التفاسير

< >
عرض

وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ
١٠٧
وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي ٱلآخِرِينَ
١٠٨
سَلاَمٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ
١٠٩
كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ
١١٠
إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ
١١١
-الصافات

جامع البيان في تفسير القرآن

وقوله: { وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ } يقول: وفدينا إسحاق بذبح عظيـم، والفدية: الـجزاء، يقول: جزيناه بأن جعلنا مكان ذبحه ذبح كبش عظيـم، وأنقذناه من الذبح.

واختلف أهل التأويـل فـي الـمفديّ من الذبح من ابنـي إبراهيـم، فقال بعضهم: هو إسحاق. ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا ابن يـمان، عن مبـارك، عن الـحسن، عن الأحنف بن قـيس، عن العبـاس بن عبد الـمطلب { وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ } قال: هو إسحاق.

حدثنـي الـحسين بن يزيد بن إسحاق، قال: ثنا ابن إدريس، عن داود، بن أبـي هند، عن عكرمة، عن ابن عبـاس، قال: الذي أُمِر بذبحه إبراهيـم هو إسحاق.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنا ابن أبـي عديّ، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عبـاس { وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ } قال: هو إسحاق.

حدثنـي يعقوب، قال: ثنا ابن علـية، عن داود، عن عكرمة، قال: قال ابن عبـاس: الذبـيح إسحاق.

حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا زيد بن حبـاب، عن الـحسن بن دينار، عن علـيّ بن زيد بن جُدْعان، عن الـحسن، عن الأحنف بن قـيس، عن العبـاس بن عبد الـمطلب، عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم فـي حديث ذكره، قال: «هو إسحاق».

حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنا مـحمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبـي إسحاق، عن أبـي الأحوص، قال: افتـخر رجل عند ابن مسعود، فقال: أنا فلان ابن فلان ابن الأشياخ الكرام، فقال عبد الله: ذاك يوسف بن يعقوب بن إسحاق ذبـيح الله ابن إبراهيـم خـلـيـل الله.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا إبراهيـم بن الـمختار، قال: ثنا مـحمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن أبـي بكر، عن الزهري، عن العلاء بن حارثة الثقـفـي، عن أبـي هريرة، عن كعب فـي قوله: { وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ } قال: من ابنه إسحاق.

حدثنـي يعقوب، قال: ثنا هشيـم، قال: ثنا زكريا وشعبة، عن ابن إسحاق، عن مسروق، فـي قوله: { وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ } قال: هو إسحاق.

حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن يـمان، عن سفـيان، عن زيد بن أسلـم، عن عبـيد بن عمير، قال: هو إسحاق.

حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سفـيان، عن زيد بن أسلـم، عن عبد الله بن عمير قال: قال موسى: يا ربّ يقولون يا إله إبراهيـم وإسحاق ويعقوب، فبـم قالوا ذلك؟ قال: إن إبراهيـم لـم يعدل بـي شيئاً قطّ إلا اختارنـي علـيه، وإن إسحاق جاد لـي بـالذبح، وهو بغير ذلك أجود، وإن يعقوب كلـما زدته بلاء زادنـي حسن ظنّ.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفـيان، عن زيد بن أسلـم، عن عبد الله بن عبـيد بن عمير، عن أبـيه، قال: قال موسى: أي ربّ بـم أعطيت إبراهيـم وإسحاق ويعقوب ما أعطيتهم؟ فذكر معنى حديث عمرو بن علـيّ.

حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن يـمان، عن سفـيان، عن أبـي سنان الشيبـانـيّ، عن ابن أبـي الهذيـل، قال: الذبـيح هو إسحاق.

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخربنـي يونس، عن ابن شهاب أن عمرو بن أبـي سفـيان بن أسيد بن حارثة الثقـفـي، أخبره أن كعبـاً قال لأبـي هريرة: ألا أخبرك عن إسحاق بن إبراهيـم النبـيّ؟ قال أبو هريرة: بلـى، قال كعب: لـما رأى إبراهيـمُ ذبحَ إسحاق، قال الشيطان: والله لئن لـم أفتن عند هذا آل إبراهيـم لا أفِتن أحداً منهم أبداً، فتـمثل الشيطان لهم رجلاً يعرفونه، فأقبل حتـى إذا خرج إبراهيـم بإسحاق لـيذبحه دخـل علـى سارَة امرأة إبراهيـم، فقال لها: أي أصبح إبراهيـم غادياً بإسحاق، قالت سارَة: غدا لبعض حاجته، قال الشيطان: لا والله ما لذلك غدا به، قالت سارَة: فلـم غدا به؟ قال: غدا به لـيذبحه قالت سارَة: لـيس من ذلك شيء، لـم يكن لـيذبح ابنه قال الشيطان: بلـى والله قالت سارَة: فلِـمَ يذبحه؟ قال: زعم أن ربه أمره بذلك قالت سارَة: فهذا أحسن بأن يطيع ربه إن كان أمره بذلك. فخرج الشيطان من عند سارَة حتـى أدرك إسحاق وهو يـمشي علـى إثر أبـيه، فقال: أين أصبح أبوك غادياً بك؟ قال: غدا بـي لبعض حاجته، قال الشيطان: لا والله ما غدا بك لبعض حاجته، ولكن غدا بك لـيذبحك، قال إسحاق: ما كان أبـي لـيذبحنـي قال: بلـى قال: لِـمَ؟ قال: زعم أن ربه أمره بذلك قال إسحاق: فوالله لئن أمره بذلك لـيطيعنَّه، قال: فتركه الشيطان وأسرع إلـى إبراهيـم، فقال: أين أصبحت غادياً بـابنك؟ قال: غدوت به لبعض حاجتـي، قال: أما والله ما غدوت به إلا لتذبحه، قال: لـمَ أذبحه؟ قال: زعمتَ أن ربك أمرك بذلك قال: الله فوالله لئن كان أمرنـي بذلك ربـي لأفعلنّ قال: فلـما أخذ إبراهيـم إسحاق لـيذبحه وسَلَّـم إسحاق، أعفـاه الله وفداه بذبح عظيـم، قال إبراهيـم لإسحاق: قم أي بنـيّ، فإن الله قد أعفـاك وأوحى الله إلـى إسحاق: إنـي قد أعطيتك دعوة أستـجيب لك فـيها قال إسحاق: اللهمّ إنـي أدعوك أن تستـجيب لـي، أيـما عبد لقـيك من الأوّلـين والآخرين لا يُشرك بك شيئاً، فأدخـله الـجنة.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، قال: ثنـي ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبـي بكر، عن مـحمد بن مسلـم الزهري، عن أبـي سفـيان بن العلاء بن حارثة الثقـفـي، حلـيف بنـي زهرة، عن أبـي هريرة، عن كعب الأحبـار أن الذي أُمِر إبراهيـم بذبحه من ابنـيه إسحاق، وأن الله لـما فرّج له ولابنه من البلاء العظيـم الذي كان فـيه، قال الله لإسحاق: إنـي قد أعطيتك بصبرك لأمري دعوة أعطيك فـيها ما سألت، فسلنـي، قال: ربّ أسألك أن لا تعذّب عبداً من عبـادك لقـيك وهو يؤمن بك، فكانت تلك مسألته التـي سأل.

حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن يـمان، قال: ثنا إسرائيـل، عن جابر، عن ابن سابط، قال: هو إسحاق.

حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا سفـيان بن عُقْبة، عن حمزة الزيات، عن أبـي ميسرة، قال: قال يوسف للـملِك فـي وجهه: ترغب أن تأكل معي، وأنا والله يوسف بن يعقوب نبـيّ الله، ابن إسحاق ذبـيح الله، ابن إبراهيـم خـلـيـل الله.

قال: ثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفـيان، عن أبـي سنان، عن ابن أبـي الهُذَيـل، قال: قال يوسف للـملك، فذكر نـحوه.

وقال آخرون: الذي فُدِي بـالذِّبح العظيـم من بنـي إبراهيـم: إسماعيـل. ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كُرَيب وإسحاق بن إبراهيـم بن حبـيب بن الشهيد، قالا: ثنا يحيى بن يـمان، عن إسرائيـل، عن ثور، عن مـجاهد، عن ابن عمر، قال: الذبـيح: إسماعيـل.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا سفـيان، قال: ثنـي بـيان، عن الشعبـيّ، عن ابن عبـاس { وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ } قال: إسماعيـل.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا أبو حمزة، عن مـحمد بن ميـمون السكريّ، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبَـير، عن ابن عبـاس، قال: إن الذي أُمر بذبحه إبراهيـم إسماعيـل.

حدثنـي يعقوب، قال: ثنا هشيـم، عن علـيّ بن زيد، عن عمار، مولـى بنـي هاشم، أو عن يوسف بن مِهْران، عن ابن عبـاس، قال: هو إسماعيـل، يعنـي { وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ }.

حدثنـي يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَـية، قال: ثنا داود، عن الشعبـيّ، قال: قال ابن عبـاس: هو إسماعيـل.

وحدثنـي به يعقوب مرّة أخرى، قال: ثنا ابن عُلَـية، قال: سئل داود بن أبـي هند: أيّ ابنـي إبراهيـم الذي أُمر بذبحه؟ فزعم أن الشعبـيّ قال: قال ابن عبـاس: هو إسماعيـل.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنا مـحمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن بـيان، عن الشعبـي، عن ابن عبـاس أنه قال فـي الذي فداه الله بذبح عظيـم قال: هو إسماعيـل.

حدثنا يعقوب، قال: ثنا ابن عُلِـيَة، قال: ثنا لـيث، عن مـجاهد، عن ابن عبـاس، قوله: { وَفدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـم } قال: هو إسماعيـل.

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي عمر بن قـيس، عن عطاء بن أبـي رَبـاح، عن عبد الله بن عبـاس أنه قال: الـمَفْدِيّ إسماعيـل، وزعمت الـيهود أنه إسحاق وكذبت الـيهود.

حدثنا مـحمد بن سنان القزاز، قال: ثنا أبو عاصم، عن مبـارك، عن علـيّ بن زيد، عن يوسف بن مِهْران، عن ابن عبـاس: الذي فداه الله هو إسماعيـل.

حدثنا ابن سنان القزّاز، قال: ثنا حجاج بن حماد، عن أبـي عاصم الغَنَويّ، عن أبـي الطفـيـل، عن ابن عبـاس، مثله.

حدثنـي إسحاق بن شاهين، قال: ثنا خالد بن عبد الله، عن داود، عن عامر، قال: الذي أراد إبراهيـم ذبحه: إسماعيـل.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا عبد الأعلـى، قال: ثنا داود، عن عامر أنه قال فـي هذه الآية { وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ } قال: هو إسماعيـل، قال: وكان قَرْنَا الكبش مَنُوطين بـالكعبة.

حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن يـمان، عن إسرائيـل، عن جابر، عن الشعبـيّ، قال: الذبـيح إسماعيـل.

قال: ثنا ابن يـمان، عن إسرائيـل، عن جابر، عن الشعبـي، قال: رأيت قرنـي الكبش فـي الكعبة.

قال: ثنا ابن يـمان، عن مبـارك بن فضالة، عن علـيّ بن زيد بن جُدْعان، عن يوسف بن مِهْران، قال: هو إسماعيـل.

قال: ثنا ابن يـمان، قال: ثنا سفـيان، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قال: هو إسماعيـل.

حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: ثنا هشيـم، قال: ثنا عوف، عن الـحسن { وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ } قال: هو إسماعيـل.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: سمعت مـحمد بن كعب القُرظِي وهو يقول: إن الذي أمر الله إبراهيـم بذبحه من بنـيه إسماعيـل، وإنا لنـجد ذلك فـي كتاب الله فـي قصة الـخبر عن إبراهيـم وما أُمر به من ذبح ابنه إسماعيـل، وذلك أن الله يقول، حين فرغ من قصة الـمذبوح من إبراهيـم، قال: { { وَبَشَّرْناهُ بإسْحاقَ نَبِـيًّا مِنَ الصَّالِـحينَ } يقول: بشَّرناه بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب، يقول: بـابن وابن ابن، فلـم يكن لـيأمره بذبح إسحاق وله فـيه من الله الـموعود ما وعده الله، وما الذي أُمِر بذبحه إلا إسماعيـل.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن الـحسن بن دينار وعمرو بن عبـيد، عن الـحسن البصري أنه كان لا يشكّ فـي ذلك أن الذي أُمِر بذبحه من ابنـي إبراهيـم: إسماعيـل.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، قال: قال مـحمد بن إسحاق: سمعت مـحمد بن كعب القُرِظيّ يقول ذلك كثـيراً.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، قال: ثنـي مـحمد بن إسحاق، عن بريدة بن سفـيان بن فَرْوة الأسلـمي عن مـحمد بن كعب الْقُرِظيّ، أنه حدثهم أنه ذَكَر ذلك لعمر بن عبد العزيز وهو خـلـيفة، إذ كان معه بـالشام فقال له عمر: إن هذا لشيء ما كنت أنظر فـيه، وإنـي لأراه كما هو ثم أرسل إلـى رجل كان عنده بـالشام كان يهودياً، فأسلـم فحسُن إسلامه، وكان يرى أنه من علـماء يهود، فسأله عمر بن عبد العزيز عن ذلك، فقال مـحمد بن كعب: وأنا عند عمر بن عبد العزيز، فقال له عمر: أيّ ابنـي إبراهيـم أُمِر بذبحه؟ فقال: إسماعيـل والله يا أمير الـمؤمنـين، وإن يهود لتعلـم بذلك، ولكنهم يحسُدونكم معشر العرب علـى أن يكون أبـاكم الذي كان من أمر الله فـيه، والفضل الذي ذكره الله منه لصبره لـما أمر به، فهم يجحدون ذلك ويزعمون أنه إسحاق، لأن إسحاق أبوهم، فـالله أعلـم أيهما كان، كلّ قد كان طاهراً طيبـاً مطيعاً لربه.

حدثنـي مـحمد بن عمار الرازي، قال: ثنا إسماعيـل بن عبـيد بن أبـي كريـمة، قال: ثنا عمر بن عبد الرحيـم الـخطابـيّ، عن عبـيد بن مـحمد العُتبـي من ولد عتبة بن أبـي سفـيان، عن أبـيه، قال: ثنـي عبد الله بن سعيد، عن الصُّنابحي، قال: كنا عند معاوية بن أبـي سفـيان، فذكروا الذبـيح إسماعيـل أو إسحاق، فقال: علـى الـخبـير سقطتـم: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه رجل، فقال: يا رسول الله عُدْ علـيَّ مـما أفـاء الله علـيك يا ابن الذبـيحين فضحك علـيه الصلاة والسلام فقلنا له: يا أمير الـمؤمنـين، وما الذبـيحان؟ فقال: إن عبد الـمطلب لـما أُمِر بحفْر زمزم، نذر الله لئن سَهُل علـيه أمرها لـيذبحنّ أحد ولده، قال: فخرج السهم علـى عبد الله، فمنعه أخواله، وقالوا: افْدِ ابنك بـمئة من الإبل، ففداه بـمئة من الإبل، وإسماعيـل الثانـي.

حدثنا مـحمد بن بشار، قال: ثنا عثمان بن عمر، قال: ثنا ابن جريج، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد { وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ } قال: الذي فُدِيَ به إسماعيـل، ويعنـي تعالـى ذكره الكبش الذي فُدِيَ به إسحاق، والعرب تقول لكلّ ما أُعِدّ للذبح ذِبْح، وأما الذَّبح بفتـح الذال فهو الفعل.

قال أبو جعفر: وأولـى القولـين بـالصواب فـي الـمفْدِيّ من ابنـي إبراهيـم خـلـيـل الرحمن علـى ظاهر التنزيـل قول من قال: هو إسحاق، لأن الله قال: { وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ } فذكر أنه فَدَى الغلامَ الـحلـيـمَ الذي بُشِّر به إبراهيـم حين سأله أن يهب له ولداً صالـحاً من الصالـحين، فقال: { { رَبّ هَبْ لـي مِنَ الصَّالِـحِينَ } فإذ كان الـمفدِيّ بـالذبح من ابنـيه هو الـمبشَّر به، وكان الله تبـارك اسمه قد بـين فـي كتابه أن الذي بُشِّر به هو إسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب، فقال جلّ ثناؤه: { { فَبَشَّرْناهُ بإسَحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إسحَاقَ يَعْقُوبَ } وكان فـي كل موضع من القرآن ذكر تبشيره إياه بولد، فإنـما هو معنّى به إسحاق، كان بـيِّناً أن تبشيره إياه بقوله: { { فَبَشَّرْناهُ بغُلامٍ حَلِـيـمٍ } فـي هذا الـموضع نـحو سائر أخبـاره فـي غيره من آيات القرآن.

وبعد: فإن الله أخبر جلّ ثناؤه فـي هذه الآية عن خـلـيـله أن بشَّره بـالغلام الـحلـيـم عن مسألته إياه أن يهب له من الصالـحين، ومعلوم أنه لـم يسأله ذلك إلا فـي حال لـم يكن له فـيه ولد من الصالـحين، لأنه لـم يكن له من ابنـيه إلا إمام الصالـحين، وغير موهوم منه أن يكون سأل ربه فـي هبة ما قد كان أعطاه ووهبه له. فإذ كان ذلك كذلك فمعلوم أن الذي ذكر تعالـى ذكره فـي هذا الـموضع هو الذي ذكر فـي سائر القرآن أنه بشَّره به وذلك لا شك أنه إسحاق، إذ كان الـمفديّ هو الـمبشَّر به. وأما الذي اعتلّ به من اعتلّ فـي أنه إسماعيـل، أن الله قد كان وعد إبراهيـم أن يكون له من إسحاق ابن ابن، فلـم يكن جائزاً أن يأمره بذبحه مع الوعد الذي قد تقدم فإن الله إنـما أمره بذبحه بعد أن بلغ معه السعي، وتلك حال غير مـمكن أن يكون قد وُلد لإسحاق فـيها أولاد، فكيف الواحد؟ وأما اعتلال من اعتل بأن الله أتبع قصة الـمفديّ من ولد إبراهيـم بقوله: { { وَبَشَّرْناهُ بإسحَاقَ نَبِـيًّا } ولو كان الـمفديّ هو إسحاق لـم يبشَّر به بعد، وقد ولد، وبلغ معه السعي، فإن البشارة بنبوّه إسحاق من الله فـيـما جاءت به الأخبـار جاءت إبراهيـم وإسحاق بعد أن فُدِي تكرمة من الله له علـى صبره لأمر ربه فـيـما امتـحنه به من الذبح، وقد تقدمت الرواية قبلُ عمن قال ذلك. وأما اعتلال من اعتلّ بأن قرن الكبش كان معلقاً فـي الكعبة فغير مستـحيـل أن يكون حُمِل من الشام إلـى مكة. وقد رُوي عن جماعة من أهل العلـم أن إبراهيـم إنـما أُمِر بذبح ابنه إسحاق بـالشام، وبها أراد ذبحه.

واختلف أهل العلـم فـي الذِّبح الذي فُدِي به إسحاق، فقال بعضهم: كان كبشاً. ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن يـمان، عن سفـيان، عن جابر، عن أبـي الطفـيـل، عن علـيّ { وَفَديناهُ بِذِبْحِ عَظِيـمٍ } قال: كبش أبـيض أقرن أعين مربوط بسَمُرَة فـي ثَبِـير.

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي ابن جريج، عن عطاء بن أبـي ربـاح، عن ابن عبـاس { وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ } قال: كبش عبـيد بن عمير: ذُبِح بـالـمَقام، وقال مـجاهد: ذبح بـمنىً فـي الـمَنْـحَر.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفـيان، عن ابن خثـيـم، عن سعيد، عن ابن عبـاس قال: الكبش الذي ذبحه إبراهيـم هو الكبش الذي قرّبه ابن آدم فتقبل منه.

حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: ثنا هشيـم، قال: أخبرنا سيار، عن عكرمة، أن ابن عبـاس كان أفتـى الذي جَعَلَ علـيه أن ينـحر نفسه، فأمره بـمئة من الإبل، قال: فقال ابن عبـاس بعد ذلك: لو كنت أفتـيته بكبش لأجزأه أن يذبح كبشاً، فإن الله قال فـي كتابه: { وَفَدَيْناهُ بذِبْحٍ عَظِيـمٍ }.

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله: { وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ } قال: ذِبْح كبش.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { وَفَدَيْناهُ بِذِبْحَ عَظِيـمٍ } قال: قال ابن عبـاس: التفتَ فإذا كبش، فأخذه فذبحه.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد بن جُبَـير { وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ } قال: كان الكبش الذي ذبحه إبراهيـم رعى فـي الـجنة أربعين سنة، وكان كبشاً أملـح، صوفه مثل العِهْنِ الأحمر.

حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفـيان، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد { وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ } قال: بكبش.

حدثنـي يعقوب، قال: ثنا ابن علـية، قال: أخبرنا لـيث، قال: قال مـجاهد: الذبح العظيـم: شاة.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى حدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد قوله: { بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ } قال: بكبش.

وحدثنا الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا شريك، عن لـيث، عن مـجاهد { وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ } قال: الذِّبح: الكبش.

حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: التفت، يعنـي إبراهيـم، فإذا بكبش، فأخذوه وخـلَّـى عن ابنه.

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: الذِّبح العظيـم: الكبش الذي فَدَى الله به إسحاق.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن الـحسن بن دينار، عن قتادة بن دِعامة، عن جعفر بن إياس، عن عبد الله بن العبـاس، فـي قوله: { وَفَدَيْناهُ بِذبْحٍ عَظِيـمٍ } قال: خرج علـيه كبش من الـجنة قد رعاها قبل ذلك أربعين خريفـا، فأرسل إبراهيـم ابنه واتبع الكبش، فأخرجه إلـى الـجمرة الأولـى فرمى بسبع حصيات، فأفلته عنده، فجاء الـجمرة الوسطى، فأخرجه عندها، فرماه بسبع حصيات، ثم أفلته فأدركه عند الـجمرة الكبرى، فرماه بسبع حصيات، فأخرجه عندها، ثم أخذه فأتـى به الـمنـحَر من مِنَى، فذبحه فوالذي نفس ابن عبـاس بـيده، لقد كان أوّل الإسلام، وإن رأس الكبش لـمعلَّق بقرنـيه عند مِيزاب الكعبة قد حُشّ، يعنـي يبس.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، قال ابن إسحاق: ويزعم أهل الكتاب الأول وكثـير من العلـماء أن ذبـيحة إبراهيـم التـي فدى بها ابنه كبش أملـح أقرن أعين.

حدثنا عمرو بن عبد الـحميد، قال: ثنا مروان بن معاوية، عن جويبر، عن الضحاك فـي قوله: { وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ } قال: بكبش.

وقال آخرون: كان الذبح وَعِلاً. ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا معاوية بن هشام، عن سفـيان، عن رجل، عن أبـي صالـح، عن ابن عبـاس { وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ } قال: كان وَعلاً.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن عمرو بن عبـيد، عن الـحسن أنه كان يقول: ما فُدِي إسماعيـل إلا بتـيس من الأرويّ أهبط علـيه من ثبـير.

واختلف أهل التأويـل فـي السبب الذي من أجله قـيـل للذِّبح الذي فدى به إسحاق عظيـم، فقال بعضهم: قـيـل ذلك كذلك، لأن كان رَعَى فـي الـجنة. ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن يـمان، عن سفـيان، عن عبد الله بن عيسى، عن سعيد بن جُبَـير عن ابن عبـاس { وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ } قال: رعى فـي الـجنة أربعين خريفـاً.

وقال آخرون: قـيـل له عظيـم، لأنه كان ذِبْحاً متقبَّلاً. ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفـيان، عن ابن جريج، عن مـجاهد، عَظِيـمٍ قال: متقبَّل.

حدثنا الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا شريك، عن لـيث، عن مـجاهد فـي { وَفَدَيْناهُ بِذبْحٍ عَظِيـمٍ } قال: العظيـم: الـمتقبل.

وقال آخرون: قـيـل له عظيـم، لأنه ذِبْحٌ ذُبِحَ بـالـحقّ، وذلك ذبحه بدين إبراهيـم. ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن عمرو بن عبـيد، عن الـحسن أنه كان يقول: ما يقول الله { وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ } لذبـيحته التـي ذبح فقط، ولكنه الذَّبح علـى دينه، فتلك السُّنة إلـى يوم القـيامة، فـاعلـموا أن الذبـيحة تدفع مِيتة السَّوء، فضحُّوا عبـاد الله.

قال أبو جعفر: ولا قول فـي ذلك أصحّ مـما قال الله جلّ ثناؤه، وهو أن يقال: فداه الله بذِبح عظيـم، وذلك أن الله عمّ وصفه إياه بـالعظم دون تـخصيصه، فهو كما عمه به.

وقوله: { وَتَرَكْنا عَلَـيْهِ فِـي الآخِرِينَ } يقول تعالـى ذكره: وأبقـينا علـيه فـيـمن بعده إلـى يوم القـيامة ثناءً حسناً، كما:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { وَتَرَكْنا عَلَـيْهِ فِـي الآخِرِينَ } قال: أبقـى الله علـيه الثناء الـحسن فـي الآخرين.

حدثنـي يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد فـي قوله: { وَتَرَكْنا عَلَـيْهِ فِـي الآخِرِينَ } قال: سأل إبراهيـمُ، فقال: { { وَاجْعَلْ لِـي لِسَانَ صِدْقٍ فـي الآخِرِينَ } قال: فترك الله علـيه الثناء الـحسن فـي الآخرِين، كما ترك اللسانَ السَّوْء علـى فرعون وأشبـاهه كذلك ترك اللسان الصدق والثناء الصالـح علـى هؤلاء.

وقـيـل: معنى ذلك: وتركنا علـيه فـي الآخرين السلام، وهو قوله: { سَلامٌ علـى إبْرَاهِيـمَ }، وذلك قول يُرْوى عن ابن عبـاس تركنا ذكره لأن فـي إسناده من لـم نستـجز ذكره وقد ذكرنا الأخبـار الـمروية فـي قوله: { وَتَرَكْنا عَلَـيْهِ فِـي الآخِرِينَ } فـيـما مضى قبل. وقـيـل: معنى ذلك: وتركنا علـيه فـي الآخرين أن يقال: سلام علـى إبراهيـم.

وقوله: { سَلامٌ علـى إبْرَاهِيـمَ } يقول تعالـى ذكره: أَمَنة من الله فـي الأرض لإبرايهم أن لا يذكر من بعده إلا بـالـجميـل من الذكر. وقوله: { كَذَلَكَ نَـجْزِي الـمُـحْسِنِـينَ } يقول: كما جزينا إبراهيـم علـى طاعته إيانا وإحسانه فـي الانتهاء إلـى أمرنا، كذلك نـجزي الـمـحسنـين { إنَّهُ مِنْ عِبـادِنا الـمُؤْمِنـينَ } يقول: إن إبراهيـم من عبـادنا الـمخـلِصين لنا الإيـمان.