التفاسير

< >
عرض

وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ
٩٠
فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ
٩١
وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُكَذِّبِينَ ٱلضَّآلِّينَ
٩٢
فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ
٩٣
وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ
٩٤
-الواقعة

جامع البيان في تفسير القرآن

يقول تعالى ذكره: { وأمَّا إنْ كانَ } الميت { مِنْ أصحَابِ اليَمِينِ } الذين يُؤخذ بهم إلى الجنة من ذات أيمانهم { فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أصحَابِ اليَمِينِ }. ثم اختلف في معنى قوله: { فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أصحَابِ اليَمِينِ } فقال أهل التأويل فيه ما:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { وأمَّا إنْ كانَ مِنْ أصحَابِ اليَمِينِ } فسلام لك من أصحاب اليمين قال: سلام من عند الله، وسلَّمت عليه ملائكة الله.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: { وأمَّا إنْ كانَ مِنْ أصحَابِ اليَمِينِ فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أصحَاب اليَمِينِ } قال: سلم مما يكره.

وأما أهل العربية، فإنهم اختلفوا في ذلك، فقال بعض نحوِّيي البصرة { وأمَّا إنْ كانَ مِنْ أصحَابِ اليَمِينِ فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أصحَابِ اليَمِينِ }: أي فيقال سلم لك. وقال بعض نحويِّي الكوفة: قوله: { فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أصحَابِ اليَمِينِ }: أي فذلك مسلم لك أنك من أصحاب اليمين، وألقيت «أن» ونوى معناها، كما تقول: أنت مصدّق مسافر عن قليل، إذا كان قد قال: إني مسافر عن قليل، وكذلك يجب معناه أنك مسافر عن قليل، ومصدّق عن قليل. قال: وقوله: { فَسَلامٌ لَكَ } معناه: فسلم لك أنت من أصحاب اليَمين. قال: وقد يكون كالدعاء له، كقوله: فسُقياً لك من الرجال. قال: وإن رفعت السلام فهو دعاء، والله أعلم بصوابه.

وقال آخر منهم قوله: { فأمَّا إنْ كانَ مِنَ المُقَرَّبِينَ } فإنه جمع بين جوابين، ليعلم أن أمَّا جزاء. قال: وأما قوله: { فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أصحَاب اليَمِينِ } قال: وهذا أصل الكلمة مسلم لك هذا، ثم حذفت «أن» وأقيم «مِنْ» مَقامها. قال: وقد قيل: فسلام لك أنت من أصحاب اليَمِينِ، فهو على ذاك: أي سلام لك، يقال: أنت من أصحاب اليمين، وهذا كله على كلامين. قال: وقد قيل مسلم: أي كما تقول: فسلام لك من القوم، كما تقول: فسُقياً لك من القوم، فتكون كلمة واحدة.

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: معناه: فسلام لك إنك من أصحاب اليمين، ثم حُذفت واجتزىء بدلالة مِنْ عليها منها، فسلمت من عذاب الله، ومما تكره، لأنك من أصحاب اليمين.

وقوله: { وأمَّا إنْ كانَ مِنَ المُكَذّبِينَ الضَّآلِّينَ فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ } يقول تعالى: وأما إن كان الميت من المكذّبين بآيات الله، الجائرين عن سبيله، فله نُزل من حميم قد أغلي حتى انتهى حرّه، فهو شرابه. { وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ } يقول: وحريق النار يحرق بها والتصلية: التفعلة من صلاَّة الله النار فهو يصليه تصلية، وذلك إذاً أحرقه بها.