التفاسير

< >
عرض

ٱلْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيّبَـٰتُ وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا ءاتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَٰفِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِيۤ أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِٱلإِيمَٰنِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَٰسِرِينَ
٥
-المائدة

جامع البيان في تفسير القرآن

يعنـي جلّ ثناؤه بقوله: { الـيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبـاتُ }: الـيوم أحلّ لكم أيها الـمؤمنون الـحلال من الذبـائح والـمطاعم، دون الـخبـائث منها. قوله: { وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ حِلّ لَكُمْ } وذبـائح أهل الكتاب من الـيهود والنصارى، وهم الذين أوتوا التوراة والإنـجيـل، وأنزل علـيهم، فدانوا بهما أو بأحدهما { حِلٌّ لَكُمْ } يقول: حلال لكم أكله دون ذبـائح سائر أهل الشرك الذين لا كتاب لهم من مشركي العرب وعبدة الأوثان والأصنام، فإن من لـم يكن منهم مـمن أقرّ بتوحيد الله عزّ ذكره ودان دين أهل الكتاب، فحرام علـيكم ذبـائحهم.

ثم اختلف فـيـمن عنى الله عزّ ذكره بقوله: { وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابِ } من أهل الكتاب، فقال بعضهم: عنى الله بذلك ذبـيحة كلّ كتابيّ مـمن أنزل علـيه التوراة والإنـجيـل، أو مـمن دخـل فـي ملتهم فدان دينهم وحرّم ما حرّموا وحلل ما حللوا منهم ومن غيرهم من سائر أجناس الأمـم. ذكر من قال ذلك:

حدثنا مـحمد بن عبد الـملك بن أبـي الشوارب، قال: ثنا عبد الواحد، قال: ثنا خَصيف، قال: ثنا عكرمة، قال: سئل ابن عبـاس عن ذبـائح نصارى بنـي تغلب، فقرأ هذه الآية: { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ } [المائدة: 51]... إلـى قوله: { وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } [المائدة: 51]... الآية.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن عثمة، قال: ثنا سعيد بن بشر، عن قتادة، عن الـحسن وعكرمة: أنهما كانا لا يريان بأساً بذبـائح نصارى بنـي تغلب وبتزوّج نسائهم، ويتلوان: { وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } [المائدة: 51].

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبـي عديّ، عن سعيد، عن قتادة، عن الـحسن وسعيد بن الـمسيب: أنهما كانا لا يريان بأساً بذبـيحة نصارى بنـي تغلب.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفـيان، عن أبـي حصين، عن الشعبـيّ: أنه كان لا يرى بأساً بذبـائح نصارى بنـي تغلب، وقرأ: { { وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً } [مريم: 64].

حدثنـي ابن بشار وابن الـمثنى، قالا: ثنا أبو عاصم، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: ثنـي ابن شهاب عن ذبـيحة نصارى العرب، قال: تؤكل من أجل أنهم فـي الدين أهل كتاب، ويذكرون اسم الله.

حدثنا ابن بشار وابن الـمثنى، قالا: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا ابن جريج: قال: قال عطاء: إنـما يقرءون ذلك الكتاب.

حدثنا يعقوب بن إبراهيـم، قال: ثنا ابن علـية، قال: ثنا شعبة، قال: سألت الـحكم وحماداً وقتادة عن ذبـائح نصارى بنـي تغلب، فقالوا: لا بأس بها. قال: وقرأ الـحكم: { وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ } [البقرة: 78].

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا الـحجاج، قال: ثنا حماد، عن عطاء بن السائب، عن عكرمة، عن ابن عبـاس، قال: كلوا من ذبـائح بنـي تغلب، وتزوّجوا من نسائهم، فإن الله قال فـي كتابه: { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَارَىٰ أَوْلِيَآءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } [المائدة: 51] فلو لـم يكونوا منهم إلا بـالولاية لكانوا منهم.

حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: ثنا ابن علـية، عن ابن أبـي عروبة، عن قتادة: أن الـحسن كان لا يرى بأساً بذبـائح نصارى بنـي تغلب، وكان يقول: انتـحلوا ديناً فذاك دينهم.

وقال آخرون: إنـما عَنَى بـالذين أوتوا الكتاب فـي هذه الآية، الذين أنزل علـيهم التوراة والإنـجيـل، من بنـي إسرائيـل وأبنائهم، فأما من كان دخيلاً فـيهم من سائر الأمـم مـمن دان بدينهم وهم من غير بنـي إسرائيـل، فلـم يُعْنَ بهذه الآية ولـيس هو مـمن يحلّ أكل ذبـائحه لأنه لـيس مـمن أوتـى الكتاب من قَبْل الـمسلـمين. وهذا قول كان مـحمد بن إدريس الشافعيّ يقوله حدثنا بذلك عنه الربـيعّ ويتأوّل فـي ذلك قول من كره ذبـائح نصارى العرب من الصحابة والتابعين. ذكر من حرّم ذبـائح نصارى العرب:

حدثنا يعقوب بن إبراهيـم، قال: ثنا ابن علـية، عن أيوب، عن مـحمد، عن عبـيدة قال: قال علـيّ رضوان الله علـيه: لا تأكلوا ذبـائح نصارى بنـي تغلب، فإنهم إنـما يتـمسكون من النصرانـية بشرب الـخمر.

حدثنا يعقوب، قال: ثنا هشيـم، قال: أخبرنا هشام، عن ابن سيرين، عن عبـيدة، عن علـيّ، قال: لا تأكلوا ذبـائح نصارى بنـي تغلب، فإنهم لـم يتـمسكوا بشيء من النصرانـية إلا بشرب الـخمر.

حدثنا الـحسن بن عرفة، قال: ثنا عبد الله بن بكر، قال: ثنا هشام، عن مـحمد بن سيرين، عن عبـيدة، قال: سألت علـيًّا عن ذبـائح نصارى العرب، فقال: لا تؤكل ذبـائحهم، فإنهم لـم يتعلقوا من دينهم إلا بشرب الـخمر.

حدثنـي علـي بن سعيد الكندي، قال: ثنا علـيّ بن عابس، عن عطاء بن السائب، عن أبـي البختري، قال: نهانا علـيّ عن ذبـائح نصارى العرب.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنا مـحمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبـي حمزة القصاب، قال: سمعت مـحمد بن علـيّ يحدثّ عن علـيّ: أنه كان يكره ذبـائح نصارى بنـي تغلب.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن لـيث، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس، قال: لا تأكلوا ذبـائح نصارى العرب وذبـائح نصارى أرمينـية.

وهذه الأخبـار عن علـيّ رضوان الله علـيه، إنـما تدلّ علـى أنه كان ينهي عن ذبـائح نصارى بنـي تغلب من أجل أنهم لـيسوا علـى النصرانـية، لتركهم تـحلـيـل ما تـحلل النصارى وتـحريـم ما تـحرّم غير الـخمر. من كان منتـحلاً ملة هو غير متـمسك منها بشيء، فهو إلـى البراءة منها أقرب إلـى اللـحاق بها وبأهلها، فلذلك نهى علـيّ عن أكل ذبـائح نصارى بنـي تغلب، لا من أجل أنهم لـيسوا من بنـي إسرائيـل. فإذا كان ذلك كذلك، وكان إجماعاً من الـحجة إحلال ذبـيحة كلّ نصرانـيّ ويهوديّ، إن انتـحل دين النصاري أو الـيهود، فأحلّ ما أحلوا، وحرّم ما حرّموا من بنـي إسرائيـل كان أو من غيرهم، فبِّـين خطأ ما قال الشافعي فـي ذلك وتأويـله الذي تأوّله فـي قوله: { وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ حِلّ لَكُمْ }: أنه ذبـائح الذين أوتوا الكتاب التوراة والإنـجيـل من بنـي إسرائيـل، وصواب ما خالف تأويـله ذلك، وقول من قال: إن كل يهوديّ ونصرانـيّ فحلال ذبـيحته من أيّ أجناس بنـي آدم كان.

وأما الطعام الذي قال الله: { وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ } فإنه الذبـائح. وبـمثل ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كريب وابن وكيع، قالا: ثنا ابن إدريس، عن لـيث، عن مـجاهد: { وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ } قال: الذبـائح.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن مـحمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبـي بزة، عن مـجاهد فـي قوله: { وَطَعامُ الَّذِينَ أُتُوا الكِتابَ حِلّ لَكُمْ } قال: ذبـائحهم.

حدثنا مـحمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفـيان، عن لـيث، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا الـمثنى، قال: ثنا أبو نعيـم وقبـيصة، قالا: ثنا سفـيان، عن لـيث، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا إسحاق بن سلـيـمان الرازي، عن أبـي سنان، عن لـيث، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: { وَطَعامُ الَّذينَ أُوتُوا الكِتابَ حِلّ لَكُمْ } قال: ذبـيحة أهل الكتاب.

حدثنا يعقوب بن إبراهيـم، قال: ثنا هشيـم، عن مغيرة، عن إبراهيـم فـي قوله: { وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ حِلّ لَكُمْ } قال: ذبـائحهم.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفـيان عن الـمغيرة، عن إبراهيـم، بـمثله.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن سفـيان، عن مغيرة، عن إبراهيـم، مثله.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن مغيرة، عن إبراهيـم، مثله.

حدثنا الـمثنى، قال: ثنا أبو نعيـم وقبـيصة، قالا: ثنا سفـيان، عن مغيرة، عن إبراهيـم مثله.

حدثنا الـمثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس: { وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ حِلّ لَكُمْ } قال: ذبـائحهم.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا الـمعلـى بن أسد، قال: ثنا خالد، عن يونس، عن الـحسن، مثله.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ حِلّ لَكُمْ }: أي ذبـائحهم.

حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: ثنا أحمد بن الـمفضل، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ: { وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتاب حِلّ لَكُمْ } أما طعامهم فهو الذبـائح.

حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: ثنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: { وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ حِلّ لَكُمْ } قال: أحلّ الله لنا طعامهم ونساءهم.

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس أما قوله: { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتاب حِلّ لَكُمْ } فإنه أحلّ لنا طعامهم ونساءهم.

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سألته يعنـي ابن يزيد عما ذُبح للكنائس وسُمي علـيها فقال: أحلّ الله لنا طعام أهل الكتاب، ولـم يستثن منه شيئاً.

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثنـي معاوية، عن أبـي الزاهرية حدير بن كريب، عن أبـي الأسود، عن عمير بن الأسود: أنه سأل أبـا الدرداء عن كبش ذبح لكنـيسة يقال لها جرجس أهدوه لها، أنأكل منه؟ فقال أبو الدرداء: اللهمّ عفواً إنّما هم أهل كتاب، طعامهم حلّ لنا وطعامنا حلّ لهم. وأمره بأكله.

وأما قوله { وَطَعامُكُمْ حِلّ لَهُمْ } فإنه يعنـي: ذبـائحكم أيها الـمؤمنون حل لأهل الكتاب.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { والـمُـحْصَناتُ مِنَ الـمُؤْمِنات والـمُـحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَاب مِنْ قَبْلِكُمْ إذا آتَـيْتُـمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ }.

يعنـي جلّ ثناؤه بقوله: { والـمُـحْصَنَاتُ مِنَ الـمُؤْمِناتِ } أحلّ لكم أيها الـمؤمنون الـمـحصنات من الـمؤمنات وهنّ الـحرائر منهنّ أن تنكحوهنّ. { والـمُـحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِين أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ } يعنـي: والـحرائر من الذين أعطوا الكتاب، وهم الـيهود والنصارى الذين دانوا بـما فـي التوراة والإنـجيـل من قبلكم أيها الـمؤمنون بـمـحمد صلى الله عليه وسلم من العرب وسائر الناس، أن تنكحوهنّ أيضاً { إذا آتَـيْتُـمُوهُنَّ أجُورَهُنَّ } يعنـي: إذا أعطيتـم من نكحتـم من مـحصناتكم ومـحصناتهم أجورهنّ، وهي مهورهن.

واختلف أهل التأويـل فـي الـمـحصنات اللاتـي عناهنّ الله عزّ ذكره بقوله: { والـمُـحْصَناتُ مِنَ الـمُؤمِناتِ والـمُـحْصَناتُ مِنَ الَّذِين أُوتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ } فقال بعضهم: عنـي بذلك الـحرائر خاصة، فـاجرة كانت أو عفـيفة. وأجاز قائلوا هذه الـمقالة نكاح الـحرّة مؤمنة كانت أو كتابـية من الـيهود والنصارى من أيّ أجناس كانت، بعد أن تكونَ كتابـية فـاجرة كانت أو عفـيفة، وحرّموا إماء أهل الكتاب أن نتزوّجهنّ بكل حال لأن الله جلّ ثناؤه شرط في نكاح الإماء الإيـمان بقوله: { { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَٰتِ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُم مِّن فَتَيَٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ } [النساء: 25] ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو داود، عن سفـيان، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: { وَالـمُـحْصَنات مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ } قال: الـحرائر.

حدثنا مـحمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفـيان، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: { والـمُـحْصَنات مِنَ الَّذِينَ أُتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ } قال: الـحرائر.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفـيان، عن قـيس بن مسلـم، عن طارق بن شهاب: إن رجلاً طلق امرأته وخطبت إلـيه أخته، وكانت قد أحدثت، فأتـى عمر فذكر ذلك له منها، فقال عمر: ما رأيتَ منها؟ قال: ما رأيت منها إلاَّ خيراً فقال: زوّجها ولا تُـخْبر.

حدثنا ابن أبـي الشوارب، قال: ثنا عبد الواحد، قال: ثنا سلـيـمان الشيبـانـيّ، قال: ثنا عامر، قال: زَنَت امرأة منا من هَمْدان، قال: فجلدها مصدّق رسول الله صلى الله عليه وسلم الـحدّ، ثم تابت. فأتَوا عمر، فقالوا: نزوّجها وبئس ما كان من أمرها قال عمر: لئن بلغنـي أنكم ذكرتـم شيئاً من ذلك لأعاقبنكم عقوبة شديدة.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنا مـحمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن قـيس بن مسلـم، عن طارق بن شهاب: أن رجلاً أراد أن يزوّج أخته، فقالت: إنـي أَخْشَى أن أفضح أبـي، فقد بغيت. فأتـى عمر فقال: ألـيس قد تابت؟ قال: بلـى. قال: فزوّجها.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا شعبة، عن إسماعيـل بن أبـي خالد، عن الشعبـي: أن نبـيشة امرأة من همدان بغت، فأرادت أن تذبح نفسها، قال: فأدركوها فداووها فبرئت، فذكروا ذلك لعمر، فقال: أنكحوها نكاح العفـيفة الـمسلـمة.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا داود، عن عامر: أن رجلاً من أهل الـيـمن أصابت أخته فـاحشة، فأمرت الشفرة علـى أوداجها، فأدركت، فدُووي جرحها حتـى برئت. ثم إن عمها انتقل بأهله حتـى قدم الـمدينة، فقرأت القرآن ونسكت، حتـى كانت من أنسك نسائهم. فخطبت إلـى عمها، وكان يكره أن يدلِّسها، ويكره أن يفشي علـى ابنة أخيه، فأتـى عمر، فذكر ذلك له، فقال عمر: لو أفشيت علـيها لعاقبتك، إذا أتاك رجل صالـح ترضاه فزوّجها إياه.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنا عبد الأعلـى، قال: ثنا داود، عن عامر: أن جارية بـالـيـمن يقال لها نبـيشة، أصابت فـاحشة، فذكر نـحوه.

حدثنا تـميـم بن الـمنتصر، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا إسماعيـل عن عامر، قال: أتـى رجل عمر فقال: إن ابنة لـي كانت وُئدت فـي الـجاهلـية، فـاستـخرجتها قبل أن تـموت، فأدركت الإسلام، فلـما أسلـمت أصابت حدًّا من حدود الله، فعمدت إلـى الشفرة لتذبح بها نفسها، فأدركتها وقد قطعت بعض أوداجها، فداويتها حتـى برئت، ثم إنها أقبلت بتوبة حسنة، فهي تـخطب إلـيّ يا أمير الـمؤمنـين، فأُخبر من شأنها بـالذي كان؟ فقال عمر: أتـخبر بشأنها؟ تعمد إلـى ما ستره الله فتبدينه والله لئن أخبرت بشأنها أحداً من الناس، لأجعلنك نكالاً لأهل الأمصار بل أنكحها بنكاح العفـيفة الـمسلـمة.

حدثنا أحمد بن منـيع، قال: ثنا مروان، عن إسماعيـل، عن الشعبـيّ، قال: جاء رجل إلـى عمر. فذكر نـحوه.

حدثنا مـجاهد، قال: ثنا يزيد، قال: أخبرنا يحيى بن سعيد، عن أبـي الزبـير: أن رجلاً خطب من رجل أخته، فأخبره أنها قد أحدثت. فبلغ ذلك عمر بن الـخطاب، فضرب الرجل، وقال: مالك والـخبر؟ أنكح واسكت.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا سلـيـمان بن حرب، قال: ثنا أبو هلال، عن قتادة، عن الـحسن، قال: قال عمر بن الـخطاب: لقد همـمت أن لا أدع أحداً أصاب فـاحشة فـي الإسلام أن يتزوّج مـحصنة. فقال له أبـيّ بن كعب: يا أمير الـمؤمنـين، الشرك أعظم من ذلك، وقد يقبل منه إذا تاب.

وقال آخرون: إنـما عنى الله بقوله: { والـمُـحْصَناتُ مِنَ الـمُؤْمِنَاتِ والـمُـحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ }: العفـائف من الفريقـين، إماءكنّ أو حرائر. فأجاز قائلو هذه الـمقالة نكاح إماء أهل الكتاب الدائنات دينهم بهذه الآية، وحرّموا البغايا من الـمؤمنات وأهل الكتاب. ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كريب، قال ثنا ابن إدريس، عن لـيث، عن مـجاهد فـي قوله: { والـمُـحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ } قال: العفـائف.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن لـيث، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا ابن حميد، وابن وكيع، قالا: ثنا جرير عن مطرف، عن عامر: { والـمُـحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أوتوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ } قال: إحصان الـيهودية والنصرانـية: أن لا تزنـي وأن تغتسل من الـجنابة.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن فضيـل، عن مطرف، عن عامر: { والـمُـحْصَناتُ مَنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ } قال: إحصان الـيهودية والنصرانـية: أن تغتسل من الـجنابة، وأن تـحصن فرجها.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن مطرف، عن رجل، عن الشعبـيّ فـي قوله: { والـمُـحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ } قال: إحصان الـيهودية والنصرانـية: أن لا تزنـي، وأن تغتسل من الـجنابة.

حدثنا الـمثنى قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن مطرِّف، عن الشعبـي فـي قوله: { والـمـحصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ } قال: إحصانها أن تغتسل من الـجنابة، وأن تـحصن فرجها من الزنا.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا معلـى بن أسد، قال: ثنا خالد، قال: أخبرنا مطرف عن عامر، بنـحوه.

حدثنا الـمثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، قال: سمعت سفـيان يقول فـي قوله: { والـمُـحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ } قال: العفـائف.

حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسبـاط، عن السدي: { والـمُـحْصَناتُ مِنَ الـمُؤْمِناتِ والـمُـحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ } قال: أما الـمـحصنات: فهنّ العفـائف.

حدثنا مـحمد بن بشار، قال: ثنا عبد الأعلـى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: أن امرأة اتـخذت مـملوكها وقالت: تأوّلت كتاب الله: { { وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ } [النساء: 36]. قال: فَأُتِـيَ بها عمر بن الـخطاب، فقال له ناس من أصحاب النبـيّ صلى الله عليه وسلم: تأوّلت آية من كتاب الله علـى غير وجهها. قال: فقرب العبد وجزّ رأسه، وقال: أنت بعده حرام علـى كلّ مسلـم.

حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: ثنا مـحمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن منصور، عن إبراهيـم: أنه قال فـي التـي تسرى قبل أن يُدخـل بها، قال: لـيس لها صداق ويفرّق بـينهما.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: ثنا أشعث، عن الشعبـيّ فـي البكر تهجر، قال: تضرب مائة سوط، وتنفـي سنة، وتردّ علـى زوجها ما أخذت منه.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: ثنا أشعث، عن أبـي الزبـير، عن جابر، مثل ذلك.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: أخبرنا أشعث، عن الـحسن، مثل ذلك.

حدثنا يعقوب بن إبراهيـم، قال: ثنا ابن علـية، عن يونس أن الـحسن كان يقول: إذا رأى الرجل من امرأته فـاحشة فـاستـيقن فإنه لا يـمسكها.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن أبـي ميسرة، قال: مـملوكات أهل الكتاب بـمنزلة حرائرهم.

ثم اختلف أهل التأويـل فـي حكم قوله عزّ ذكره: { والـمُـحْصَنات مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ } أعامّ أم خاصّ؟ فقال بعضهم: هو عامّ فـي العفـائف منهنّ، لأن الـمـحصنات العفـائف، وللـمسلـم أن يتزوّج كلّ حرّة وأمة كتابـية حربـية كانت أو ذمية. واعتلوا فـي ذلك بظاهر قوله تعالـى: { والـمُـحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ } وأن الـمعنـيّ بهنّ العفـائف كائنة من كانت منهن. وهذا قول من قال: عنـي بـالـمـحصنات فـي هذا الـموضع: العفـائف.

وقال آخرون: بل اللواتـي عنى بقوله جلّ ثناؤه: { والـمُـحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ }: الـحرائر منهنّ، والآية عامة فـي جميعهنّ، فنكاح جميع الـحرائر الـيهود والنصارى جائز، حربـيات كنّ أو ذميات، من أيّ أجناس الـيهود والنصارى كنّ وهذا قول جماعة من الـمتقدمين والـمتأخرين. ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبـي عديّ، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن الـمسيب والـحسن: أنهما كانا لا يريان بأساً بنكاح نساء الـيهود والنصارى، وقالا: أحله الله علـى علـم.

وقال آخرون منهم: بل عنـي بذلك: نكاح بنـي إسرائيـل الكتابـيات منهنّ خاصة دون سائر أجناس الأمـم الذين دانوا بـالـيهودية والنصرانـية. وذلك قول الشافعي ومن قال بقوله.

وقال آخرون: بل ذلك معنىّ به نساء أهل الكتاب الذين لهم من الـمسلـمين ذمة وعهد، فأما أهل الـحرب فإن نساءهم حرام علـى الـمسلـمين. ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا مـحمد بن عقبة، قال: ثنا الفزاري، عن سفـيان بن حسين، عن الـحكم، عن مقسم، عن ابن عبـاس، قال: من نساء أهل الكتاب من يحلّ لنا، ومنهم من لا يحل لنا. ثم قرأ: { الـجِزْيَةَ قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ ٱلْحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ } [التوبة: 29] فمن أعطى الـجزية حلّ لنا نساؤه، ومن لـم يعط الـجزية لـم يحل لنا نساؤه. قال الـحكم: فذكرت ذلك لإبراهيـم فأعجبه.

وأولـى الأقوال فـي ذلك عندنا بـالصواب قول من قال: عنـي بقوله: { والـمُـحْصَناتُ مِنَ الـمُؤْمِناتِ والـمُـحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ } حرائر الـمؤمنـين وأهل الكتاب، لأن الله جلّ ثناؤه لـم يأذن بنكاح الإماء الأحرار فـي الـحال التـي أبـاحهنّ لهم إلاَّ أن يكنّ مؤمنات، فقال عزّ ذكره: { { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَٰتِ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُم مِّن فَتَيَٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ } [النساء: 25] فلـم يبح منهنّ إلاَّ الـمؤمنات، فلو كان مراداً بقوله: { والـمُـحْصَناتُ مِنَ الـمُؤْمِناتِ والـمُـحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ }: العفـائف، لدخـل العفـائف من إمائهم فـي الإبـاحة، وخرج منها غير العفـائف من حرائرهم وحرائر أهل الإيـمان. وقد أحل الله لنا حرائر الـمؤمنات، وإن كنّ قد أتـين بفـاحشة بقوله: { { وَأَنْكِحُواْ ٱلأَيَامَىٰ مِنْكُمْ وَٱلصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ } [النور: 32]، وقد دللنا علـى فساد قول من قال: لا يحلّ نكاح من أتـى الفـاحشة من نساء الـمؤمنـين وأهل الكتاب للـمؤمنـين فـي موضع غير هذا بـما أغنـى عن إعادته فـي هذا الـموضع، فنكاح حرائر الـمسلـمين وأهل الكتاب حلال للـمؤمنـين، كنّ قد أتـين بفـاحشة أو لـم يأتـين بفـاحشة، ذمية كانت أو حربـية، بعد أن تكون بـموضع لا يخاف الناكح فـيه علـى ولده أن يجبر علـى الكفر، بظاهر قول الله جلّ وعزّ: { والـمُـحْصَنَاتُ مِنَ الـمُؤْمِناتِ والـمُـحْصَناتُ مِنَ الذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ }. فأما قول الذي قال: عنى بذلك نساء بنـي إسرائيـل الكتابـيات منهن خاصة، فقول لا يوجب التشاغل بـالبـيان عنه لشذوذه والـخروح عما علـيه علـماء الأمة من تـحلـيـل نساء جميع الـيهود والنصارى. وقد دللنا علـى فساد قول قائل هذه الـمقالة من جهة القـياس فـي غير هذا الـموضع بـما فـيه الكفـاية فكرهنا إعادته.

وأما قوله: { إذَا آتَـيْتُـمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } فإن الأجر: العوض الذي يبذله الزوج للـمرأة للاستـمتاع بها، وهو الـمهر. كما:

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس فـي قوله: { آتَـيْتُـمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } يعنـي مهورهنّ.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { مُـحْصِنِـينَ غيرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّـخِذِي أخْدَانٍ }. يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: أحلّ لكم الـمـحصنات من الـمؤمنات،والـمـحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم، وأنتـم مـحصنون غير مسافحين ولا متـخذي أخدان. ويعنـي بقوله جلّ ثناؤه: { مُـحْصِنِـين }: أعفـاء { غيرَ مُسافِحِينَ } يعنـي: لا معالنـين بـالسفـاح بكل فـاجرة وهو الفجور { وَلا مُتـخِذِي أخْدَانٍ } يقول: ولا منفردين ببغية واحدة قد خادنها وخادنته واتـخذها لنفسه صديقة يفجر بها. وقد بـينا معنى الإحصان ووجوهه ومعنى السفـاح والـخدن فـي غير هذا الـموضع بـما أغنـى عن إعادته فـي هذا الـموضع وهو كما:

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، قوله: { مُـحْصِنِـينَ غيرَ مُسافِحِينَ } يعنـي: ينكحوهن بـالـمهر والبـينة، { غَيْر مُسَافِحِينَ } متعالنـين بـالزنا، { وَلا مُتَّـخِذِي أخْدَانٍ } يعنـي: يُسِرُّون بـالزنا.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: أحلّ الله لنا مـحصنتـين: مـحصنة مؤمنة، ومـحصنة من أهل الكتاب { وَلا مُتَّـخِذِي أخْدَانٍ } ذات الـخدن: ذات الـخـلـيـل الواحد.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن سلـيـمان بن الـمغيرة، عن الـحسن، قال: سأله رجل: أيتزوّج الرجل الـمرأة من أهل الكتاب؟ قال: ما له ولأهل الكتاب وقد أكثر الله الـمسلـمات؟ فإن كان لا بد فـاعلاً، فلـيعمد إلـيها حصاناً غير مسافحة. قال الرجل: وما الـمسافحة؟ قال: هي التـي إذا لـمـح الرجل إلـيها بعينه اتبعته.

القول فـي تأويـل قوله عزّ ذكره: { وَمَنْ يَكْفُرْ بـالإيـمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عمَلُهُ وَهُوَ فِـي الآخِرَةِ مِنَ الـخاسِرِينَ }.

يعنـي بقوله جلّ ثناؤه: { وَمَنْ يَكْفُرْ بـالإيـمَانِ } ومن يجحد ما أمر الله بـالتصديق به من توحيد الله ونبوّة مـحمد صلى الله عليه وسلم، وما جاء به من عند الله، وهو الإيـمان الذي قال الله جلّ ثناؤه: { وَمَنْ يَكْفُرْ بـالإِيـمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ } يقول: فقد بطل ثواب عمله الذي كان يعمله فـي الدنـيا، يرجو أن يدرك به منزلة عند الله. { وَهُوَ فِـي الآخِرَةِ مِنَ الـخاسرِينَ } يقول: وهو فـي الآخرة من الهالكين الذين غبنوا أنفسهم حظوظها من ثواب الله بكفرهم بـمـحمد وعملهم بغير طاعة الله. وقد ذكر أن قوله: { وَمَنْ يَكْفُرْ بـالإيـمَانِ } عُنـي به أهل الكتاب، وأنه أنزل علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل قوم تـحرجّوا نكاح نساء أهل الكتاب لـما قـيـل لهم: { أُحِلَ لَكُمُ الطَّيِّبـاتُ وطَعَامُ الذّين أُوتُوا الكِتَابَ حِلٌ لَكُمْ وطَعَامُكُمْ حِلٌ لَهُمْ والـمُـحْصَنَاتُ مِنَ الـمُؤْمِنَاتِ والـمُـحصَنَاتُ مِنَ الَّذين أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ }. ذكر من قال ذلك.

حدثنا بشر، ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذكر لنا أن ناساً من الـمسلـمين قالوا: كيف نتزوّج نساءهم يعنـي نساء أهل الكتاب وهم علـى غير ديننا؟ فأنزل الله عزّ ذكره: { وَمَنْ يَكْفُرْ بـالإيـمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِـي الآخِرَةِ مِنَ الـخاسِرِينَ } فأحلّ الله تزويجهنّ علـى علـم.

وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل الإيـمان قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك.

حدثنا مـحمد ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفـيان، عن ابن جريج، عن عطاء: { وَمَنْ يَكْفُرْ بـالإيـمَانِ، فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ } قال: بـالإيـمان بـالله.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن يـمان، عن واصل، عن عطاء: { وَمَنْ يَكْفُرْ بـالإيـمَانِ } قال: الإيـمان: التوحيد.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن سفـيان، عن ابن جريج، عن مـجاهد: { وَمَنْ يَكْفُرْ بـالإيـمَانِ } قال: بـالله.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى، عن سفـيان، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن مـحمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبـي بزّة، عن مـجاهد فـي قوله: { وَمَنْ يَكْفُرْ بـالإيـمَانِ، فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ } قال: من يكفر بـالله.

حدثنا مـحمد، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قوله: { وَمَنْ يَكْفُرْ بـالإيـمَانِ } قال: من يكفر بـالله.

حدثنا مـحمد، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قوله: { وَمَنْ يَكْفُرْ بـالإيـمَانِ } قال: الكفر بـالله.

حدثنا الـمثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، قوله: { وَمَنْ يَكْفُرْ بـالإيـمَانِ، فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ } قال: أخبر الله سبحانه أن الإيـمان هو العروة الوثقـى، وأنه لا يقبل عملاً إلاَّ به، ولا يحرّم الـجنة إلاَّ علـى من تركه.

فإن قال لنا قائل: وما وجَّه تأويـل من وجه قوله: { وَمَنْ يَكْفُرْ بـالإيـمَانِ } إلـى معنى: ومن يكفر بـالله؟ قـيـل وجه تأويـله ذلك كذلك أن الإيـمان هو التصديق بـالله وبرسله وما ابتعثهم به من دينه، والكفر: جحود ذلك. قالوا: فمعنى الكفر بـالإيـمان، هو جحود الله وجحود توحيده. ففسروا معنى الكلـمة بـما أريد بها، وأعرضوا عن تفسير الكلـمة علـى حقـيقة ألفـاظها وظاهرها فـي التلاوة.

فإن قال قائل: فما تأويـلها علـى ظاهرها وحقـيقة ألفـاظها؟ قـيـل: تأويـلها: ومن يأبى الإيـمان بـالله ويـمتنع من توحيده والطاعة له فـيـما أمره به ونهاه عنه، فقد حبط عمله وذلك أن الكفر هو الـجحود فـي كلام العرب، والإيـمان: التصديق والإقرار، ومن أبى التصديق بتوحيد الله والإقرار به فهو من الكافرين، فذلك تأويـل الكلام علـى وجهه.