التفاسير

< >
عرض

قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَٱسْتَقِيمُوۤاْ إِلَيْهِ وَٱسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ
٦
ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ
٧
-فصلت

جامع البيان في تفسير القرآن

يقول تعالى ذكره: قل يا محمد لهؤلاء المعرضين عن آيات الله من قومك: أيها القوم، ما أنا إلا بشر من بني آدم مثلكم في الجنس والصورة والهيئة لست بمَلك { يُوحَى إليَّ } يوحي الله إليّ أن لا معبود لكم تصلح عبادته إلا معبود واحد { فاسْتَقِيمُوا إلَيْهِ } يقول: فاستقيموا إليه بالطاعة، ووجهوا إليه وجوهكم بالرغبة والعبادة دون الآلهة والأوثان { وَاسْتَغْفِرُوهُ } يقول: وسلوه العفو لكم عن ذنوبكم التي سلفت منكم بالتوبة من شرككم، يتب عليكم ويغفر لكم.

وقوله: { وَوَيْلٌ للْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤتَونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بالآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ } يقول تعالى ذكره: وصديد أهل النار، وما يسيل منهم للمدعين لله شريكا العابدين الأوثان دونه الذين لا يؤتون الزكاة.

اختلف أهل التأويل في ذلك، فقال بعضهم: معناه: الذين لا يعطون الله الطاعة التي تطهرهم، وتزَكِّي أبدانهم، ولا يوحدونه وذلك قول يُذكر عن ابن عباس. ذكر الرواية بذلك:

حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: { وَوَيْلٌ للْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤتُونَ الزَّكاةَ } قال: هم الذين لا يشهدون أن لا إله إلا الله.

حدثني سعد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا حفص، قال: ثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة، قوله: { وَوَيْلٌ للْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ }: الذين لا يقولون لا إله إلا الله.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: الذين لا يقرّون بزكاة أموالهم التي فرضها الله فيها، ولا يعطونها أهلها. وقد ذكرنا أيضاً قائلي ذلك قبلُ. وقد:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { وَوَيْلٌ للْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤتُونَ الزَّكاةَ } قال: لا يقرّون بها ولا يؤمنون بها. وكان يقال: إن الزكاة قنطرة الإسلام، فمن قطعها نجا، ومن تخلف عنها هلك وقد كان أهل الردّة بعد نبيّ الله قالوا: أما الصلاة فنصلّي، وأما الزكاة فوالله لا تغصب أموالنا قال: فقال أبو بكر: والله لا أفرّق بين شيء جمع الله بينه واللَّهِ لو منعوني عِقالاً مما فرض الله ورسوله لقاتلناهم عليه.

حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ { وَوَيْلٌ للْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤتُونَ الزَّكاةَ } قال: لو زَكّوا وهم مشركون لم ينفعهم.

والصواب من القول في ذلك ما قاله الذين قالوا: معناه: لا يؤدّون زكاة أموالهم وذلك أن ذلك هو الأشهر من معنى الزكاة، وأن في قوله: { وَهُمْ بالآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ } دليلاً على أن ذلك كذلك، لأن الكفار الذين عنوا بهذه الآية كانوا لا يشهدون أن لا إله إلا الله، فلو كان قوله: { الَّذِينَ لا يُؤتُونَ الزَّكاةَ } مراداً به الذين لا يشهدون أن لا إله إلا الله لم يكن لقوله: { وَهُمْ بالآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ } معنى، لأنه معلوم أن من لا يشهد أن لا إله إلا الله لا يؤمن بالآخرة، وفي اتباع الله قوله: { وَهُمْ بالآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ } قوله: { الَّذِينَ لا يُؤتُونَ الزَّكاةَ } ما ينبىء عن أن الزكاة في هذا الموضع معنيٌّ بها زكاة الأموال.

وقوله: { وَهُمْ بالآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ } يقول: وهم بقيام الساعة، وبعث الله خلقه أحياء من قبورهم، من بعد بلائهم وفنائهم منكرون.