التفاسير

< >
عرض

وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ ٱلذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ ٱلْخَاسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ أَلاَ إِنَّ ٱلظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ
٤٥
-الشورى

جامع البيان في تفسير القرآن

يقول تعالى ذكره: وترى يا محمد الظالمين يعرضون على النار{ خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ } يقول: خاضعين متذللين. كما:

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد،: الخشوع: الخوف والخشية لله عزّ وجلّ، وقرأ قول الله عزّ وجلّ: { { لَمَّا رأَوُا العَذَابَ... } إلى قوله: { خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ } قال: قد أذلهم الخوف الذي نزل بهم وخشعوا له.

حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله:{ خاشِعِينَ } قال: خاضعين من الذلّ.

وقوله:{ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ } يقول: ينظر هؤلاء الظالمون إلى النار حين يعرضون عليها من طرف خفيّ.

واختلف أهل التأويل في معنى قوله: { مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ } فقال بعضهم: معناه: من طرف ذليل. وكأن معنى الكلام: من طرف قد خَفِي من ذلَّةٍ. ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله:{ وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلّ... } إلى قوله:{ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ } يعني بالخفيّ: الذليل.

حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى: وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله عزّ وجلّ:{ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ } قال: ذليل.

وقال آخرون: بل معنى ذلك أنهم يسارقون النظر. ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله:{ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ } قال: يسارقون النظر.

حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ{ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ } قال: يسارقون النظر.

واختلف أهل العربية في ذلك، فقال بعض نحويي البصرة في ذلك: جعل الطرف العين، كأنه قال: ونظرهم من عين ضعيفة، والله أعلم. قال: وقال يونس: إن { مِنْ طَرْفٍ } مثل بطرفٍ، كما تقول العرب: ضربته في السيف، وضربته بالسيف.

وقال آخر منهم: إنما قيل:{ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ } لأنه لا يفتح عينيه، إنما ينظر ببعضها.

وقال آخرون منهم: إنما قيل:{ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ } لأنهم ينظرون إلى النار بقلوبهم، لأنهم يُحشرُون عُمياً.

والصواب من القول في ذلك، القول الذي ذكرناه عن ابن عباس ومجاهد، وهو أن معناه: أنهم ينظرون إلى النار من طرف ذليل، وصفه الله جلّ ثناؤه بالخفاء للذلة التي قد ركبتهم، حتى كادت أعينهم أن تغور، فتذهب.

وقوله:{ وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إنَّ الخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أنْفُسَهُم وأهْلِيهِمْ يَوْمَ القِيامَةِ } يقول تعالى ذكره: وقال الذين آمنوا بالله ورسوله: إن المغبونين الذين غبنوا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة في الجنة. كما:

حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قوله: { الَّذِينَ خَسِرُوا أنْفُسَهُمْ وأهْلِيهِمْ يَوْمَ القِيامةِ } قال: غبنوا أنفسهم وأهليهم في الجنة.

وقوله:{ ألا إنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ } يقول تعالى ذكره: ألا إن الكافرين يوم القيامة في عذاب لهم من الله مُقيم عليهم، ثابت لا يزول عنهم، ولا يَبيد، ولا يخفّ.