التفاسير

< >
عرض

أَفَرَأَيْتُمُ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي تُورُونَ
٧١
أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَآ أَمْ نَحْنُ ٱلْمُنشِئُونَ
٧٢
نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ
٧٣
-الواقعة

جامع البيان في تفسير القرآن

يقول تعالى ذكره: أفرأيتم أيها الناس النار التي تستخرجون من زَنْدكم { أأنْتُمْ أنْشأْتُم شَجَرَتَهَا } يقول: أأنتم أحدثتم شجرتها واخترعتم أصلها { أمْ نَحْنُ المُنْشِئُونَ }؟ يقول: أم نحن اخترعنا ذلك وأحدثناه؟.

وقوله: { نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً } يقول: نحن جعلنا النار تذكرة لكم تذكرون بها نار جهنم، فتعتبرون وتتعظون بها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: { تَذْكِرَةً } قال: تذكرة النار الكبرى.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { أفَرأيْتُمُ النَّارَ التي تُورُونَ أأَنْتُمْ أنْشأْتُمْ شَجَرَتها أمْ نَحْنُ المُنْشِئُونَ نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً } للنار الكبرى.

ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم قال: "نارُكُمْ هَذِهِ التي تُوقِدُونَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزءاً مِنْ نارِ جَهَنَّمِ،" قالوا: يا نبيّ الله إن كانت لكافية، قال: "قَدْ ضُرِبَتْ بالمَاءِ ضَرْبَتَيْن أوْ مَرَّتَينِ، ليَسْتَنْفِعَ بِها بَنُوا آدَمَ وَيَدْنُو مِنْها" .

حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد { تَذْكِرَةً } قال: للنار الكبرى التي في الآخرة.

وقوله: { وَمَتاعاً للْمُقْوِينَ } اختلف أهل التأويل في معنى المقوين، فقال بعضهم: هم المسافرون. ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: { للّمُقْوِينَ } قال: للمسافرين.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: { وَمَتاعاً للْمُقْوِينَ } قال: يعني المسافرين.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { وَمَتاعاً للْمُقْوِينَ } قال للمُرْمل: المسافر.

حدثني ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: { للْمُقْوِينَ } قال: للمسافرين.

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: { وَمَتاعاً للْمُقْوِينَ } قال: للمسافرين.

وقال آخرون: عُنِي بالْمُقْوِين: المستمتعون بها. ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، قوله: { وَمَتاعاً للْمُقْوِينَ } للمستمتعين الناس أجمعين.

حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد { وَمَتاعاً للْمُقْوِينَ } للمستمتعين المسافر والحاضر.

حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب الشهيد، قال: ثنا عتاب بن بشر، عن خصيف في قوله: { وَمَتاعاً للْمُقْوِينَ } قال: للخلق.

وقال آخرون: بل عُنِي بذلك: الجائعون. ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ابن زيد، في قوله: { وَمَتاعاً للْمُقْوِينَ } قال: المقوي: الجائع. في كلام العرب، يقول: أقويت منه كذا وكذا: ما أكلت منه كذا وكذا شيئاً.

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي قول من قال: عُنِي بذلك للمسافر الذي لازاد معه، ولا شيء له، وأصله من قولهم: أقوت الدار: إذا خلت من أهلها وسكانها كما قال الشاعر:

أقْوَى وأقْفَرَ مِنْ نُعْمٍ وغَيَّرَهاهُوجُ الرّياحِ بهابي التُّرْبِ مَوَّارِ

يعني بقوله: «أقوى»: خلا من سكانه، وقد يكون المقوي: ذا الفرس القويّ، وذا المال الكثير في غير هذا الموضع.