التفاسير

< >
عرض

وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ
٥٣
إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ
٥٤
فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ
٥٥
-القمر

جامع البيان في تفسير القرآن

يقول تعالى ذكره: { وكُلُّ صَغِيرٍ وكَبِيرٍ } من الأشياء { مُسْتَطِرٌ } يقول: مُثبَت في الكتاب مكتوب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: { وكُلُّ صَغِيرٍ وكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ } يقول: مكتوب، فإذا أراد الله أن ينزل كتاباً نَسَخَتْه السَّفَرة. قوله: { وكُلُّ صَغِيرٍ وكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ } قال: مكتوب.

حدثنا بشر، قال: ثنا عبيد الله بن معاذ، عن أبيه، عن عمران بن حُدَير، عن عكرِمة، قال: مكتوب في كلّ سطر.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة { مُسْتَطَرٌ } قال: محفوظ مكتوب.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { وَكُلُّ صَغِيرٍ وكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ } أي محفوظ.

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول: { مُسْتَطَرٌ } قال: مكتوب.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { وكُلُّ صَغِيرٍ وكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ } قال: مكتوب، وقرأ { وَما مِن دَابَّةٍ فِي الأرْضِ إلاَّ على اللّهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها ومُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ } ، وقرأ { { وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إلاَّ أُمَمٌ أمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الكِتابِ مِنْ شَيْءٍ } إنما هو مفتعل من سطرت: إذا كتبت سطراً.

وقوله: { إنَّ المُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ ونَهَرٍ } يقول تعالى ذكره: إن الذين اتقوا عقاب الله بطاعته وأداء فرائضه، واجتناب معاصيه في بساتين يوم القيامة، وأنهار، ووحد النهر في اللفظ، ومعناه الجمع، كما وحد الدّبر، ومعناه الإدبار في قوله: { يُوَلُّونَ الدُّبُرَ } وقد قيل: إن معنى ذلك: إن المتقين في سعة يوم القيامة وضياء، فوجَّهوا معنى قوله: { ونَهَر } إلى معنى النهار. وزعم الفرّاء أنه سمع بعض العرب ينشد:

إنْ تَكُ لَيْلِيًّا فإنّي نَهِرْمَتى أتى الصُّبْحُ فَلا أنْتَظِر

وقوله: «نهر» على هذا التأويل مصدر من قولهم: نهرت أنهر نهراً. وعنى بقوله: «فإني نهر»: أي إني لصاحب نهار: أي لست بصاحب ليلة.

وقوله: { فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ } يقول: في مجلس حقّ لا لغو فيه ولا تأثيم { عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ } يقول: عند ذي مُلك مقتدر على ما يشاء، وهو الله ذو القوّة المتين، تبارك وتعالى.