التفاسير

< >
عرض

يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ وَٱمْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى ٱلْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَٱطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىۤ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّنَ ٱلْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِّنْهُ مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
٦
-المائدة

جامع البيان في تفسير القرآن

يعنـي بذلك جل ثناؤه: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتـم إلـى الصلاة وأنتـم علـى غير طهر الصلاة، فـاغسلوا وجوهكم بـالـماء، وأيديكم إلـى الـمرافق.

ثم اختلف أهل التأويـل فـي قوله: { إذَا قُمْتُـمْ إلـى الصَّلاةِ } أمراد به كلّ حال قام إلـيها، أو بعضها؟ وأيّ أحوال القـيام إلـيها؟ فقال بعضهم فـي ذلك بنـحو ما قلنا فـيه من أنه معنيّ به بعض أحوال القـيام إلـيها دون كلّ الأحوال، وأن الـحال التـي عنـي بها حال القـيام إلـيها علـى غير طهر. ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبـيد الله، قال: سئل عكرمة عن قول الله: { إذَا قُمْتُـمْ إلـى الصَّلاةِ فـاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وأيْدِيكُمْ إلـى الـمَرَافقِ } فكلّ ساعة يتوضأ؟ فقال: قال ابن عبـاس: لا وضوء إلاَّ من حدث.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنا مـحمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، قال: سمعت مسعود بن علـيّ الشيبـانـي، قال: سمعت عكرمة، قال: كان سعد بن أبـي وَقَّاص يصلـي الصلوات بوضوء واحد.

حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا سفـيان بن حبـيب، عن مسعود بن علـيّ، عن عكرمة، قال: كان سعد بن أبـي وقاص يقول: صلّ بطهورك ما لـم تـحدث.

حدثنا أحمد بن عبدة الضبـي، قال: أخبرنا سلـيـم بن أخضر، قال: أخبرنا ابن عون عن مـحمد، قال: قلت لعبـيدة السلـمانـي: ما يوجب الوضوء؟ قال: الـحدث.

حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن واقع بن سحبـان، عن يزيد ابن طريف أو طريف بن يزيد أنهم كانوا مع أبـي موسى علـى شاطىء دجلة، فتوضؤا فصلوا الظهر، فلـما نودي بـالعصر، قام رجال يتوضؤون من دجلة، فقال: إنه لا وضوء إلاَّ علـى من أحدث.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبـي عديّ، عن سعيد، عن قتادة، عن طريف بن زياد أو زياد بن طريف عن واقع بن سحبـان: أنه شهد أبـا موسى صلَّـى بأصحابه الظهر، ثم جلسوا حلقاً علـى شاطىء دجلة، فنُودي بـالعصر، فقام رجال يتوضؤون، فقال أبو موسى: لا وضوء إلاَّ علـى من أحدث.

حدثنا ابن بشار وابن الـمثنى، قالا: ثنا مـحمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، قال: سمعت قتادة يحدث عن واقع بن سحبـان، عن طريف بن يزيد أو يزيد بن طريف قال: كنت مع أبـي موسى بشاطىء دجلة فذكر نـحوه.

حدثنا ابن بشار وابن الـمثنى، قالا: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا شعبة، عن قتادة، عن واقع بن سحبـان، عن طريف بن يزيد أو يزيد بن طريف عن أبـي موسى، مثله.

حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا أبو خالد، قال: توضأت عند أبـي العالـية الظهر أو العصر، فقلت: أصلـي بوضوئي هذا، فإنـي لا أرجع إلـى أهلـي إلـى العتـمة؟ قال أبو العالـية: لا حرج. وعلّـمنا: إذا توضأ الإنسان فهو فـي وضوئه حتـى يحدث حدثاً.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا ابن هلال، عن قتادة، عن سعيد بن الـمسيب، قال: الوضوء من غير حدث اعتداء.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنا أبو داود، ثنا أبو هلال، عن قتادة، عن سعيد، مثله.

حدثنـي أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية عن الأعمش، قال: رأيت إبراهيـم صلَّـى بوضوء واحد، الظهر والعصر والـمغرب.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عثام، قال: ثنا الأعمش، قال: كنت مع يحيى، فأصلـي الصلوات بوضوء واحد، قال: وإبراهيـم مثل ذلك.

حدثنا سوّار بن عبد الله، قال: ثنا بشر بن الـمفضل، قال: ثنا يزيد بن إبراهيـم، قال: سمعت الـحسن سئل عن الرجل يتوضأ فـيصلـي الصلوات كلها بوضوء واحد، فقال: لا بأس به ما لـم يحدث.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبـيد، عن الضحاك، قال: يصلـي الصلوات بـالوضوء الواحد ما لـم يحدث.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال ثنا زائدة عن الأعمش، عن عمارة، قال: كان الأسود يصلـي الصلوات بوضوء واحد.

حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ: { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذَا قُمْتُـمْ إلـى الصَّلاةِ } يقول: قمتـم وأنتـم علـى غير طهر.

حدثنا أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمارة، عن الأسود: أنه كان له قَعْبٌ قدر رِيّ رجل، فكان يتوضأ ثم يصلـي بوضوئه ذلك الصلوات كلها.

حدثنا مـحمد بن عبـاد بن موسى، قال: أخبرنا زياد بن عبد الله بن الطفـيـل البكائي، قال: ثنا الفضل ابن الـمبشر، قال: رأيت جابر بن عبد الله يصلـي الصلوات بوضوء واحد، فإذا بـال أو أحدث توضأ ومسح بفضل طهوره الـخفـين. فقلت: أبـا عبد الله أشيء تصنعه برأيك؟ قال: بل رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعه، فأنا أصنعه كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع.

وقال آخرون: معنى ذلك: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتـم من نومكم إلـى الصلاة. ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي من سمع مالك بن أنس، يحدث عن زيد بن أسلـم، قوله: { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذَا قُمْتُـمْ إلـى الصَّلاةِ } قال: يعنـي: إذا قمتـم من النوم.

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب أن مالك بن أنس، أخبره عن زيد بن أسلـم، بـمثله.

حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ، قوله: { إذَا قُمْتُـمْ إلـى الصَّلاة فـاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ } قال: فقال: قمتـم إلـى الصلاة من النوم.

وقال آخرون: بل ذلك معنيّ به كل حال قـيام الـمرء إلـى صلاته أن يجدّد لها طهراً. ذكر من قال ذلك:

حدثنا حميد بن مسعدة: ثنا سفـيان بن حبـيب، عن مسعود بن علـيّ، قال: سألت عكرمة، قال: قلت يا أبـا عبد الله، أتوضأ لصلاة الغدة ثم آتـي السوق فتـحضر صلاة الظهر فأصلـي؟ قال: كان علـيّ بن أبـي طالب رضي الله عنه يقول: { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذَا قُمْتُـمْ إلـى الصَّلاةِ فـاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وأيْدِيَكُمْ إلـى الـمَرَافِقِ }.

حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: ثنا مـحمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، قال: سمعت مسعود بن علـيّ الشيبـانـي، قال: سمعت عكرمة يقول: كان علـيّ رضي الله عنه يتوضأ عند كلّ صلاة، ويقرأ هذه الآية: { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذَا قُمْتُـمْ إلـى الصَّلاةِ فـاغْسِلُوا وُجُوهَكُم }... الآية.

حدثنا زكريا بن يحيى بن أبـي زائدة، قال: ثنا أزهر، عن ابن عون، عن ابن سيرين: أن الـخـلفـاء كانوا يتوضؤون لكلّ صلاة.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبـي عديّ، عن حميد، عن أنس، قال: توضأ عمر بن الـخطاب وضوءاً فـيه تـجوّز خفـيفـاً، فقال: هذا وضوء من لـم يُحْدِث.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنـي وهب بن جرير، قال: أخبرنا شعبة، عن عبد الـملك بن ميسرة عن النزال، قال: رأيت علـيًّا صلَّـى الظهر ثم قعد للناس فـي الرَّحْبة، ثم أُتـي بـماء فغسل وجهه ويديه، ثم مسح برأسه ورجلـيه، وقال: هذا وضوء من لـم يُحْدِثْ.

حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: ثنا هشيـم، عن مغيرة، عن إبراهيـم: أن علـيًّا اكتال من جُبْ فتوضأ وضوءاً فـيه تـجوّز، فقال: هذا وضوء من لـم يُحْدِث.

وقال آخرون: بل كان هذا أمراً من الله عزّ ذكره نبـيه صلى الله عليه وسلم والـمؤمنـين به أن يتوضؤا لكلّ صلاة، ثم نسخ ذلك بـالتـخفـيف. ذكر من قال ذلك:

حدثنـي عبد الله بن أبـي زياد القطوانـي، قال: ثنا يعقوب بن إبراهيـم، قال: ثنا أبـي، عن ابي إسحاق قال: ثنـي مـحمد بن يحيى بن حبـان الأنصاري ثم الـمازنـيّ، مازن بنـي النـجار، فقال لعبـيد الله بن عبد الله بن عمر: أخبرنـي عن وضوء عبد الله لكل صلاة، طاهراً كان أو غير طاهر، عمن هو؟ قال: حدثَتْنـيه أسماء ابنة زيد بن الـخطاب، أن عبد الله بن زيد بن حنظلة بن أبـي عامر الغسيـل حدثها: أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم أمر بـالوضوء عند كلّ صلاة، فشقّ ذلك علـيه، فأمر بـالسواك، ورفع عنه الوضوء إلاَّ من حدث. فكان عبد الله يرى أن به قوّة علـيه، فكان يتوضأ.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة بن الفضل، عن ابن إسحاق، عن مـحمد بن طلـحة بن يزيد بن ركانة قال: ثنـي مـحمد بن يحيى بن حبـان الأنصاري، قال: قلت لعبـيد الله بن عبد الله بن عمر، أخبرنـي عن وضوء عبد الله لكل صلاة ثم ذكر نـحوه.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى وعبد الرحمن، قالا: ثنا سفـيان، عن علقمة بن مرثَد، عن سلـيـمان بن بريدة، عن أبـيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة، فلـما كان عام الفتـح، صلَّـى الصلوات بوضوء واحد، ومسح علـى خفـيه، فقال عمر: إنك فعلت شيئاً لـم تكن تفعله قال: «عَمْداً فَعَلْتُهُ».

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفـيان، عن مـحارب بن دثار، عن سلـيـمان بن بريدة، عن أبـيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلاة، فلـما كان يوم فتـح مكة، صلَّـى الصلوات كلها بوضوء واحد.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفـيان، عن مـحارب، بن دثار، عن سلـيـمان بن بريدة: أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ، فذكر نـحوه.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا معاوية بن هشام، عن سفـيان، عن علقمة بن مرثد، عن ابن بريدة، عن أبـيه، قال: صلَّـى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلوات كلها بوضوء واحد، فقال له عمر: يا رسول الله، صنعت شيئاً لـم تكن تصنعه؟ فقال: "عَمْداً فَعَلْته يا عمَرُ" .

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا معاوية، عن سفـيان، عن مـحارب بن دثار، عن سلـيـمان بن بريدة، عن أبـيه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة، فلـما فتـح مكة، صلَّـى الظهر والعصر والـمغرب والعشاء بوضوء واحد.

حدثنا مـحمد بن عبـيد الـمـحاربـي، قال: ثنا الـحكم بن ظهير، عن مسعر، عن مـحارب بن دثار، عن ابن عمر: أن رسول الله صلَّـى صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر والـمغرب والعشاء بوضوء واحد.

حدثنا مـحمد بن عبـيد الـمـحاربـي، قال: ثنا الـحكم بن ظهير، عن مسعر، عن مـحارب بن دثار، عن ابن عمر «أن رسول الله صلَّـى صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر والـمغرب والعشاء بوضوء واحد».

وأولى الاقوال في ذلك عندنا بالصواب قول من قال ان اللّه عنى بقوله: اذا قمتم الى الصلاة فاغلسوا جميع أحوال قيام القائم الى الصلاة، غيرأنه أمر فرض بغسل ما أمر اللّه بغسله القائم الى صلاته بعد حدث كان منه ناقص طهارته، وقبل احداث الوضوء منه، وأمر ندب لمن كان على طهر قد تقدم منه، ولم يكن منه بعده حدث ينقض طهارته ولذلك كان عليه الصلاة والسلام يتوضأ لكل صلاة قبل فتح مكة ثم صلى يومئذ الصلوات كلها بوضوء واحد ليعلم أمته أن ما كان يفعل عليه السلام من تجديد الطهر لكل صلاة انما كان منه أخذا بالفضل، وايثارا منه لأحب الأمرين الى اللّه ومسارعة منه الى ما ندبه اليه ربه لا على أن ذلك كان عليه فرضاً واجباً.

فإن ظنّ ظان أن فـي الـحديث الذي ذكرناه عن عبد الله بن حنظلة، أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم أمر بـالوضوء عند كلّ صلاة، دلالة علـى خلاف ما قلنا من أن ذلك كان ندبـاً للنبـي علـيه الصلاة والسلام وأصحابه، وخيـل إلـيه أن ذلك كان علـى الوجوب فقد ظنّ غير الصواب، وذلك أن قول القائل: أمر الله نبـيه صلى الله عليه وسلم بكذا وكذا، مـحتـمل من وجوه لأمر الإيجاب والإرشاد والندب والإبـاحة والإطلاق، وإذ كان مـحتـملاً ما ذكرنا من الأوجه، كان أولـى وجوهه به ما علـى صحته الـحجة مـجمعة دون ما لـم يكن علـى صحته برهان يوجب حقـية مدّعية. وقد أجمعت الـحجة علـى أن الله عزّ وجلّ لـم يوجب علـى نبـيه صلى الله عليه وسلم ولا علـى عبـاده فرض الوضوء لكلّ صلاة، ثم نسخ ذلك، ففـي إجماعها علـى ذلك الدلالة الواضحة علـى صحة ما قلنا من أن فعل النبـيّ صلى الله عليه وسلم ما كان يفعل من ذلك كان علـى ما وصفنا من إيثاره فعل ما ندبه الله عزّ ذكره إلـى فعله وندب إلـيه عبـاده الـمؤمنـين بقوله: { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذَا قُمْتُـمْ إلـى الصَّلاةِ فـاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وأيْدِيَكُمْ إلـى الـمَرَافقِ }... الآية، وأن تركه فـي ذلك الـحال التـي تركه كان ترخيصاً لأمته وإعلاماً منه لهم أن ذلك غير واجب ولا لازم له ولا لهم، إلاَّ من حدَث يوجب نقض الطهر. وقد رُوي بنـحو ما قلنا فـي ذلك أخبـار:

حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنـي وهب بن جرير، قال: ثنا شعبة، عن عمرو بن عامر، عن أنس: أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم أُتـي بقعب صغير، فتوضأ. قال: قلت لأنس: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة؟ قال: نعم. قلت: فأنتـم؟ قال: كنا نصلـي الصلوات بوضوء واحد.

حدثنا سلـيـمان بن عمر بن خالد الرقـي، ثنا عيسى بن يونس، عن عبد الرحمن بن زياد الإفريقـي، عن أبـي غطيف، قال: صلـيت مع ابن عمر الظهر، فأتـى مـجلساً فـي داره، فجلس وجلست معه، فلـما نُودي بـالعصر دعا بوَضوء فتوضأ، ثم خرج إلـى الصلاة، ثم رجع إلـى مـجلسه فلـما نودي بـالـمغرب دعا بوضوء فتوضأ، فقلت: أسنة ما أراك تصنع؟ قال: لا، وإن كان وضوئي لصلاة الصبح كافياً للصلوات كلها ما لـم أُحدث، ولكنـي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ تَوَضَّأ علـى طُهْرٍ كُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَناتٍ" ، فأنا رغبت فـي ذلك.

حدثنـي أبو سعيد البغداي، قال: ثنا إسحاق بن منصور، عن هريـم، عن عبد الرحمن بن زياد، عن أبـي غطيف، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَوَضَّأعلـى طُهْرٍ كُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَناتٍ" .

وقد قال قوم: إن هذه الآية أنزلت علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم إعلاماً من الله له بها أن لا وضوء علـيه، إلاَّ إذا قام إلـى صلاته دون غيرها من الأعمال كلها، وذلك أنه كان إذا أحدث امتنع من الأعمال كلها حتـى يتوضأ، فأذن له بهذه الآية أن يفعل كلّ ما بدا له من الأفعال بعد الـحدث عدا الصلاة توضأ أو لـم يتوضأ، وأمره بـالوضوء إذا قام إلـى الصلاة قبل الدخول فـيها. ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا معاوية بن هشام، عن سفـيان، عن جابر بن عبد الله بن أبـي بكر، عن عمرو بن حزم، عن عبد الله بن علقمة بن وقاص، عن أبـيه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراق البول نكلـمه فلا يكلـمنا ونسلّـم علـيه فلا يردّ علـينا، حتـى يأتـي منزله فـيتوضأ كوضوئه للصلاة، فقلنا: يا رسول الله نكلـمك فلا تكلـمنا ونسلـم علـيك فلا تردّ علـينا قال: حتـى نزلت آية الرخصة: { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذَا قُمْتُـمْ إلـى الصَّلاةِ }...الآية.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { فـاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ }.

اختلف أهل التأويـل فـي حدّ الوجه الذي أمر الله بغسله، القائم إلـى الصلاة بقوله: { إذَا قُمْتُـمْ إلـى الصَّلاةِ فـاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ } فقال بعضهم: هو ما ظهر من بشرة الإنسان من قصاص شعر رأسه، منـحدراً إلـى منقطع ذقنه طولاً، وما بـين الأذنـين عرضاً. قالوا: فأما الأذن وما بطن من داخـل الفم والأنف والعين فلـيس من الوجه ولا غيره، ولا أحبّ غسل ذلك ولا غسل شيء منه فـي الوضوء. قالوا: وأما ما غطاه الشعر منه كالذقن الذي غطاء شعر اللـحية والصدغين اللذين قد غطاهما عذار اللـحية، فإن إمرار الـماء علـى ما علـى ذلك من الشعر مـجزىء عن غسل ما بطن منه من بشرة الوجه، لأن الوجه عندهم هو ما ظهر لعين الناظر من ذلك فقابلها دون غيره. ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عمر بن عبـيد، عن معمر، عن إبراهيـم، قال: يجزىء اللـحية ما سال علـيها من الـماء.

حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا شعبة، قال: ثنا الـمغيرة، عن إبراهيـم، قال: يكفـيه ما سال من الـماء من وجهه علـى لـحيته.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنا ابن أبـي عديّ، عن شعبة، عن الـمغيرة، عن إبراهيـم، بنـحوه.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنا أبو داود، عن شعبة، عن مغيرة، عن إبراهيـم، بنـحوه.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفـيان، عن مغيرة فـي تـخـلـيـل اللـحية، قال: يجزيك ما مرّ علـى لـحيتك.

حدثنا هارون بن إسحاق الهمدانـي، قال: ثنا مصعب بن الـمقدام، قال: ثنا زائدة، عن منصور، قال: رأيت إبراهيـم يتوضأ، فلـم يخـلل لـحيته.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، عن سعيد الزبـيدي، عن إبراهيـم، قال: يجزيك ما سال علـيها من أن تـخـللها.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنا مـحمد بن جعفر، عن شعبة، عن يونس، قال: كان الـحسن إذا توضأ مسح لـحيته مع وجهه.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: ثنا هشام، عن الـحسن، أنه كان لا يخـلل لـحيته.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا ابن الـمبـارك، عن هشام، عن الـحسن أنه كان لا يخـلل لـحيته إذا توضأ.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا هارون، عن إسماعيـل، عن الـحسن، مثله.

حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: ثنا هشيـم، عن أشعث، عن ابن سيرين، قال: لـيس غسل اللـحية من السنة.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا هارون، عن عيسى بن يزيد، عن عمرو، عن الـحسن أنه كان إذا توضأ لـم يبلغ الـماء فـي أصول لـحيته.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا هارون، عن أبـي شيبة سعيد بن عبد الرحمن الزبـيدي، قال: سألت إبراهيـم أخـلل لـحيتـي عند الوضوء بـالـماء؟ فقال: لا، إنـما يكفـيك ما مرّت علـيه يدك.

حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: ثنا ابن علـية، قال: سألت شعبة عن تـخـلـيـل اللـحية فـي الوضوء، فقال: قال الـمغيرة: قال إبراهيـم: يكفـيه ما سال من الـماء من وجهه علـى لـحيته.

حدثنـي مـحمد بن عبد الله بن عبد الـحكم، قال: ثنا حجاج بن رشدين، قال: ثنا عبد الـجبـار بن عمر: أن ابن شهاب وربـيعة توضئا، فأمرّا الـماء علـى لـحاهما، ولـم أر واحداً منهما خـلل لـحيته.

حدثنا أبو الولـيد الدمشقـي، قال: ثنا الولـيد بن مسلـم، قال: سألت سعيد بن عبد العزيز، عن عرْك العارضين فـي الوضوء، فقال: لـيس ذلك بواجب، رأيت مكحولاً يتوضأ فلا يفعل ذلك..

حدثنا أبو الولـيد أحمد بن عبد الرحمن القرشيّ، قال: ثنا الولـيد، قال: أخبرنـي سعيد بن بشير، عن قتادة، عن الـحسن، قال: لـيس عرك العارضين فـي الوضوء بواجب.

حدثنا أبو الولـيد، قال: ثنا الولـيد، قال: أخبرنـي إبراهيـم بن مـحمد، عن الـمغيرة، عن إبراهيـم، قال: يكفـيه ما مرّ من الـماء علـى لـحيته.

حدثنا أبو الولـيد القرشي، قال: ثنا الولـيد، قال: أخبرنـي ابن لهيعة، عن سلــمان بن أبـي زينب، قال: سألت القاسم بن مـحمد كيف أصنع بلـحيتـي إذا توضأت؟ قال: لست من الذين يغسلون لـحاهم.

حدثنا أبو الولـيد، قال: ثنا الولـيد، قال أبو عمرو: لـيس عرك العارضين وتشبـيك اللـحية بواجب فـي الوضوء.

ذكر من قال ما حكينا عنه من أهل هذه الـمقالة فـي غسل ما بطن من الفم والأنف:

حدثنا حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفـيان، عن عبد الـملك بن أبـي بشير، عن عكرمة، عن ابن عبـاس، قال: لولا التلـمظ فـي الصلاة ما مضمضت.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت عبد الـملك يقول: سئل عطاء، عن رجل صلَّـى ولـم يتـمضمض قال: ما لـم يسمّ فـي الكتاب يجزئه.

حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: ثنا هشيـم، عن مغيرة، عن إبراهيـم، قال: لـيس الـمضمضة والاستنشاق من واجب الوضوء.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الصبـاح، عن أبـي سنان، قال: كان الضحاك ينهانا عن الـمضمضة والاستنشاق فـي الوضوء فـي رمضان.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت هشاماً، عن الـحسن، قال: إذا نسي الـمضمضة والاستنشاق، قال: إن ذكر وقد دخـل فـي الصلاة فلـيـمض فـي صلاته، وإن كان لـم يدخـل تـمضمض واستنشق.

حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: ثنا ابن علـية، عن شعبة، قال: سألت الـحكم وقتادة، عن رجل ذكر وهو فـي الصلاة أنه لـم يتـمضمض ولـم يستنشق، فقال: يـمضي فـي صلاته.

ذكر من قال ما حكينا عنه من أهل هذه الـمقالة من أن الأذنـين لـيستا من الوجه:

حدثنـي يزيد بن مخـلد الواسطي، قال: ثنا هشيـم، عن غيلان، قال: سمعت ابن عمر يقول: الأذنان من الرأس.

حدثنا عبد الكريـم بن أبـي عمير، قال: ثنا أبو مطرف، قال: ثنا غيلان مولـى بنـي مخزوم، قال: سمعت ابن عمر يقول: الأذنان من الرأس.

حدثنا الـحسن بن عرفة، قال: ثنا مـحمد بن يزيد، عن مـحمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر، قال: الأذنان من الرأس، فإذا مسحت الرأس فـامسحهما.

حدثنـي يعقوب، قال: ثنا هشيـم، قال: أخبرنـي غيلان بن عبد الله مولـى قريش، قال: سمعت ابن عمر سأله سائل، قال: إنه توضأ ونسي أن يـمسح أذنـيه، قال: فقال ابن عمر: الأذنان من الرأس. ولـم ير علـيه بأساً.

حدثنـي مـحمد بن عبد الله بن عبد الـحكم، قال: ثنا أيوب بن سويد. ح، وحدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن جميعاً، عن سفـيان، عن سالـم أبـي النضر، عن سعيد بن مرجانة، عن ابن عمر، أنه قال: الأذنان من الرأس.

حدثنـي ابن الـمثنى، قال: ثنـي وهب بن جرير، قال: ثنا شعبة، عن رجل، عن ابن عمر، قال: الأذنان من الرأس.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا حماد بن سلـمة، عن علـيّ بن زيد، عن يوسف ابن مهران، عن ابن عبـاس، قال: الأذنان من الرأس.

حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الـحسن وسعيد بن الـمسيب، قالا: الأذنان من الرأس.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنا ابن أبـي عديّ، عن سعيد، عن قتادة، قال: الأذنان من الرأس عن الـحسن وسعيد.

حدثنا أبو الولـيد الدمشقـي، قال: ثنا الولـيد بن مسلـم، قال: أخبرنـي أبو عمرو، عن يحيى بن أبـي كثـير، عن ابن عمر، قال: الأذنان من الرأس.

حدثنا أبو الولـيد، قال: ثنا الولـيد، قال: أخبرنـي ابن لهيعة، عن أبـي النضر، عن ابن عمر، مثله.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا هارون، عن عيس بن يزيد، عن عمرو، عن الـحسن، قال: الأذنان من الرأس.

حدثني مـحمد بن عبد الله بن بزيع، قال: ثنا حماد بن زيد، عن سنان بن ربـيعة، عن شهر بن حوشب عن أبـي أمامة أو عن أبـي هريرة شك ابن بزيع أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم قال: "الأُذُنانِ مِنَ الرأسِ" .

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا معلـى بن منصور، عن حماد بن زيد، عن سنان بن ربـيعة، عن شهر بن حوشب، عن أبـي أمامة، قال: الأذنان من الرأس. قال حماد: لا أدري هذا عن أبـي أمامة أو عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو أسامة، قال: ثنـي حماد بن زيد، قال: ثنـي سنان بن ربـيعة أبو ربـيعة عن شهر بن حوشب، عن أبـي أمامة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الأُذُنانِ مِنَ الرأسِ" .

حدثنا أبو الولـيد الدمشقـي، قال: ثنا الولـيد بن مسلـم، قال: أخبرنـي ابن جريج وغيره، عن سلـيـمان بن موسى، أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم قال: "الأُذُنانِ مِنَ الرأسِ" .

حدثنا الـحسن بن شبـيب، قال: ثنا علـيّ بن هاشم بن البريد، قال: ثنا إسماعيـل بن مسلـم، عن عطاء، عن أبـي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الأُذُنانِ مِنَ الرأسِ" .

حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا سفـيان بن حبـيب، عن يونس، أن الـحسن، قال: الأذنان من الرأس.

وقال آخرون: الوجه: كلّ ما دون منابت شعر الرأس إلـى منقطع الذقن طولا ومن الأذن الى عرضاً ما ظهر من ذلك لعين الناظر وما بطن منه من منابت الشعر اللحية النابت على الذقن وعلـى العارضين، وما كان منه داخـل الفم والأنف، وما أقبل من الأذنـين علـى الوجه. كلّ ذلك عندهم من الوجه الذي أمر الله بغسله بقوله: { فـاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ }. وقالوا: إن ترك شيئاً من ذلك الـمتوضىء فلـم يغسله لـم تـجزه صلاته بوضوئه ذلك. ذكر من قال ذلك:

حدثنا مـحمد بن بشار، قال: ثنـي مـحمد بن بكر وأبو عاصم، قالا: أخبرنا ابن جريج، قال: أخبرنـي نافع: أنّ ابن عمر كان يبلّ أصول شعر لـحيته، ويغلغل بـيده فـي أصول شعرها حتـى تكثر القطرات منها.

حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا سفـيان بن حبـيب، عن ابن جريج، قال: أخبرنـي نافع مولـى ابن عمر: أن ابن عمر كان يغلغل يديه فـي لـحيته حتـى تكثر منها القطرات.

حدثنا عمران بن موسى، قال: ثنا عبد الوارث، عن سعيد، قال: ثنا لـيث، عن نافع، عن ابن عمر: كان إذا توضأ خـلل لـحيته حتـى يبلغ أصول الشعر.

حدثنا ابن أبـي الشوارب، قال:ثنا يزيد، قال: ثنا معلـى بن جابر اللقـيطي، قال: أخبرنـي الأزرق ابن قـيس، قال: رأيت ابن عمر توضأ فخـلل لـحيته.

حدثنا يعقوب، قال: ثنا ابن علـية، قال: أخبرنا لـيث، عن نافع: أن ابن عمر كان يخـلل لـحيته بـالـماء حتـى يبلغ أصول الشعر.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مـحمد بن بكر، قال: ثنا ابن جريج، قال: أخبرنـي عبد الله بن عبـيد ابن عمير: أن أبـاه عبـيد بن عمير كان إذا توضأ غلغل أصابعه فـي أصول شعر الوجه يغلغلها بـين الشعر فـي أصوله يدلك بأصابعه البشرة. فأشار لـي عبد الله كما أخبره الرجل، كما وصف عنه.

حدثنا أبو الولـيد، قال: ثنا الولـيد، قال: ثنا أبو عمرو، عن نافع، عن ابن عمر: أنه كان إذا توضأ عرك عارضيه بعض العرك، وشبك لـحيته بأصابعه أحياناً ويترك أحياناً.

حدثنا أبو الولـيد، وعلـيّ بن سهل، قالا: ثنا الولـيد، قال: قال ثنا أبو عمرو، وأخبرنـي عبدة، عن أبـي موسى الأشعري نـحو ذلك.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفـيان، عن مسلـم، قال: رأيت ابن أبـي لـيـلـى توضأ فغسل لـحيته وقال: من استطاع منكم أن يبلغ الـماء أصول الشعر فلـيفعل.

حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا سفـيان بن حبـيب، عن ابن جريج، عن عطاء، قال: حُقّ علـيه أن يبلّ أصول الشعر.

حدثنا ابن أبـي الشوارب، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا شعبة، عن الـحكم، قال: كان مـجاهد يخـلل لـحيته.

حدثنا حميد، قال: ثنا سفـيان، عن شعبة، عن الـحكم، عن مـجاهد: أنه كان يخـلل لـحيته إذا توضأ.

حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: ثنا مـحمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن الـحكم، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنا ابن أبـي عديّ، عن شعبة، عن الـحكم، عن مـجاهد، مثله.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو داود الـحفري، عن سفـيان، عن ابن شبرمة، عن سعيد بن جبـير، قال: ما بـال اللـحية تغسل قبل أن تنبت فإذا نبتت لـم تغسل؟.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا عبـيد الله، عن نافع، عن ابن عمر: أنه كان يخـلل لـحيته إذا توضأ.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا هارون، عن عنبسة، عن لـيث، عن طاووس، أنه كان يخـلل لـحيته.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا هارون، عن إسماعيـل، عن ابن سيرين، أنه كان يخـلل لـحيته.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا ابن الـمبـارك، عن هشام، عن ابن سيرين، مثله.

حدثنـي يعقوب، قال: ثنا ابن علـية، قال: سألت شعبة، عن تـخـلـيـل اللـحية فـي الوضوء، فذكر عن الـحكم بن عتـيبة: أن مـجاهداً كان يخـلل لـحيته.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا هارون، عن عمرو عن معروف، قال: رأيت ابن سيرين توضأ فخـلل لـحيته.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: ثنا هشام، عن ابن سيرين، مثله.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يـمان، عن سفـيان، عن الزبـير بن عديّ، عن الضحاك، قال: رأيته يخـلل لـحيته.

حدثنا تـميـم بن الـمنتصر، قال: أخبرنا مـحمد بن يزيد، عن أبـي الأشهب، عن موسى بن أبـي عائشة، عن زيد الـخدري، عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك، قال: رأيت النبـيّ صلى الله عليه وسلم توضأ فخـلل لـحيته، فقلت: لـم تفعل هذا يا نبـيّ الله؟ قال: "أمَرنِـي بِذَلِكَ رَبّـي" .

حدثنا تـميـم، قال: أخبرنا مـحمد بن يزيد، عن سلام بن سَلْـيم، عن زيد العمي، عن معاوية بن قرة أو يزيد الرقاشي، عن أنس، قال: وضأت النبـيّ صلى الله عليه وسلم، فأدخـل أصابعه من تـحت حنكه، فخـلل لـحيته، وقال: "بِهَذَا أمَرَنِـي رَبّـي جَلَّ وعَزّ" .

حدثنا مـحمد بن إسماعيـل الأحمسي، قال: ثنا الـمـحاربـي، عن سلام بن سَلْـيم الـمدينـي، قال: ثنا زيد العمي، عن معاوية بن قرة، عن أنس بن مالك، عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم، نـحوه.

حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: ثنا أبو عبـيدة الـحدّاد، قال: ثنا موسى بن شروان، عن يزيد الرقاشيّ، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هَكَذَا أمَرَنِـي رَبـي" . وأدخـل أصابعه فـي لـحيته، فخـلّلها.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا معاوية بن هشام وعبـيد الله بن موسى، عن خالد بن إلـياس، عن عبد الله بن رافع، عن أمّ سلـمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، فخـلّل لـحيته.

حدثنا علـيّ بن الـحسين بن الـحر، قال: ثنا مـحمد بن ربـيعة، عن واصل بن السائب، عن أبـي سورة، عن أبـي أيوب، قال: "رأينا النبـيّ صلى الله عليه وسلم توضأ، وخـلل لـحيته" .

حدثنا أبو هشام الرفـاعي، قال: ثنا زيد بن حبـان، قال: ثنا عمر بن سلـيـمان، عن أبـي غالب، عن أبـي أمامة: "أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم خـلّل لـحيته" .

حدثنا مـحمد بن عيسى الدامغانـي، قال: ثنا سفـيان، عن عبد الكريـم أبـي أمية: أن حسان بن ثابت الـمزنـي رأى عمار بن ياسر توضأ وخـلل لـحيته، فقـيـل له: أتفعل هذا، فقال: إنـي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله.

حدثنا أبو الولـيد، قال: ثنا الولـيد، قال: ثنا أبو عمرو، قال: أخبرنـي عبد الواحد بن قـيس، عن يزيد الرقاشي وقتادة: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان إذا توضأ عرك عارضيه، وشبك لـحيته بأصابعه».

حدثنا أبو الولـيد، قال: ثنا الولـيد، قال: أخبرنـي أبو مهدي سعيد بن سنان، عن أبـي الزاهرية، عن جبـير بن نفـير، عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم، نـحوه.

حدثنا مـحمد بن إسماعيـل الأحمسي، قال: ثنا مـحمد بن عبـيد الطنافسي أبو عبد الله، قال: ثنـي واصل الرقاشي، عن أبـي سورة هكذا قال الأحمسي عن أبـي أيوب، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ تـمضمض ومسح لـحيته من تـحتها بـالـماء».

ذكر من قال ما حكينا عنه من أهل هذه الـمقالة فـي غسل ما بطن من الأنف والفم:

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفـيان، عن ابن أبـي نـجيح، قال: سمعت مـجاهداً يقول: الاستنشاق شطر الوضوء.

حدثني يعقوب بن إبراهيـم، قال: ثنا ابن علـية، عن شعبة، قال: سألت حماداً عن رجل ذكر وهو فـي الصلاة أنه لـم يتـمضمض ولـم يستنشق، قال حماد: ينصرف فـيتـمضمض ويستنشق.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الصبـاح، عن أبـي سنان، قال: قدمت الكوفة فأتـيت حماداً فسألته عن ذلك، يعنـي عمن ترك الـمضمضة والاستنشاق وصلَّـى فقال: أرى علـيه إعادة الصلاة.

حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا شعبة، قال: كان قتادة يقول: إذا ترك الـمضمضة أو الاستنشاق أو أذنه أو طائفة من رجله حتـى يدخـل فـي صلاته، فإنه ينفتل ويتوضأ، ويعيد صلاته.

ذكر من قال ما حكينا عنه من أهل هذه الـمقالة من أن ما أقبل من الأذنـين فمن الوجه، وما أدبر فمن الرأس:

حدثنا أبو السائب، قال: ثنا حفص بن غياث، قال: ثنا أشعث، عن الشعبـيّ، قال: ما أقبل من الأذنـين فمن الوجه، وما أدبر فمن الرأس.

حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنـي شعبة، عن الـحكم وحماد، عن الشعبـي فـي الأذنـين: بـاطنهما من الوجه، وظاهرهما من الرأس.

حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: ثنا مـحمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن الـحكم، عن الشعبـي، قال: مقدّم الأذنـين من الوجه، ومؤخرهما من الرأس.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنا ابن أبـي عديّ، عن شعبة، عن الـحكم وحماد، عن الشعبـي بـمثله، إلاَّ أنه قال: بـاطن الأذنـين.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنا مـحمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن حماد، عن الشعبـي بـمثله، إلاَّ أنه قال: بـاطن الأذنـين.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنا مـحمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن حماد، عن الشعبـي، بـمثله.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبـيّ، قال: بـاطن الأذنـين من الوجه، وظاهرهما من الرأس.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا أبو تـميـلة. ح، وحدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: ثنا ابن علـية، قالا جميعاً: ثنا مـحمد بن إسحاق، قال: ثنـي مـحمد بن طلـحة بن يزيد بن ركانة، عن عبـيد الله الـخولانـي، عن ابن عبـاس قال: قال علـيّ بن أبـي طالب: ألا أتوضأ لكم وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: قلنا: نعم. فتوضأ، فلـما غسل وجهه، ألقم إبهاميه ما أقبل من أذنـيه، قال: ثم لـما مسح برأسه مسح أذنـيه من ظهورهما.

وأولـى الأقوال بـالصواب فـي ذلك عندنا قول من قال: الوجه الذي أمر الله جلّ ذكره بغسله القائم إلـى صلاته: كلّ ما انـحدر عن منابت شعر الرأس إلـى منقطع الذقن طولاً، وما بـين الأذنـين عرضاً مـما هو ظاهر لعين الناظر، دون ما بطن من الفم والأنف والعين، ودون ما غطاه شعر اللـحية والعارضين والشاربـين فستره عن أبصار الناظرين، ودون الأذنـين.

وإنـما قلنا ذلك أولـى بـالصواب وإن كان ما تـحت شعر اللـحية والشاربـين قد كان وجهاً يجب غسله قبل نبـات الشعر الساتر عن أعين الناظرين علـى القائم إلـى صلاته، لإجماع جميعهم علـى أن العينـين من الوجه، ثم هم مع إجماعهم علـى ذلك مـجمعون علـى أن غسل ما علاهما من أجفـانهما دون إيصال الـماء إلـى ما تـحت الأجفـان منهما مـجزىء فإذا كان ذلك منهم إجماعاً بتوقـيف الرسول صلى الله عليه وسلم أمته علـى ذلك، فنظير ذلك كلّ ما علاه شيء من مواضع الوضوء من جسد ابن آدم من نفس خـلقة ساتره لا يصل الـماء إلـيه إلاَّ بكلفة ومؤونة وعلاج، قـياساً لـما ذكرنا من حكم العينـين فـي ذلك. فإذا كان ذلك كذلك، فلا شكّ أن مثل العينـين فـي مؤنة إيصال الـماء إلـيهما عند الوضوء ما بطن من الأنف والفم وشعر اللـحية والصدغين والشاربـين، لأن كل ذلك لا يصل الـماء إلـيه إلاَّ بعلاج لإيصال الـماء إلـيه نـحو كلفة علاج الـحدقتـين لإيصال الـماء إلـيهما أو أشدّ. وإذا كان ذلك كذلك، كان بـيِّناً أن غسل من غسل من الصحابة والتابعين ما تـحت منابت شعر اللـحية والعارضين والشاربـين وما بطن من الأنف والفم، إنـما كان إيثاراً منه لأشقّ الأمرين علـيه من غسل ذلك وترك غسله، كما آثر ابن عمر غسل ما تـحت أجفـان العينـين بـالـماء بصبه الـماء فـي ذلك، لا علـى أن ذلك كان علـيه عنده فرضاً واجبـاً. فأما من ظنّ أن ذلك من فعلهم كان علـى وجه الإيجاب والفرض، فإنه خالف فـي ذلك بقوله منهاجهم وأغفل سبـيـل القـياس، لأن القـياس هو ما وصفنا من تـمثـيـل الـمختلف فـيه من ذلك بـالأصل الـمـجمع علـيه من حكم العينـين، وأن لا خبر عن واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أوجب علـى تارك إيصال الـماء فـي وضوئه إلـى أصول شعر لـحيته وعارضيه، وتارك الـمضمضة والاستنشاق إعادة صلاته إذا صلَّـى بطهره ذلك، ففـي ذلك أوضح الدلـيـل علـى صحة ما قلنا من أن فعلهم ما فعلوا من ذلك كان إيثاراً منهم لأفضل الفعلـين من الترك والغسل.

فإن ظنّ ظانّ أن فـي الأخبـار التـي رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "إذَا تَوَضَّأ أحَدُكُمْ فَلْـيَسْتَنْثِرْ" دلـيلاً علـى وجوب الاستنثار، فإن فـي إجماع الـحجة علـى أن ذلك غير فرض يجب علـى من تركه إعادة الصلاة التـي صلاها قبل غسله، ما يغنـي عن إكثار القول فـيه. وأما الأذنان فإن فـي إجماع جميعهم علـى أن ترك غسلهما أو غسل ما أقبل منهما علـى الوجه، غير مفسد صلاة من صلَّـى بطهره الذي ترك فـيه غسلهما، مع إجماعهم جميعاً علـى أنه لو ترك غسل شيء مـما يجب علـيه غسله من وجهه فـي وضوئه أن صلاته لا تـجزئه بطهوره ذلك، ما ينبىء عن القول فـي ذلك مـما قاله أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكرنا قولهم إنهما لـيسا من الوجه دون ما قاله الشعبـي.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وأيْدِيَكُمْ إلـى الـمَرَافِقِ }.

اختلف أهل التأويـل فـي الـمرافق، هل هي من الـيد الواجب غسلها أم لا؟ بعد إجماع جميعهم علـى أن غسل الـيد إلـيها واجب. فقال مالك بن أنس وسئل عن قول الله: { فـاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وأيْدِيَكُمْ إلـى الـمَرَافِقِ }: أترى أن يخـلف الـمرفقـين فـي الوضوء؟ قال: الذي أمر به أن يُبلغ «الـمرفقـين»، قال تبـارك وتعالـى: { فـاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ } مذهب هذا يغسل خـلفه فقـيـل له: فإنـما يغسل إلـى الـمرفقـين والكعبـين لا يجاوزهما؟ فقال: لا أدري ما لا يجاوزهما أما الذي أمر به أن يبلغ به فهذا: إلـى الـمرفقـين والكعبـين. حدثنا يونس، عن أشهب عنه. وقال الشافعي: لـم أعلـم مخالفـاً فـي أن الـمرافق فـيـما يغسل كأنه يذهب إلـى أن معناها: { فـاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وأيْدِيَكُمْ إلـى } أن تغسل { الـمَرَافِقِ }. حدثنا بذلك عنه الربـيع.

وقال آخرون: إنـما أوجب الله بقوله: { وأيْدِيَكُمْ إلـى الـمَرَافِقِ } غسل الـيدين إلـى الـمرافق، فـالـمرفقان غاية لـما أوجب الله غسله من آخر الـيد، والغاية غير داخـلة فـي الـحدّ، كما غير داخـل اللـيـل فـيـما أوجب الله تعالـى علـى عبـاده من الصوم بقوله: { ثُمَّ أتِـمُّوا الصّيامَ إلـى اللَّـيْـلِ } لأن اللـيـل غاية لصوم الصائم، إذا بلغه فقد قضى ما علـيه. قالوا: فكذلك الـمرافق فـي قوله: { فـاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وأيْدِيَكُمْ إلـى الـمَرَافِقِ } غاية لـما أوجب الله غسله من الـيد. وهذا قول زفر بن الهذيـل.

والصواب من القول فـي ذلك عندنا: أن غسل الـيدين إلـى الـمرفقـين من الفرض الذي إن تركه أو شيئاً منه تارك، لـم تَـجزه الصلاة مع تركه غسله. فأما الـمرفقان وما وراءهما، فإن غسل ذلك من الندب الذي ندب إلـيه صلى الله عليه وسلم أمته بقوله: "أُمَّتـي الغُرُّ الـمُـحَجَّلُونَ مِنْ آثارِ الوُضُوءِ، فَمَنِ اسْتَطاعَ مِنْكُمْ أنْ يُطِيـلَ غُرَّتَهُ فَلْـيَفْعَلْ" فلا تفسد صلاة تارك غسلهما وغسل ما وراءهما، لـما قد بـينا قبل فـيـما مضى من أن كل غاية حدت بـ «إلـى» فقد تـحتـمل فـي كلام العرب دخول الغاية فـي الـحدّ وخروجها منه. وإذا احتـمل الكلام ذلك لـم يجز لأحد القضاء بأنها داخـلة فـيه، إلاَّ لـمن لا يجوّز خلافه فـيـما بـين وحكم، ولا حكم بأن الـمرافق داخـلة فـيـما يجب غسله عندنا مـمن يجب التسلـيـم بحكمه.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ }.

اختلف أهل التأويـل فـي صفة الـمسح الذي أمر الله به بقوله: { وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ } فقال بعضهم: وامسحوا بـما بدا لكم أن تـمسحوا به من روؤسكم بـالـماء إذا قمتـم إلـى الصلاة. ذكر من قال ذلك:

حدثنا نصر بن علـيّ الـجهضمي، قال: ثنا حماد بن مسعدة، عن عيسى بن حفص، قال: ذكر عند القاسم بن مـحمد مسح الرأس، فقال: يا نافع كيف كان ابن عمر يـمسح؟ فقال: مسحة واحدة. ووصف أنه مسح مقدّم رأسه إلـى وجهه. فقال القاسم: ابن عمر أفقهنا وأعلـمنا.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: سمعت يحيى بن سعيد، يقول: أخبرنـي نافع أن ابن عمر كان إذا توضأ ردّ كفـيه إلـى الـماء ووضعهما فـيه، ثم مسح بـيديه مقدّم رأسه.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مـحمد بن بكير، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: أخبرنـي نافع: أن ابن عمر كان يضع بطن كفـيه علـى الـماء ثم لا ينفضهما ثم يـمسح بهما ما بـين قرنـيه إلـى الـجبـين واحدة، ثم لا يزيد علـيها فـي كلّ ذلك مسحة واحدة، مقبلة من الـجبـين إلـى القرن.

حدثنا تـميـم بن الـمنتصر، قال: ثنا إسحاق، قال: أخبرنا شريك، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن نافع، عن ابن عمر: أنه كان إذا توضأ مسح مقدم رأسه.

حدثنا تـميـم بن الـمنتصر، قال: أخبرنا إسحاق، قال: أخبرنا شريك، عن عبد الأعلـى الثعلبـيّ، عن عبد الرحمن بن أبـي لـيـلـى، قال: يجزيك أن تـمسح مقدّم رأسك إذا كنت معتـمراً، وكذلك تفعل الـمرأة.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عبد الله الأشجعي، عن سفـيان، عن ابن عجلان، عن نافع، قال: رأيت ابن عمر مسح بـيافوخه مسحة. وقال سفـيان: إن مسح شعرة أجزأه يعنـي واحدة.

حدثنا أبو هشام، قال: ثنا عبد السلام بن حرب، قال: أخبرنا مغيرة، عن إبراهيـم، قال: أيّ جوانب رأسك مسست الـماء أجزأك.

حدثنا أبو هشام، قال: ثنا علـيّ بن ظبـيان، قال: ثنا إسماعيـل بن أبـي خالد، عن الشعبـيّ، مثله.

حدثنـي يعقوب، قال: ثنا ابن علـية، قال: أخبرنا أيوب، عن نافع، قال: كان ابن عمر يـمسح رأسه هكذا، فوضع أيوب كفه وسط رأسه، ثم أمرّها علـى مقدّم رأسه.

حدثنا الرفـاعي، قال: ثنا وكيع، عن إسماعيـل الأزرق، عن الشعبـيّ، مثله.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يزيد بن الـحبـاب، عن سفـيان، قال: إن مسح رأسه بأصبع واحدة أجزأه.

حدثنا أبو الولـيد الدمشقـي، قال: ثنا الولـيد بن مسلـم، قال: قلت لأبـي عمرو: ما يجزىء من مسح الرأس؟ قال: أن تـمسح مقدم رأسك إلـى القـفـا أحبّ إلـيّ.

حدثنـي العبـاس بن الولـيد، عن أبـيه، عنه، نـحوه.

وقال آخرون: معنى ذلك: فـامسحوا بجميع رؤوسكم. قالوا: إن لـم يـمسح بجميع رأسه بـالـماء لـم تـجزه الصلاة بوضوئه ذلك. ذكر من قال ذلك:

حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى، قال: ثنا أشهب، قال: قال مالك: من مسح بعض رأسه ولـم يعمّ أعاد الصلاة بـمنزلة من غسل بعض وجهه أو بعض ذراعه. قال: وسئل مالك عن مسح الرأس، قال: يبدأ من مقدّم وجهه، فـيدير يديه إلـى قـفـاه، ثم يردّهما إلـى حيث بدأ منه.

وقال آخرون: لا يجزىء مسح الرأس بأقلّ من ثلاث أصابع، وهذا قول أبـي حنـيفة وأبـي يوسف ومـحمد.

والصواب من القول فـي ذلك عندنا، أن الله جلّ ثناؤه أمر بـالـمسح برأسه القائم إلـى صلاته مع سائر ما أمره بغسله معه أو مسحه، ولـم يحدّ ذلك بحدّ لا يجوز التقصير عنه ولا يجاوزه. وإذ كان ذلك كذلك، فما مسح به الـمتوضىء من رأسه فـاستـحقّ بـمسحه ذلك أن يقال: مسح برأسه، فقد أدّى ما فرض الله علـيه من مسح ذلك لدخوله فـيـما لزمه اسم ما مسح برأسه إذا قام إلـى صلاته.

فإن قال لنا قائل: فإن الله قد قال فـي التـيـمـم: { فـامْسَحُوا بوُجُوهِكُمْ وأيْدِيكُمْ } أفـيجزىء الـمسح ببعض الوجه والـيدين فـي التـيـمـم؟ قـيـل له: كلّ ما مسح من ذلك بـالتراب فـيـما تنازعت فـيه العلـماء، فقال بعضهم: يجزيه ذلك من التـيـمـم، وقال بعضهم: لا يجزئه، فهو مـجزئه، لدخوله فـي إسم الـماسحين به. وما كان من ذلك مـجمعاً علـى أنه غير مـجزئه، فمسلـم لـما جاءت به الـحجة نقلا عن نبـيها صلى الله عليه وسلم، ولا حجة لأحد علـينا فـي ذلك إذ كان من قولنا: إن ما جاء فـي آي الكتاب عاماً فـي معنى فـالواجب الـحكم به علـى عمومه حتـى يخصه ما يجب التسلـيـم له، فإذا خصّ منه منه شيء كان ما خصّ منه خارجاً من ظاهره، وحكم سائره علـى العموم. وقد بـينا العلة الـموجبة صحة القول بذلك فـي غير هذا الـموضع بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع. والرأس الذي أمر الله جلّ وعزّ بـالـمسح به بقوله: { وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وأرْجُلَكُمْ إلـى الكَعْبَـيْنِ } هو منابت شعر الرأس دون ما جاوز ذلك إلـى القـفـا مـما استدبر، ودون ما انـحدر عن ذلك مـما استقبل من قِبَل وجهه إلـى الـجبهة.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وأرْجُلَكُمْ إلـى الكَعْبَـيْنِ }.

اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأه جماعة من قرّاء الـحجاز والعراق: { وأرْجُلَكُمْ إلـى الكَعْبَـيْنِ } نصبـاً. فتأويـله: إذا قمتـم إلـى الصلاة، فـاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلـى الـمرافق، وأرجُلَكم إلـى الكعبـين، وامسحوا برؤوسكم. وإذا قرىء كذلك كان من الـمؤخر الذي معناه التقديـم، وتكون «الأرجل» منصوبة، عطفـاً علـى «الأيدي». وتأوّل قارئو ذلك كذلك، أن الله جلّ ثناؤه إنـما أمر عبـاده بغسل الأرجل دون الـمسح بها.

ذكر من قال: عنى الله بقوله: { وأرْجُلَكُمْ إلـى الكَعْبَـيْنِ } الغسل:

حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا خالد الـحذاء، عن أبـي قلابة: أن رجلاً صلـى وعلـى ظهر قدمه موضع ظُفُر، فلـما قضى صلاته، قال له عمر: أعد وضوءك وصلاتك.

حدثنا حميد، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا إسرائيـل، قال: ثنا عبد الله بن حسن، قال: ثنا هزيـل بن شرحبـيـل، عن ابن مسعود، قال: خـلّلوا الأصابع بـالـماء لا تـخـلَّلها النارُ.

حدثنا عبد الله بن الصبـاح العطار، قال: ثنا حفص بن عمر الـحوضي، قال: ثنا مرجى، يعنـي ابن رجاء الـيشكري، قال: ثنا أبو روح عمارة بن أبـي حفصة، عن الـمغيرة بن حنـين: أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يتوضأ وهو يغسل رجلـيه، فقال: "بهذا أُمِرْت" .

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفـيان، عن واقد مولـى زيد بن خـلـيدة، قال: سمعت مصعب بن سعيد، يقول: رأى عمر بن الـخطاب قوماً يتوضؤون، فقال: خَـلّلوا.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: سمعت يحيى، قال: سمعت القاسم، قال: كان ابن عمر يخـلع خفـيه، ثم يتوضأ فـيغسل رجلـيه، ثم يخـلّل أصابعه.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفـيان، عن الزبـير بن عديّ، عن إبراهيـم، قال: قلت للأسود: رأيت عمر يغسل قدميه غَسْلاً؟ قال: نعم.

حدثنـي مـحمد بن خـلف، قال: ثنا إسحاق بن منصور، قال: ثنا مـحمد بن مسلـم، عن إبراهيـم بن ميسرة، عن عمر بن عبد العزيز أنه قال لابن أبـي سويد: بلغنا عن ثلاثة كلهم رأوا النبـيّ صلى الله عليه وسلم يغسل قدميه غسلاً، أدناهم ابن عمك الـمغيرة.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الصبـاح، عن مـحمد، وهو ابن أبـان، عن أبـي إسحاق، عن الـحرث، عن علـيّ، قال: اغسلوا الأقدام إلـى الكعبـين.

حدثنـي يعقوب، قال: ثنا ابن علـية، عن خالد، عن أبـي قلابة: أن عمر بن الـخطاب رأى رجلاً قد ترك علـى ظهر قدمه مثل الظفر، فأمره أن يعيد وضوءه وصلاته.

حدثنـي يعقوب، قال: ثنا ابن علـية، عن مـحمد بن إسحاق، عن شيبة بن نصاح، قال: صحبت القاسم بن مـحمد إلـى مكة، فرأيته إذا توضأ للصلاة يدخـل أصابع رجلـيه يصبّ علـيها الـماء، قلت: يا أبـا مـحمد، لـم تصنع هذا؟ قال: رأيت ابن عمر يصنعه.

حدثنا أبو كريب وابن وكيع، قالا: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت أبـي، عن حماد، عن إبراهيـم فـي قوله: { فـاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وأيْدِيَكُمْ إلـى الـمَرَافِقِ وامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وأرْجُلَكُمْ إلـى الكَعْبَـيْنِ } قال: عاد الأمر إلـى الغسل.

حدثنـي الـحسين بن علـيّ الصدائي، قال: ثنا أبـي، عن حفص الغاضري، عن عامر بن كلـيب، عن أبـي عبد الرحمن، قال: قرأ علـيّ الـحسن والـحسين رضوان الله علـيهما، فقرءا: { وأرْجُلَكُمْ إلـى الكَعْبَـيْنِ } فسمع علـيّ رضي الله عنه ذلك، وكان يقضي بـين الناس، فقال: «وأَرْجُلَكُمْ»، هذا من الـمقدّم والـمؤخر من الكلام.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبد الوهاب بن عبد الأعلـى، عن خالد، عن عكرمة، عن ابن عبـاس، أنه قرأها: { فـامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وأرْجُلَكُمْ } بـالنصب، وقال: عاد الأمر إلـى الغسل.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبدة وأبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبـيه أنه قرأها: { وأرْجُلَكُمْ } وقال: عاد الأمر إلـى الغسل.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن الـمبـارك، عن قـيس، عن عاصم، عن زرّ، عن عبد الله: أنه كان يقرأ: { وأرْجُلَكُمْ } بـالنصب.

حدثنا مـحمد بن الـحسين قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ، قوله: { فـاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وأيْدِيَكُمْ إلـى الـمَرَافِقِ وامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وأرْجُلَكُمْ إلـى الكَعْبَـيْنِ } فـيقول: اغسلوا وجوهكم، واغسلوا أرجلكم، وامسحوا برؤوسكم فهذا من التقديـم والتأخير.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا حسين بن علـيّ، عن شيبـان، قال: أَثْبِتْ لـي عن علـيّ أنه قرأ: { وأرْجُلَكم }.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن سفـيان، عن هشام بن عروة، عن أبـيه: { وأرْجُلَكُمْ } رجع الأمر إلـى الغسل.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن سفـيان، عن خالد، عن عكرمة، مثله.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا الـحمانـي، قال: ثنا شريك، عن الأعمش، قال: كان أصحاب عبد الله يقرؤونها: { وأرْجُلَكُمْ } فـيغسلون.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن سفـيان، عن أبـي إسحاق، عن الـحرث، عن علـيّ، قال: اغسل القدمين إلـى الكعبـين.

حدثنـي عبد الله بن مـحمد الزبيري، قال: ثنا سفـيان بن عيـينة، عن أبـي السوداء، عن ابن عبد خير، عن أبـيه، قال: رأيت علـيًّا توضأ، فغسل ظاهر قدميه، وقال: لولا أنـي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، ظننت أن بطن القدم أحقّ من ظاهرها.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يـمان، قال: ثنا عبد الـملك، عن عطاء، قال: لـم أر أحداً يـمسح علـى القدمين.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنـي الـحجاج بن الـمنهال، قال: ثنا حماد، عن قـيس بن سعد، عن مـجاهد أنه قرأ: { وأرْجُلَكُمْ إلـى الكَعْبَـيْنِ } فنصبها، وقال: رجع إلـى الغسل.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا جابر بن نوح، قال: سمعت الأعمش يقرأ: { وأرْجُلَكُمْ } بـالنصب.

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا أشهب، قال: سئل مالك عن قول الله: { وامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وأرْجُلَكُمْ إلـى الكَعْبَـيْنِ } أهي «أرجلِكم» أو «أرجلَكم»؟ فقال: إنـما هو الغسل ولـيس بـالـمسح، لا تـمسح الأرجل، إنـما تغسل. قـيـل له: أفرأيت من مسح أيجزيه ذلك؟ قال: لا.

حدثنا أحمد بن حازم، قال: ثنا أبو نعيـم، قال: ثنا سلـمة، عن الضحاك: { وامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وأرْجُلَكُمْ } قال: اغسلوها غسلاً.

وقرأ ذلك آخرون من قرّاء الـحجاز والعراق: «وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وأرْجُلِكُمْ» بخفض الأرجل. وتأوّل قارئو ذلك كذلك أن الله إنـما أمر عبـاده بـمسح الأرجل فـي الوضوء دون غسلها، وجعلوا الأرجل عطفـاً علـى الرأس، فخفضوها لذلك. ذكر من قال ذلك من أهل التأويـل:

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا مـحمد بن قـيس الـخراسانـي، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عبـاس، قال: الوضوء غسلتان ومسحتان.

حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا بشر بن الـمفضل، عن حميد. ح، وحدثنا يعقوب بن إبراهيـم، قال: ثنا ابن علـية، قال: ثنا حميد، قال: قال موسى بن أنس لأنس ونـحن عنده: يا أبـا حمزة إن الـحجاج خطبنا بـالأهواز ونـحن معه، فذكر الطهور، فقال: «اغسلوا وجوهكم وأيديكم وامسحوا برءوسكم وأرْجُلَكم، وإنه لـيس شيء من ابن آدم أقرب إلـى خبثه من قدميه، فـاغسلوا بطونهما وظهورهما وعراقـيبهما». فقال أنس: صدق الله وكذب الـحجاج، قال الله: «وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وأرْجُلِكُمْ» قال: وكان أنس إذا مسح قدميه بلّهما.

حدثنا ابن سهل، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا حماد، قال: ثنا عاصم الأحول، عن أنس، قال: نزل القرآن بـالـمسح، والسنة الغَسل.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبـي عديّ، عن حميد، عن موسى بن أنس، قال: خطب الـحجاج، فقال: «اغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجُلَكم، ظهورَهما وبطونَهما وعراقـيبهما، فإن ذلك أدنى إلـى خبثكم». قال أنس: صدق الله وكذب الـحجاج، قال الله: «وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وأرْجُلِكُمْ إلـى الكَعْبَـيْنِ».

حدثنـي يعقوب، قال: ثنا ابن علـية، قال: ثنا عبـد الله العتكي، عن عكرمة، قال: لـيس علـى الرجلـين غسل، إنـما نزل فـيهما الـمسح.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا هارون، عن عنبسة، عن جابر، عن أبـي جعفر، قال: امسح علـى رأسك وقدميك.

حدثنـي أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، عن داود بن أبـي هند، عن الشعبـيّ، قال: نزل جبريـل بـالـمسح. قال: ثم قال الشعبـي: ألا ترى أن التـيـمـم أن يـمسح ما كان غسلاً ويـلغي ما كان مسحاً؟

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبـيّ، قال: أُمر بـالتـيـمـم فـيـما أُمر به بـالغسل.

حدثنـي يعقوب، قال: ثنا ابن علـية، عن داود، عن الشعبـي، أنه قال: إنـما هو الـمسح علـى الرجلـين، ألا ترى أنه ما كان علـيه الغسل جعل علـيه الـمسح، وما كان علـيه الـمسح أهمل؟

حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا داود، عن عامر أنه قال: أمر أن يـمسح فـي التـيـمـم ما أمر أن يغسل فـي الوضوء، وأبطل ما أمر أن يـمسح فـي الوضوء الرأس والرجلان.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنا ابن أبـي عديّ، عن داود، عن الشعبـيّ، قال: أمر أن يـمسح بـالصعيد فـي التـيـمـم ما أمر أن يغسل بـالـماء، وأهمل ما أمر أن يـمسح بـالـماء.

حدثنا ابن أبـي زياد، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا إسماعيـل، قال: قلت لعامر: إن ناساً: يقولون: إن جبريـل صلى الله عليه وسلم نزل بغسل الرجلـين، فقال: نزل جبريـل بـالـمسح.

حدثنا أبو بشر الواسطي إسحاق بن شاهين، قال: ثنا خالد بن عبد الله، عن يونس، قال: ثنـي من صحب عكرمة إلـى واسط، قال: فما رأيته غسل رجلـيه، إنـما يـمسح علـيهما حتـى خرج منها.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: «يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذَا قُمْتُـمْ إلـى الصَّلاةِ فـاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وأيْدِيَكُمْ إلـى الـمَرَافِقِ وامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وأرْجُلَكُمْ إلـى الكَعْبَـيْنِ» افترض الله غسلتـين ومسحتـين.

حدثنا ابن حميد وابن وكيع، قالا: ثنا جرير، عن الأعمش، عن يحيى بن وثاب، عن علقمة أنه قرأ: «وأرْجُلِكُمْ» مخفوضة اللام.

حدثنا ابن حميد وابن وكيع، قالا: ثنا جرير، عن الأعمش، مثله.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو الـحسن العكلـي، عن عبد الوارث، عن حميد، عن مـجاهد أنه كان يقرأ: «وأرْجُلِكُمْ».

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا جابر بن نوح، قال: ثنا إسماعيـل بن أبـي خالد، قال: كان الشعبـيّ يقرأ: «وأرْجُلِكُمْ» بـالـخفض.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن الـحسن بن صالـح، عن غالب، عن أبـي جعفر، أنه قرأ: «وأرْجُلِكُمْ» بـالـخفض.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن سلـمة، عن الضحاك، أنه قرأ: «وأرْجُلِكُمْ» بـالكسر.

والصواب من القول عندنا فـي ذلك، أن الله أمر بعموم مسح الرجلـين بـالـماء فـي الوضوء، كما أمر بعموم مسح الوجه بـالتراب فـي التـيـمـم، وإذا فعل ذلك بهما الـمتوضيء كان مستـحقاً اسم ماسح غاسل، لأن غسلهما إمرار الـماء علـيهما أو إصابتهما بـالـماء. ومسحهما: إمرار الـيد أو ما قام مقام الـيد علـيهما. فإذا فعل ذلك بهما فـاعل فهو غاسل ماسح، ولذلك من احتـمال الـمسح الـمعنـيـين اللذين وصفت من العموم والـخصوص اللذين أحدهما مسح ببعض والآخر مسح بـالـجميع اختلفت قراءة القرّاء فـي قوله: { وأرْجُلَكُمْ } فنصبها بعضهم توجيهاً منه ذلك إلـى أن الفرض فـيهما الغسل وإنكاراً منه الـمسح علـيهما مع تظاهر الأخبـار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعموم مسحهما بـالـماء، وخفضها بعضهم توجيهاً منه ذلك إلـى أن الفرض فـيهما الـمسح. ولـما قلنا فـي تأويـل ذلك إنه معنـيّ به عموم مسح الرجلـين بـالـماء كره من كره للـمتوضىء الاجتزاء بإدخال رجلـيه فـي الـماء دون مسحهما بـيده، أو بـما قام مقام الـيد توجيهاً منه قوله: «وَامْسَحُوا برُءُوسِكُمْ وأرْجُلِكُمْ إلـى الكَعْبَـيْنِ» إلـى مسح جميعهما عاماً بـالـيد، أو بـما قام مقام الـيد دون بعضهما مع غسلهما بـالـماء. كما:

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفـيان، قال: ثنا نافع، عن ابن عمر. وعن الأحول، عن طاووس: أنه سئل عن الرجل يتوضأ ويدخـل رجلـيه فـي الـماء، قال: ما أعدّ ذلك طائلاً.

وأجاز ذلك من أجاز توجيهه منه إلـى أنه معنـيّ به الغسل. كما:

حدثنـي أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت هشاماً يذكر عن الـحسن فـي الرجل يتوضأ فـي السفـينة، قال: لا بأس أن يغمس رجلـيه غمساً.

حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: ثنا هشيـم، قال: أخبرنـي أبو حمزة، عن الـحسن فـي الرجل إذا توضأ علـى حرف السفـينة، قال: يخضخض قدميه فـي الـماء.

فإذا كان فـي الـمسح الـمعنـيان اللذان وصفنا من عموم الرجلـين بـالـماء، وخصوص بعضهما به، وكان صحيحاً بـالأدلة الدالة التـي سنذكرها بعد أن مراد الله من مسحهما العموم، وكان لعمومهما بذلك معنى الغسل والـمسح فبـين صواب القراءتـين جميعاً، أعنـي النصب فـي الأرجل والـخفض، لأن فـي عموم الرجلـين بـمسحهما بـالـماء غسلهما، وفـي إمرار الـيد وما قام مقام الـيد علـيهما مسحهما، فوجه صواب قراءة من قرأ ذلك نصبـاً لـما فـي ذلك من معنى عمومهما بإمرار الـماء علـيهما. ووجه صواب قراءة من قرأه خفضاً لـما فـي ذلك من إمرار الـيد علـيهما، أو ما قام مقام الـيد مسحاً بهما. غير أن ذلك وإن كان كذلك وكانت القراءتان كلتاهما حسناً صوابـاً، فأعجب القراءتـين إلـيّ أن أقرأها قراءة من قرأ ذلك خفضاً لـما وصفت من جمع الـمسح الـمعنـيـين اللذين وصفت، ولأنه بعد قوله: { وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ } فـالعطف به علـى الرؤوس مع قربه منه أولـى من العطف به علـى الأيدي، وقد حيـل بـينه وبـينها بقوله: { وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ }.

فإن قال قائل: وما الدلـيـل علـى أن الـمراد بـالـمسح فـي الرجلـين العموم دون أن يكون خصوصاً نظير قولك فـي الـمسح بـالرأس؟ قـيـل: الدلـيـل علـى ذلك تظاهر الأخبـار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "وَيْـلٌ للأَعْقابِ وَبُطُونِ الأقْدَامِ منَ النارِ" ، ولو كان مسح بعض القدم مـجزياً عن عمومها بذلك لـما كان لها الويـل بترك ما ترك مسحه منها بـالـماء بعد أن يـمسح بعضها، لأن من أدّى فرض الله علـيه فـيـما لزمه غسله منها لـم يستـحقّ الويـل، بل يجب أن يكون له الثواب الـجزيـل، فوجوب الويـل لعقب تارك غسل عقبه فـي وضوئه، أوضح الدلـيـل علـى وجوب فرض العموم بـمسح جميع القدم بـالـماء، وصحة ما قلنا فـي ذلك وفساد ما خالفه. ذكر بعض الأخبـار الـمروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بـما ذكرنا:

حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا شعبة، عن مـحمد بن زياد، قال: كان أبو هريرة يـمرّ ونـحن نتوضأ من الـمَطْهَرة، فـيقول: أسبغوا الوضوء أسبغوا الوضوء قال أبو القاسم: "وَيْـلٌ للْعَرَاقِـيبِ مِنَ النَّارِ" .

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن شعبة، عن مـحمد بن زياد، عن أبـي هريرة، عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم، نـحوه، إلا أنه قال: "وَيْـلٌ للأَعْقابِ مِنَ النَّارِ" .

حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنا ابن أبـي عديّ، عن شعبة، عن مـحمد بن زياد، قال: كان أبو هريرة يـمرّ بأناس يتوضؤون مسرعين الطهور، فـيقول: اسبغوا الوضوء فإنـي سمعت أبـا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: "وَيْـلٌ للْعَقِبِ مِنَ النَّارِ" .

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو أسامة، عن شعبة، عن مـحمد بن زياد، عن أبـي هريرة، عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم، بنـحوه.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن حماد بن سلـمة، عن مـحمد بن زياد، عن أبـي هريرة، قال: قال النبـيّ صلى الله عليه وسلم، بنـحوه.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن حماد بن سلـمة، عن مـحمد بن زياد، عن أبـي هريرة، قال: قال النبـيّ صلى الله عليه وسلم: "وَيْـلٌ للأَعْقابِ مِنَ النَّارِ" .

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا خالد بن مخـلد، قال: ثنـي سلـيـمان بن بلال، قال: ثنـي سهيـل، عن أبـيه، عن أبـي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وَيْـلٌ للأَعْقابِ مِنَ النَّارِ يَوْمَ القِـيامَةِ" .

حدثنـي إسحاق بن شاهين وإسماعيـل بن موسى قالا: ثنا خالد بن عبد الله، عن سهيـل بن أبـي صالـح، عن أبـيه، عن أبـي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وَيْـلٌ للأَعْقابِ مِنَ النَّارِ" ، وقال إسماعيـل فـي حديثه: "وَيْـلٌ للْعَرَاقِـيبِ مِنَ النَّارِ" .

حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا حسين الـمعلـم، عن يحيى بن أبـي كثـير، عن سالـم الدوسي، قال: دخـلت مع عبد الرحمن بن أبـي بكر علـى عائشة، فدعا بوَضوء، فقالت عائشة: يا عبد الرحمن، أسبغ الوضوء، فإنـي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "وَيْـلٌ للأَعْقابِ مِنَ النَّارِ" .

حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنا عمر بن يونس الـحنفـي، قال: ثنا عكرمة بن عمار، قال: ثنا يحيى بن أبـي كثـير، قال: ثنـي أبو سلـمة بن عبد الرحمن، قال: ثنـي أبو سالـم مولـى الـمهدي، هكذا قال عمر بن يونس قال: خرجت أنا وعبد الرحمن بن أبـي بكر فـي جنازة سعد بن أبـي وقاص، قال: فمررت أنا وعبد الرحمن علـى حجرة عائشة أخت عبد الرحمن، فدعا عبد الرحمن بوضوء فسمعت عائشة تناديه: يا عبد الرحمن أسبغ الوضوء، فإنـي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "وَيْـلٌ للأَعْقابِ مِنَ النَّارِ" .

حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا علـيّ بن الـمبـارك، عن يحيى بن أبـي كثـير، عن سالـم مولـى دوس، قال: سمعت عائشة، تقول لأخيها عبد الرحمن: يا عبد الرحمن أسبغ الوضوء، فإنـي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "وَيْـلٌ للأَعْقابِ مِنَ النَّارِ" .

حدثنـي يعقوب وسوّار بن عبد الله، قالا: ثنا يحيى القطان، عن ابن عجلان، عن سعيد بن أبـي سعيد عن أبـي سلـمة، أن عائشة رأت عبد الرحمن يتوضأ، فقالت: أسبغ الوضوء، فإنـي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "وَيْـلٌ للأَعْقابِ مِنَ النَّارِ" .

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن عيـينة ويحيى بن سعيد القطان، عن ابن عجلان، عن سعيد بن أبـي سعيد، عن أبـي سلـمة، قال: رأت عائشة عبد الرحمن يتوضأ، فقالت: أسبغ الوضوء، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "وَيْـلٌ للْعَرَاقِـيبِ مِنَ النَّارِ" .

حدثنـي مـحمد بن عبد الله بن عبد الـحكم، قال: أخبرنا أبو رواحة وعبد الله بن راشد، قالا: أخبرنا حيوة بن شريح، قال: أخبرنا أبو الأسود، أخبرنا عبد الله مولـى شدّاد بن الهاد، حدّثه أنه دخـل علـى عائشة زوج النبـيّ صلى الله عليه وسلم وعندها عبد الرحمن، فتوضأ عبد الرحمن، ثم قام فأدبر، فنادته عائشة فقالت: يا عبد الرحمن فأقبل علـيها، فقالت له: إنـي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "وَيْـلٌ للأَعْقابِ مِنَ النَّارِ" .

حدثنـي مـحمد بن الـمثنى، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، قال: ثنـي أبو إسحاق، عن سعد أو سعيد بن أبـي كرب، قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وَيْـلٌ للْعَرَاقِـيبِ مِنَ النَّارِ" .

حدثنا خلاد بن أسلـم، قال: ثنا النضر، قال: أخبرنا شعبة، عن أبـي إسحاق، قال: سمعت ابن أبـي كرب، قال: سمعت جابر بن عبد الله، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "وَيْـلٌ للْعَقِبِ أو العَرَاقِـيبِ مِنَ النَّارِ" .

حدثنـي إسماعيـل بن مـحمود الـحجيري، قال: ثنا خالد بن الـحرث، قال: ثنا شعبة، عن أبـي إسحاق، قال: سمعت سعيداً يقول: سمعت جابراً يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "وَيْـلٌ للأَعْقابِ مِنَ النَّارِ" .

حدثنا ابن بشار وابن الـمثنى، قالا: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفـيان، عن أبـي إسحاق، عن سعيد بن أبـي كرب، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وَيْـلٌ للْعَرَاقِـيبِ مِنَ النَّارِ" .

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الصبـاح بن مـحارب، عن مـحمد بن أبـان، عن أبـي إسحاق، عن سعيد بن أبـي كرب، عن جابر بن عبد الله، قال: سمع أذنـي من النبـيّ صلى الله عليه وسلم: "وَيْـلٌ للْعَرَاقِـيبِ مِنَ النَّارِ" .

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الصبـاح بن مـحارب، عن مـحمد بن أبـان، عن أبـي إسحاق، عن سعيد بن أبـي كرب، عن جابر بن عبد الله، قال: سمع أذنـي من النبـيّ صلى الله عليه وسلم: "وَيْـلٌ للْعَرَاقِـيبِ مِنَ النَّارِ، أسْبِغُوا الوُضُوءَ" .

حدثنـي الـحسين بن علـيّ الصدائي، قال: ثنا الولـيد بن القاسم، عن الأعمش، عن أبـي سفـيان، عن جابر بن عبد الله، قال: أبصر النبـيّ صلى الله عليه وسلم رجلاً يتوضأ، وبقـي من عقبه شيء، فقال: "وَيْـلٌ للْعَرَاقِـيبِ مِنَ النَّارِ" .

حدثنـي علـيّ بن مسلـم، قال: ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: ثنا حفص، عن الأعمش، عن أبـي سفـيان، عن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأى قوما يتوضؤون لـم يصب أعقابهم الـماء، فقال: "وَيْـلٌ للْعَرَاقِـيبِ مِنَ النَّارِ" .

حدثنا أبو سفـيان الغنوي يزيد بن عمرو، قال: ثنا خـلف بن الولـيد، قال: ثنـي أيوب بن عتبة، عن يحيى بن أبـي كثـير، عن أبـي سلـمة، عن معيقـيب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وَيْـلٌ للْعَرَاقِـيبِ مِنَ النَّارِ" .

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفـيان، عن منصور، عن هلال بن يساف، عن أبـي يحيى، عن عبد الله بن عمرو، قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً يتوضئون، فرأى أعقابهم تلوح، فقال: "وَيْـلٌ للأَعْقابِ مِنَ النَّارِ، أسْبِغُوا الوُضُوءَ" .

حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنا مـحمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن منصور، عن هلال بن يساف، عن أبـي يحيى الأعرج، عن عبد الله بن عمرو، قال: أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً يتوضؤون لـم يتـموا الوضوء، فقال: "أسْبِغُوا الوُضُوءَ، وَيْـلٌ للْعَرَاقِـيبِ أو الأعْقابِ مِنَ النَّارِ" .

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مـحمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبـي بشر، عن رجل من أهل مكة، عن عبد الله بن عمرو، أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم رأى قوماً يتوضئون، فلـم يتـموا الوضوء، فقال: "وَيْـلٌ للأَعْقابِ مِنَ النَّارِ" .

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفـيان، عن منصور، عن هلال بن يساف، عن أبـي يحيى، عن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأى قوما يتوضؤون وأعقابهم تلوح، فقال: "وَيْـلٌ للأَعْقابِ مِنَ النَّارِ، أسْبِغُوا الوُضُوءَ" .

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عبـيد الله، عن إسرائيـل، عن منصور، عن هلال، عن أبـي يحيى مولـى عبد الله بن عمرو، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بـين مكة والـمدينة، فسبقنا ناس فتوضؤوا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأى أقدامهم بـيضاً من أثر الوضوء، فقال: "وَيْـلٌ للْعَرَاقِـيبِ مِنَ النَّارِ، أسْبِغُوا الوُضُوءَ" .

حدثنـي علـيّ بن عبد الأعلـى، قال: ثنا الـمـحاربـي، عن مطرِّح بن يزيد، عن عبـيد الله بن زَحر، عن علـيّ بن يزيد، عن القاسم، عن أبـي أمامة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وَيْـلٌ للأَعْقابِ مِنَ النَّارِ" قال: فما بقـي فـي الـمسجد شريف ولا وضيع إلا نظرت إلـيه يقلب عرقوبـيه ينظر إلـيهما.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا حسين، عن زائدة، عن لـيث، قال: ثنـي عبد الرحمن بن سابط، عن أبـي أمامة، أو أخي أبـي أمامة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبصر أقواماً يتوضؤون، وفـي عقب أحدهم أو كعب أحدهم مثل موضع الدرهم أو موضع الظفر، لـم يـمسه الـماء، فقال: "وَيْـلٌ للأَعْقابِ مِنَ النَّارِ" قال: فجعل الرجل إذا رأى فـي عقبه شيئاً لـم يصبه الـماء أعاد وضوءه.

فإن قال قائل: فما أنت قائل فـيـما:

حدّثكم به مـحمد بن الـمثنى، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، عن يعلـى بن عطاء، عن أبـيه، عن أوس بن أبـي أوس، قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح علـى نعلـيه، ثم قام فصلـى».

وما حدّثك به عبد الله بن الـحجاج بن الـمنهال، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنا جرير بن حازم، قال: سمعت الأعمش، عن أبـي وائل، عن حذيفة، قال: «أتـى رسول الله صلى الله عليه وسلم سبـاطة قوم، فبـال علـيها قائماً، ثم دعا بـماء فتوضأ ومسح علـى نعلـيه».

وما حدّثك به الـحرث، قال: ثنا القاسم بن سلام، قال: ثنا هشيـم، قال: ثنا يعلـى بن عطاء، عن أبـيه، عن أوس بن أبـي أوس قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أتـى سبـاطة قوم، فتوضأ ومسح علـى قدميه».

وما أشبه ذلك من الأخبـار الدالة علـى أن الـمسح ببعض الرجلـين فـي الوضوء مـجزىء؟ قـيـل له: أما حديث أوس بن أبـي أوس فإنه لا دلالة فـيه علـى صحة ذلك، إذ لـم يكن فـي الـخبر الذي رُوِى عنه ذكر أنه رأى النبـيّ صلى الله عليه وسلم توضأ بعد حدث يوجب علـيه الوضوء لصلاته، فمسح علـى نعلـيه، أو علـى قدميه، وجائز أن يكون مسحه علـى قدميه الذي ذكره أوس كان فـي وضوء توضأه من غير حدث كان منه، وجب علـيه من أجله تـجديد وضوئه، لأن الرواية عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا توضأ لغير حدث، كذلك يفعل. يدلّ علـى ذلك ما:

حدثنـي مـحمد بن عبـيد الـمـحاربـي، قال: ثنا أبو مالك الـجنبـي، عن مسلـم، عن حبة العرنـي، قال: رأيت علـيّ بن أبـي طالب رضي الله عنه شرب فـي الرحبة قائماً، ثم توضأ ومسح علـى نعلـيه، وقال: هذا وضوء من لـم يحدث، هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع.

فقد أنبأ هذا الـخبر عن صحة ما قلنا فـي معنى حديث أوس.

فإن قال: فإن حديث أوس، وإن كان مـحتـملاً من الـمعنى ما قلت، فإنه مـحتـمل أيضاً ما قاله من قال: إنه معنـيّ به الـمسح علـى النعلـين أو القدمين فـي وضوء توضأه رسول الله صلى الله عليه وسلم من حدث؟ قـيـل: أحسن حالات الـخبر، ما احتـمل ما قلت، إن سلـم له ما ادّعى من احتـماله ما ذكر من الـمسح علـى القدم أو النعل بعد الـحدث وإن كان ذلك غير مـحتـمله عندنا، إذ كان غير جائز أن تكون فرائض الله وسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم متنافـية متعارضة، وقد صحّ عنه صلى الله عليه وسلم الأمر بعموم غسل القدمين فـي الوضوء بـالـماء بـالنقل الـمستفـيض القاطع عذر من انتهى إلـيه وبلغه. وإذا كان ذلك عنه صحيحاً، فغير جائز أن يكون صحيحاً عنه إبـاحة ترك غسل بعض ما قد أوجب فرضاً غسله فـي حال واحدة ووقت واحد، لأن ذلك إيجاب فرض وإبطاله فـي حال واحدة، وذلك عن أحكام الله وأحكام رسوله صلى الله عليه وسلم منتف. غير أنا إذا سلـمنا لـمن ادّعى فـي حديث أوس ما ادّعى من احتـماله مسح النبـيّ صلى الله عليه وسلم علـى قدمه فـي حال وضوء من حدث، ففـيه نبأ بـالفلْـج علـيه، فإنه لا حجة له فـي ذلك. قلنا: فإذا كان مـحتـملاً ما ادّعيت، أفمـحتـمل هو ما قلناه إن ذلك كان من النبـيّ صلى الله عليه وسلم فـي حال وضوئه لا من حدث. فإن قال: لا، ثبتت مكابرته لأنه لا بـيان فـي خبر أوس أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم فعل ذلك فـي وضوء من حدث، وإن قال: بل هو مـحتـمل ما قلت ومـحتـمل ما قلنا قـيـل له: فما البرهان علـى أن تأويـلك الذي ادّعيت فـيه أولـى به من تأويـلنا؟ فلن يدّعي برهاناً علـى صحة دعواه فـي ذلك إلا عورض بـمثله فـي خلاف دعواه. وأما حديث حذيفة، فإن الثقات الـحفـاظ من أصحاب الأعمش، حدّثوا به عن الأعمش، عن أبـي وائل، عن حذيفة، أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم أتـى سبـاطة قوم، فبـال قائماً، ثم توضأ ومسح علـى خفـيه.

حدثنا بذلك أحمد بن عبدة الضبـيّ، قال: ثنا أبو عوانة، عن الأعمش، عن أبـي وائل، عن حذيفة (ح). وحدثنـي الـمثنى، قال: ثنا ابن أبـي عديّ، عن شعبة، عن سلـيـمان، عن أبـي وائل، عن حذيفة (ح). وحدثنا أبو كريب وأبو السائب، قالا: ثنا ابن إدريس، عن الأعمش، عن أبـي وائل، عن حذيفة (ح). وحدثنـي أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن شقـيق، عن حذيفة (ح). وحدثنـي عيسى بن عثمان بن عيسى الرملـي، قال: ثنا عمرو بن يحيى بن سعيد، عن الأعمش، عن شقـيق، عن حذيفة (ح). وحدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن الأعمش، عن أبـي وائل، عن حذيفة.

وكلّ هؤلاء يحدّث ذلك عن الأعمش، بـالإسناد الذي ذكرنا عن حذيفة أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم مسح علـى خفـيه، وهم أصحاب الأعمش. ولـم يَنقل هذا الـحديث عن الأعمش، غير جرير بن حازم، ولو لـم يخالفه فـي ذلك مخالف لوجب التثبت فـيه لشذوذه، فكيف والثقات من أصحاب الأعمش يخالفونه فـي روايته ما روى من ذلك؟ ولو صحّ ذلك عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم كان جائزاً أن يكون مسح علـى نعلـيه وهما ملبوستان فوق الـجوربـين، وإذا جاز ذلك لـم يكن لأحد صرف الـخبر إلـى أحد الـمعانـي الـمـحتـملها الـخبر إلا بحجة يجب التسلـيـم لها.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { إلـى الكَعْبَـيْنِ }.

واختلف أهل التأويـل فـي الكعب، فقال بعضهم بـما:

حدثنـي أحمد بن حازم الغفـاريّ، قال: ثنا أبو نعيـم، قال: ثنا القاسم بن الفضل الـحُدّانـي، قال: قال أبو جعفر: أين الكعبـان؟ فقال: القوم ههنا، فقال: هذا رأس الساق، ولكن الكعبـين هما عند الـمفصل.

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا أشهب، قال: قال مالك: الكعب الذي يجب الوضوء إلـيه، هو الكعب الـملتصق بـالساق الـمـحاذي العقب، ولـيس بـالظاهر فـي ظاهر القدم.

وقال آخرون بـما:

حدثنا الربـيع، قال: قال الشافعي: لـم أعلـم مخالفـاً فـي أن الكعبـين اللذين ذكرهما الله فـي كتابه فـي الوضوء هما الناتئان وهما مـجمع فصل الساق والقدم.

والصواب من القول فـي ذلك أن الكعبـين هما العظمان اللذان فـي مفصل الساق والقدم تسميهما العرب الـمِنْـجَمين. وكان بعض أهل العلـم بكلام العرب يقول: هما عظما الساق فـي طرفها.

واختلف أهل العلـم فـي وجوب غسلهما فـي الوضوء وفـي الـحدّ الذي ينبغي أن يبلغ بـالغسل إلـيه من الرجلـين نـحو اختلافهم فـي وجوب غسل الـمرفقـين، وفـي الـحدّ الذي ينبغي أن يبلغ بـالغسل إلـيه من الـيدين. وقد ذكرنا ذلك ودللنا علـى الصحيح من القول فـيه بعلله فـيـما مضى قبل بـما أغنى عن إعادته.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وإنْ كُنْتُـمْ جُنُبـا فـاطَّهَرُوا }.

يعنـي بقوله جلّ ثناؤه: { وإنْ كُنْتُـمْ جُنُبـاً }: وإن كنتـم أصابتكم جنابة قبل أن تقوموا إلـى صلاتكم فقمتـم إلـيها فـاطهروا، يقول: فتطهروا بـالاغتسال منها قبل دخولكم فـي صلاتكم التـي قمتـم إلـيها. ووحد الـجنب وهو خبر عن الـجميع، لأنه اسم خرج مخرج الفعل، كما قـيـل: رجل عَدْل وقوم عَدْل، ورجل زَوْر وقوم زَوْر، وما أشبه ذلك لفظ الواحد والـجميع والاثنـين والذكر الأنثى فـيه واحد، يقال منه: أجْنَب الرجل وجَنُبَ واجْتَنَبَ والفعل الـجنابة والإجناب، وقد سمع فـي جمعه أجناب، ولـيس ذلك بـالـمستفـيض الفـاشي فـي كلام العرب، بل الفصيح من كلامهم ما جاء به القرآن.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَإنْ كُنْتُـمْ مَرْضَى أوْ علـى سَفَرٍ أوْ جاءَ أحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الغائِطِ أوْ لامَسْتُـمُ النِّساءَ }.

يعنـي بقوله جلّ ثناؤه: وإن كنتـم جرحى أو مـجدرين وأنتـم جنب، وقد بـينا أن ذلك كذلك فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته. وأما قوله: { أوْ علـى سَفَرٍ } فإنه يقول: وإن كنتـم مسافرين وأنتـم جنب { أوْ جاءَ أحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الغائِطِ } يقول: أو جاء أحدكم من الغائط بعد قضاء حاجته فـيه وهو مسافر وإنـما عنى بذكر مـجيئه منه قضاء حاجته فـيه. { أوْ لامَسْتُـمُ النِّساءَ } يقول: أو جامعتـم النساء وأنتـم مسافرون. وقد ذكرنا اختلاف الـمختلفـين فـيـما مضى قبل فـي اللـمس وبـينا أولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته.

فإن قال قائل: وما وجه تكرير قوله: { أوْ لامَسْتُـمُ النِّساءَ } إن كان معنى اللـمس الـجماع، وقد مضى ذكر الواجب علـيه بقوله: { وإنْ كُنْتُـمْ جُنُبـاً فـاطَّهَرُوا }؟ قـيـل: وجه تكرير ذلك أن الـمعنى الذي ذكره تعالـى من فرضه بقوله: { وإنْ كُنْتُـمْ جُنُبـاً فـاطَّهَرُوا } غير الـمعنى الذي ألزمه بقوله: { أوْ لامَسْتُـمُ النِّساءَ } وذلك أنه بـين حكمه فـي قوله: { وإنْ كُنْتُـمْ جُنُبـا فـاطَّهَرُوا } إذا كان له السبـيـل إلـى الـماء الذي يطهره فرض علـيه الاغتسال به ثم بـين حكمه إذا أعوزه الـماء فلـم يجد إلـيه السبـيـل وهو مسافر غير مريض مقـيـم، فأعلـمه أن التـيـمـم بـالصعيد له حينئذ الطهور.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فَلَـمْ تَـجِدُوا ماءً فَتَـيَـمَّـمُوا صَعِيداً طَيِّبـاً فـامْسَحُوا بُوجُوهِكُمْ وأيْدِيكُمْ مِنْهُ }.

يعنـي جلّ ثناؤه بقوله: { فَلَـمْ تَـجِدُوا ماءً فَتَـيَـمَّـمُوا صَعِيداً طَيِّبـاً } فإن لـم تـجدوا أيها الـمؤمنون إذا قمتـم إلـى الصلاة وأنتـم مرضى مقـيـمون، أو علـى سفر أصحاء، أو قد جاء أحد منكم من قضاء حاجته، أو جامع أهله فـي سفره ماء فتـيـمـموا صعيداً طيبـاً، يقول: فتعمدوا واقصدوا وجه الأرض طيبـاً، يعنـي طاهراً نظيفـاً غير قذر ولا نـجس، جائزاً لكم حلالاً. { فـامْسَحُوا بُوجُوهِكُمْ وأيْدِيكُمْ مِنْهُ } يقول: فـاضربوا بأيديكم الصعيد الذي تـيـمـمتـموه وتعمدتـموه بأيديكم، فـامسحوا بوجوهكم وأيديكم مـما علق بأيديكم منه، يعنـي: من الصعيد الذي ضربتـموه بأيديكم من ترابه وغبـاره. وقد بـينا فـيـما مضى كيفـية الـمسح بـالوجوه والأيدي منه واختلاف الـمختلفـين فـي ذلك والقول فـي معنى الصعيد والتـيـمـم، ودللنا علـى الصحيح من القول فـي كل ذلك بـما أغنى عن تكريره فـي هذا الـموضع.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { ما يُرِيدُ اللَّهُ لِـيَجْعَلَ عَلَـيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ }.

يعنـي جلّ ثناؤه بقوله: { ما يُرِيدُ اللَّهُ لِـيَجْعَلَ عَلَـيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ } ما يريد الله بـما فرض علـيكم من الوضوء إذا قمتـم إلـى صلاتكم، والغسل من جنابتكم والتـيـمـم صعيداً طيبـاً عند عدمكم الـماء، { لِـيَجْعَلَ عَلَـيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ } لـيـلزمكم فـي دينكم من ضيق، ولا لـيعنتكم فـيه. وبـما قلنا فـي معنى الـحرج، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن خالد بن دينار، عن أبـي العالـية، وعن أبـي مكين، عن عكرمة فـي قوله: { مِنْ حَرَجٍ } قالا: من ضيق.

حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: { مِنْ حَرَجٍ }: من ضيق.

حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَلَكِنْ يُرِيدُ لِـيُطَهِّرَكُمْ ولِـيُتِـمَّ نِعْمَتَهُ عَلَـيْكُمْ لَعلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }.

يعنـي جلّ ثناؤه بقوله: { وَلَكنْ يُرِيدُ لـيُطَهِّرَكُمْ }: ولكن الله يريد أن يطهركم بـما فرض علـيكم من الوضوء من الأحداث والغسل من الـجنابة، والتـيـمـم عند عدم الـماء، فتنظِّفوا وتطهروا بذلك أجسامكم من الذنوب. كما:

حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد، قال: ثنا قتادة عن شهر بن حوشب، عن أبـي أمامة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ الوُضُوءَ يُكَفِّرُ ما قَبْلَهُ، ثم تَصِيرُ الصَّلاة نَافِلة" . قال: قلت: أنت سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، لا مرّة، ولا مرّتـين، ولا ثلاثَ، ولا أربَع، ولا خمس.

حدثنا مـحمد بن بشار، قال: ثنا معاذ بن هشام، قال: ثنـي أبـي، عن قتادة، عن شهر بن حوشب، عن أبـي أمامة صديّ بن عجلان، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، نـحوه.

حدثنا أبو كريب، ومـحمد بن الـمثنى ويحيى بن داود الواسطي، قالوا: ثنا إبراهيـم بن يزيد يَزرانبِه القرشيّ، قال: أخبرنا رقبة بن مصقلة العبديّ، عن شمر بن عطية، عن شهر بن حوشب، عن أبـي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَوَضَّأ فَأحْسَنَ الوُضُوءَ ثُمَّ قامَ إلـى الصَّلاةِ، خَرَجَتْ ذُنُوبُهُ مِنْ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَـيْهِ" .

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا معاوية بن هشام، عن سفـيان، عن منصور عن سالـم بن أبـي الـجعد، عن كعب بن مرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما مِنْ رَجُلٍ يَتَوَضَّأُ فَـيَغْسِلُ وَجْهَهُ إلاَّ خَرَجَتْ خَطاياهُ مِنْ وَجْهِهِ، وَإذَا غَسَلَ يَدَيْهِ أوْ ذِرَاعَيْهِ خَرَجَتْ خَطاياهُ مِنْ ذِرَاعَيْهِ، فإذَا مَسَحَ رأسَهُ خَرَجَتْ خَطاياهُ مِنْ رأسِهِ، وَإذَا غَسَلَ رِجْلَـيْهِ خَرَجَتْ خَطاياهُ مِنْ رِجْلَـيْهِ" .

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عثمان بن سعيد، قال: ثنا حاتـم، عن مـحمد بن عجلان، عن أبـي عبـيد مولـى سلـيـمان بن عبد الـملك، عن عمرو بن عبسة، أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذَا غَسَلَ الـمُؤْمِنُ كَفَّـيْهِ انْتَثَرَتِ الـخَطايا مِنْ كَفَّـيْهِ، وإذَا تَـمَضْمَضَ واسْتَنْشَقَ خَرَجَتْ خَطاياهُ مِنْ فِـيهِ وَمِنْـخَرَيْهِ، وَإذَا غَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَتْ مِنْ وَجْهِهِ حتـى تَـخْرُجَ مِنْ أشْفـارِ عَيْنَـيْهِ، فإذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَتْ مِنْ يَدَيْهِ، فإذَا مَسَحَ رأسَهُ وأُذُنَـيْهِ خَرَجَتْ مِنْ رأسِهِ وأذنَـيْهِ، فإذَا غَسَلَ رِجْلَـيْهِ خَرَجَتْ حتـى تَـخْرُجَ مِنْ أظْفـارِ قَدَمَيْهِ، فإذَا انْتَهَى إلـى ذَلِكَ مِنْ وُضُوئِهِ كانَ ذَلِكَ حَظَّهُ مِنْهُ، فإنْ قامَ فَصَلَّـى رَكْعَتَـيْنِ مُقْبِلاً فِـيهِما بِوَجْهِهِ وَقَلْبِهِ علـى رَبِّهِ كانَ مِنْ خَطاياهُ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ" .

حدثنا أبو الولـيد الدمشقـي، قال: ثنا الولـيد بن مسلـم، قال: أخبرنـي مالك بن أنس، عن سهيـل بن أبـي صالـح، عن أبـيه، عن أبـي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "إذا توضأ العَبْدُ الـمُسْلِـمُ أوِ الـمُؤْمِنُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَتْ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إلَـيْها بعَيْنَـيْهِ مَعَ الـمَاءِ، أوْ مَعَ آخِرِ قَطْرَةٍ مِنَ الـمَاءِ، أوْ نَـحْوِ هَذَا. وَإذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَتْ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ بطشت بِها يَدَاهُ مَعَ الـمَاءِ، أوْ مَعَ آخِرِ قَطْرَةٍ مِنَ الـمَاءِ، حتـى يَخْرُجَ نَقِـيًّا مِنَ الذُّنُوبِ" .

حدثنا عمران بن بكار الكلاعي، قال: ثنا علـيّ بن عياش، قال: ثنا أبو غسان، قال: ثنا زيد بن أسلـم، عن حُمران مولـى عثمان، قال: أتـيت عثمان بن عفـان بوَضوء وهو قاعد، فتوضأ ثلاثاً ثلاثاً، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ كوضوئي هذا، ثم قال: "مَنْ تَوَّضَّأ وُضُوئي هَذَا كانَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ، وكانَتْ خُطاهُ إلـى الـمَساجِدِ نافِلَةً" .

وقوله: { وَلِـيُتِـمَّ نِعْمَتَهُ عَلَـيْكُمْ } فإنه يقول: ويريد ربكم مع تطهيركم من ذنوبكم بطاعتكم إياه فـيـما فرض علـيكم من الوضوء والغسل إذا قمتـم إلـى الصلاة بـالـماء إن وجدتـموه، وتـيـمـمكم إذا لـم تـجدوه، أن يتـمّ نعمته علـيكم بإبـاحته لكم التـيـمـم، وتصيـيره لكم الصعيد الطيب طهوراً، رخصة منه لكم فـي ذلك مع سائر نعمه التـي أنعم بها علـيكم أيها الـمؤمنون { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } يقول: تشكرون الله علـى نعمه التـي أنعمها علـيكم بطاعتكم إياه فـيـما أمركم ونهاكم.