التفاسير

< >
عرض

وَٱمْتَازُواْ ٱلْيَوْمَ أَيُّهَا ٱلْمُجْرِمُونَ
٥٩
أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يٰبَنِيۤ ءَادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ ٱلشَّيطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ
٦٠
وَأَنِ ٱعْبُدُونِي هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ
٦١
-يس

جامع البيان في تفسير القرآن

يعنـي بقوله: { وَامْتازُوا }: تَـميزوا وهي افتعلوا، من ماز يـميز، فعل يفعل منه: امتاز يـمتاز امتـيازاً. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { وَامْتَازوا الـيَوْمَ أيُّها الـمُـجْرِمُونَ } قال: عُزِلوا عن كلّ خير.

حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا عبد الرحمن بن مـحمد الـمـحاربـي، عن إسماعيـل بن رافع، عمن حدثه، عن مـحمد بن كعب القرظيّ، عن أبـي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذَا كانَ يَوْمُ القِـيامَةِ أمَرَ اللّهُ جَهَنَّـمَ فَـيَخْرُجُ مِنْها عُنُقٌ ساطِعٌ مُظْلِـمٌ، ثُمَّ يَقُولُ: { ألَـمْ أعْهَدْ إلَـيْكُمْ يا بَنِـي آدَمَ أنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ... } الآية، إلـى قوله: { هَذِهِ جَهَنَّـمُ التـي كُنْتُـمْ تُوعَدُونَ وَامْتازُوا الْـيَوْمَ أيُّها الـمُـجْرِمُونَ }، فـيَتَـمَيَّزُ النَّاسُ وَيجْثُونَ، وَهِيَ قَوْلُ اللّهِ: وَتَرَى كُلّ أُمَّةٍ... } الآية" .

فتأويـل الكلام إذن: وتـميزوا من الـمؤمنـين الـيوم أيها الكافرون بـالله، فإنكم واردون غير موردهم، داخـلون غير مدخـلهم.

وقوله: { ألَـمْ أعْهَدْ إلَـيْكُمْ يا بَنِـي آدَمَ أنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إنَّهُ لَكُمْ عَدُوّ مُبِـينٌ }، وفـي الكلام متروك استغنـي بدلالة الكلام علـيه منه، وهو: ثم يقال: ألـم أعهد إلـيكم يا بنـي آدم، يقول: ألـم أوصكم وآمركم فـي الدنـيا أن لا تعبدوا الشيطان فتطيعوه فـي معصية الله { إنَّهُ لَكُمْ عَدُوّ مُبِـينٌ } يقول: وأقول لكم: إن الشيطان لكم عدوّ مبـين، قد أبـان لكم عَداوته بـامتناعه من السجود، لأبـيكم آدم، حسداً منه له، علـى ما كان الله أعطاه من الكرامة، وغُروره إياه، حتـى أخرجه وزوجته من الـجنة.

وقوله: { وَأنِ اعْبُدُونِـي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِـيـمٌ } يقول: وألـم أعهد إلـيكم أن اعبدونـي دون كلّ ما سواي من الآلهة والأنداد، وإياي فأطيعوا، فإن إخلاص عبـادتـي، وإفراد طاعتـي، ومعصية الشيطان، هو الدين الصحيح، والطريق الـمستقـيـم.