اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: {وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا علـى أعْيُنِهِمْ فـاسْتَبَقُوا الصِّراطَ} فقال بعضهم: معنى ذلك: ولو نشاء لأعميناهم عن الهدى، وأضللناهم عن قصد الـمَـحَجَّة. ذكر من قال ذلك:
حدثنـي علـيّ، قال: ثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، قوله: {وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلـى أعْيُنِهِمْ} يقول: أضللتهم وأعميتهم عن الهدى.
وقال آخرون: معنى ذلك: ولو نشاء لتركناهم عمياً. ذكر من قال ذلك:
حدثنـي يعقوب، قال: ثنا ابن علـية، عن أبـي رجاء، عن الـحسن، فـي قوله: {وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلـى أعْيُنِهِمْ فـاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأنَّى يُبْصِرُونَ} قال: لو يشاء لطمس علـى أعينهم فتركهم عمياً يتردّدون.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: {وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا علـى أعْيُنِهِمْ فـاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فأنَّى يُبْصِرُونَ} يقول: لو شئنا لتركناهم عمياً يترددون.
وهذا القول الذي ذكرناه عن الـحسن وقتادة أشبه بتأويـل الكلام، لأن الله إنـما تهدّد به قوماً كفـاراً، فلا وجه لأن يقال: وهم كفـار، لو نشاء لأضللناهم وقد أضلهم، ولكنه قال: لو نشاء لعاقبناهم علـى كفرهم، فطمسنا علـى أعينهم فصيرَّناهم عمياً لا يبصرون طريقاً، ولا يهتدون له والطَّمْس علـى العين: هو أن لا يكون بـين جفنـي العين غرٌّ، وذلك هو الشقّ الذي بـين الـجفنـين، كما تطمس الريح الأثر، يقال: أعمى مطموس وطميس.
وقوله: {فـاسْتَبَقُوا الصِّراطَ} يقول: فـابتدروا الطريق، كما:
حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: {فـاسْتَبَقَوا الصِّرَاطَ} قال الطريق.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة {فـاسْتَبَقُوا الصِّراطَ}: أي الطريق.
حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: {فـاسْتَبَقُوا الصِّراطَ} قال: الصراط، الطريق.
وقوله: {فَأنَّى يُبْصِرُونَ} يقول: فأيّ وجه يبصرون أن يسلكوه من الطرق، وقد طمسنا علـى أعينهم، كما:
حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: {فَأنَّى يُبْصِرُون} وقد طمسنا علـى أعينهم.
وقال الذين وجهوا تأويـل قوله: {وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا علـى أعْيُنِهِمْ} إلـى أنه معنـيٌّ به العَمَى عن الهدى، تأويـل قوله: {فَأنَّى يُبْصِرُونَ}: فأنى يهتدون للـحقّ. ذكر من قال ذلك:
حدثنـي علـيّ، قال: ثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس {فَأتَّـى يُبْصِرُونَ} يقول: فكيف يهتدون.
حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس {فَأنَّى يُبْصِرُونَ} يقول: لا يبصرون الـحقّ.
وقوله: {وَلَوْ نَشاءُ لَـمَسَخْناهُمْ علـى مَكانَتِهمْ} يقول تعالـى ذكره: ولو نشاء لأقعدنا هؤلاء الـمشركين من أرجلهم فـي منازلهم {فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ} يقول: فلا يستطيعون أن يـمضوا أمامهم، ولا أن يرجعوا وراءهم.
وقد اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك، فقال بعضهم نـحو الذي قلنا فـي ذلك. ذكر من قال ذلك:
حدثنـي يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَـية، عن أبـي رجاء، عن الـحسن {وَلَوْ نَشاءُ لَـمَسَخْناهُمْ عَلـى مَكانَتِهِمْ} قال: لو نشاء لأقعدناهُمْ.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، ثنا سعيد عن قتادة {وَلَوْ نَشاءُ لَـمَسَخْناهُمْ عَلـى مَكانَتِهِمْ}: أي لأقعدناهم علـى أرجلهم {فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ} فلـم يستطيعوا أن يتقدّموا ولا يتأخروا.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولو نشاء لأهلكناهم فـي منازلهم. ذكر من قال ذلك:
حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله: {وَلَوْ نَشاءُ لَـمَسَخْناهُمْ عَلـى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ} يقول: ولو نشاء أهلكناهم فـي مساكنهم.
والـمكانة والـمكان بـمعنى واحد. وقد بـيَّنا ذلك فـيـما مضى قبل.