. قال ابن جُرَيج، وقال مـجاهد نـحو ذلك، وزاد قال: البِغاء: الزنا.{ وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيـمٌ } قال: للـمكرَهات علـى الزنا، وفـيها نزلت هذه الآية.

حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهريّ: أن رجلاً من قريش أُسِر يوم بدر. وكان عبد الله ابن أُبـيّ أسره، وكان لعبد الله جارية يقال لها مُعاذة، فكان القرشيّ الأسير يريدها علـى نفسها، وكانت مسلـمة، فكانت تـمتنع منه لإسلامها، وكان ابن أُبـيّ يُكرهها علـى ذلك ويضربها رجاء أن تـحمل للقرشيّ فـيطلب فِداء ولده، فقال الله:{ وَلا تُكْرِهُوا فَتَـيَاتِكُمْ عَلـى البِغاءِ إنْ أرَدْنَ تَـحَصُّناً } قال الزهريّ:{ وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فإنَّ اللّهَ مِنْ بَعْدِ إكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيـمٌ } يقول: غفور لهنّ ما أُكْرِهن علـيه.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يـمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد بن جُبـير، أنه كان يقرأ: «فإنَّ اللّهَ مِنْ بَعْدِ إكْرَاهِهِنَّ لَهُنَّ غَفُورٌ رَحِيـمٌ».

حدثنا علـيّ، قال: ثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، قوله:{ وَلا تُكْرِهُوا فَتَـياتِكُمْ عَلـى البَغاءِ إنْ أرَدْنَ تَـحَصُّناً } يقول: ولا تكرهوا إماءكم علـى الزنا، فإن فعلتـم فإن الله سبحانه لهنّ غفور رحيـم وإثمُهنّ علـى من أكرههنّ.

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله:{ وَلا تُكْرِهُوا فَتَـيَاتِكُمْ عَلـى البِغاءِ... } إلـى آخر الآية، قال: كانوا فـي الـجاهلـية يُكْرهون إماءهم علـى الزنا، يأخذون أجورهنّ، فقال الله: لا تكرهوهنّ علـى الزنا من أجل الـمَنالة فـي الدنـيا، ومن يكرههنّ فإن الله من بعد إكراههنّ غفور رحيـم لهن يعنـي إذا أكرهن.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد:{ وَلا تُكْرِهُوا فَتَـيَاتِكُمْ عَلـى البِغاءِ } علـى الزنا. قال: عبد الله بن أُبـيّ ابن سَلُولَ أمر أمة له بـالزنا، فجاءته بدينار أو بُبرد شكّ أبو عاصم فأعطته، فقال: ارجعي فـازنـي بآخر فقالت: والله ما أنا براجعة، فـالله غفور رحيـم للـمكْرَهات علـى الزنا ففـي هذا أنزلت هذه الآية.

حدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبـي نجيح، عن مـجاهد، نـحوه، إلاَّ أنه قال فـي حديثه: أمر أمة له بـالزنا، فزنت، فجاءته ببرد فأعطته. فلـم يشُكّ.

حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله:{ وَلا تُكْرِهُوا فَتَـيَاتِكُمْ عَلـى البِغاءِ } يقول: علـى الزنا.{ فإنَّ اللّهَ مِنْ بَعْدِ إكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيـمٌ } يقول: غفور لهنّ، للـمكرهات علـى الزنا.

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله:{ وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فإنَّ اللّهَ مِنُ بَعْدِ إكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ } قال: غفور رحيـم لهنّ حين أكرهن وقُسِرْن علـى ذلك.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مـجاهد، قال: كانوا يأمرون ولائدهم يُبـاغِين، يفعلن ذلك، فـيصبن، فـيأتـينهم بكسبهنّ، فكانت لعبد الله بن أُبـيّ ابن سَلُولَ جارية، فكانت تُبـاغِي، فكرهت وحلفت أن لا تفعله، فأكرهها أهلها، فـانطلقت فبـاغت ببرد أخضر، فأتتهم به، فأنزل الله تبـارك وتعالـى:{ وَلا تُكْرِهُوا فَتَـيَاتِكُمْ عَلـى البِغاءِ... }الآية.