التفاسير

< >
عرض

إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ
٨٧
وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينِ
٨٨

جامع البيان في تفسير القرآن

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء الـمشركين من قومك: { إنْ هُوَ } يعنـي: ما هذا القرآن { إلاَّ ذِكْرٌ } يقول: إلا تذكير من الله { للْعالَـمِينَ } من الـجنّ والإنس، ذكرهم ربهم إرادة استنقاذ من آمن به منهم من الهَلَكة. وقوله: { وَلَتَعْلَـمُنَّ نَبأَهُ بَعحدَ حِينٍ } يقول: ولتعلـمنّ أيها الـمشركون بـالله من قُرَيش نبأه، يعنـي: نبأ هذا القرآن، وهو خبره، يعنـي حقـيقة ما فـيه من الوعد والوعيد بعد حين. وبـمثل الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: { وَلَتَعْلَـمُنَّ نَبأَهُ } قال: صدق هذا الـحديث نبأ ما كذّبوا به. وقـيـل: نبأه حقـيقة أمر مـحمد صلى الله عليه وسلم أنه نبـيّ.

ثم اختلفوا فـي مدة الـحِين الذي ذكره الله فـي هذا الـموضع: ما هي، وما نهايتها؟ فقال بعضهم: نهايتها الـموت. ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { وَلَتَعْلَـمُنَّ نَبأَهُ بَعْدَ حِينٍ }: أي بعد الـموت وقال الـحسن: يا ابن آدم عند الـموت يأتـيك الـخبر الـيقـين.

وقال بعضهم: كانت نهايتها إلـى يوم بدر. ذكر من قال ذلك:

حدثنا مـحمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ، فـي قوله: { وَلَتَعْلَـمُنَّ نَبأَهُ بَعْدَ حِينٍ } قال: يوم بدر.

وقال بعضهم: يوم القـيامة. وقال بعضهم: نهايتها القـيامة. ذكر من قال ذلك:

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: { وَلَتَعْلَـمُنَّ نَبأَهُ بَعْدَ حِينٍ } قال: يوم القـيامة يعلـمون نبأ ما كذّبوا به بعد حين من الدنـيا وهو يوم القـيامة. وقرأ: { { لِكُلّ نَبأٍ مُسْتَقَرٌ وَسَوْفَ تَعْلَـمُونَ } قال: وهذا أيضاً الآخرة يستقرّ فـيها الـحقّ، ويبطُل البـاطل.

وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال: إن الله أعلـم الـمشركين الـمكذّبـين بهذا القرآن أنهم يعلـمون نبأه بعد حين من غير حدّ منه لذلك الـحين بحدّ، وقد علـم نبأه من أحيائهم الذين عاشوا إلـى ظهور حقـيقته، ووضوح صحته فـي الدنـيا، ومنهم من علـم حقـيقة ذلك بهلاكه ببدر، وقبل ذلك، ولا حدّ عند العرب للـحين، لا يُجاوَز ولا يقصر عنه. فإذ كان ذلك كذلك فلا قول فـيه أصحْ من أن يطلَق كما أطلقه الله من غير حصر ذلك علـى وقت دون وقت. وبنـحو الذين قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: ثنا ابن علـية، قال: ثنا أيوب، قال: قال عكرمة: سُئِلْت عن رجل حلف أن لا يصنع كذا وكذا إلـى حين، فقلت: إن من الـحين حيناً لا يُدرك، ومن الـحين حِينٌ يُدرك، فـالـحين الذي لا يُدرك قوله: { وَلَتَعْلَـمُنَّ نَبأَهُ بَعْدَ حِينٍ }، والـحين الذي يُدرك قوله: { { تُؤْتِـي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بإذْن رَبِّها } وذلك من حين تُصْرَم النـخـلة إلـى حين تُطْلِع، وذلك ستة أشهر.