يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: { إنَّا أرْسَلْناكَ } يا محمد { شاهِداً } على أمتك بما أجابوك فيما دعوَتهم إليه، مما أرسلتك به إليهم من الرسالة، { ومُبَشِّراً } لهم بالجنة إن أجابوك إلى ما دعوتهم إليه من الدين القيِّم، ونذيرا لهم عذاب الله إن هم تولَّوْا عما جئتهم به من عند ربك.
ثم اختلفت القرّاء في قراءة قوله:{ لِتُؤْمِنُوا باللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهِ } فقرأ جميع ذلك عامة قرّاء الأمصار خلا أبي جعفر المدني وأبي عمرو بن العلاء، بالتاء { لِتُؤْمِنُوا، وتُعَزّرُوهُ، وَتُوَقِّرُوهُ، وَتُسَبِّحُوهُ } بمعنى: لتؤمنوا بالله ورسوله أنتم أيها الناس. وقرأ ذلك أبو جعفر وأبو عمرو كله بالياء «لِيُؤْمِنُوا، ويُعَزّرُوهُ، ويُوَقِّرُوهُ، ويُسَبِّحُوهُ» بمعنى: إنا أرسلناك شاهداً إلى الخلق ليؤمنوا بالله ورسوله ويعزّروه.
والصواب من القول في ذلك: أن يقال: إنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { إنَّا أرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً } يقول: شاهداً على أمته على أنه قد بلغهم ومبشراً بالجنة لمن أطاع الله، ونذيراً من النار.
وقوله:{ وَتُعَزّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ } اختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم: تجلّوه، وتعظموه. ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس« وَيُعَزِّرُوهُ» يعني: الإجلال «وَيُوَقِّرُوهُ» يعني: التعظيم.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله:« وَيُعَزِّرُوهُ وَيُوَقِّرُوهُ» كل هذا تعظيم وإجلال.
وقال آخرون: معنى قوله:« وَيُعَزِّرُوهُ»: وينصروه، ومعنى «وَيُوَقِّرُوهُ» ويفخموه. ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة « وَيُعَزِّرُوهُ»: ينصروه «وَيُوَقِّرُوهُ» أمر الله بتسويده وتفخيمه.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: { وَيُعَزِّرُوهُ } قال: ينصروه، ويوقروه: أي ليعظموه.
حدثني أبو هريرة الضُّبَعيّ، قال: ثنا حرميّ، عن شعبة، عن أبي بشر، جعفر بن أبي وحشية، عن عكرِمة «وَيُعَزِّرُوهُ» قال: يقاتلون معه بالسيف.
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثني هشيم، عن أبي بشر، عن عكرِمة، مثله.
حدثني أحمد بن الوليد، قال: ثنا عثمان بن عمر، عن سعيد، عن أبي بشر، عن عكرِمة، بنحوه.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى ومحمد بن جعفر، قالا: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن عكرِمة، مثله.
وقال آخرون: معنى ذلك: ويعظموه. ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: «وَيُعَزِّرُوهُ وَيُوَقِّرُوهُ» قال: الطاعة لله.
وهذه الأقوال متقاربات المعنى، وإن اختلفت ألفاظ أهلها بها. ومعنى التعزير في هذا الموضع: التقوية بالنُّصرة والمعونة، ولا يكون ذلك إلا بالطاعة والتعظيم والإجلال.
وقد بيَّنا معنى ذلك بشواهده فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
فأما التوقير: فهو التعظيم والإجلال والتفخيم.
وقوله: { وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وأصِيلاً } يقول: وتصلوا له يعني لله بالغدوات والعشيات. والهاء في قوله:{ وَتُسَبِّحُوهُ } من ذكر الله وحده دون الرسول. وقد ذُكر أن ذلك في بعض القراءات: «وَيُسَبِّحُوا اللَّهَ بُكْرَةً وأصِيلاً». وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة «وَيُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وأصِيلاً» في بعض القراءة «ويسبِّحوا الله بكرة وأصيلاً».
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة في بعض الحروف «وَيُسَبِّحُوا اللَّهَ بُكْرَةً وَأصِيلاً».
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: «وَيُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وأصِيلاً» يقول: يسبحون الله رجع إلى نفسه.