يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ألم تنظر يا محمد بعين قلبك فترى { أنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّمَوَاتِ وَما فِي الأرْضِ } من شيء، لا يخفى عليه صغير ذلك وكبيره يقول جلّ ثناؤه: فكيف يخفى على من كانت هذه صفته أعمال هؤلاء الكافرين وعصيانهم ربهم، ثم وصف جلّ ثناؤه قربه من عباده وسماعه نجواهم، وما يكتمونه الناس من أحاديثهم، فيتحدثونه سرّاً بينهم، فقال: { ما يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ } من خلقه { إلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ } يسمع سرّهم ونجواهم، لا يخفى عليه شيء من أسرارهم { وَلا خَمْسَةٍ إلاَّ هُوَ سادِسُهُمْ } يقول: ولا يكون من نجوى خمسة إلا هو سادسهم كذلك { وَلا أدْنَى مِنْ ذلكَ } يقول: ولا أقلّ من ثلاثة { وَلا أكْثَرَ } من خمسة { إلاَّ هُوَ مَعَهُمْ } إذا تناجوا { أيْنَما كانُوا } يقول: في أيّ موضع ومكان كانوا.
وعنى بقوله { هُو رَابِعُهُمْ } بمعنى أنه مشاهدهم بعلمه، وهو على عرشه، كما:
حدثني عبد الله بن أبي زياد، قال: ثني نصر بن ميمون المضروب، قال: ثنا بكير بن معروف، عن مقاتل بن حيان، عن الضحاك، في قول { ما يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ }... إلى قوله { هُوَ مَعَهُمْ } قال: هو فوق العرش وعلمه معهم { أيْنَما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ القِيامَة إنَّ اللَّهَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }.
وقوله: { ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ القِيامَةِ } يقول تعالى ذكره: ثم يخبر هؤلاء المتناجين وغيرهم بما عملوا من عمل مما يحبه و يسخطه يوم القيامة { إنَّ اللَّهَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } يقول: إن الله بنجواهم وأسرارهم، وسرائر أعمالهم، وغير ذلك من أمورهم وأمور عباده عليم.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: { ما يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ } فقرأت قرّاء الأمصار ذلك { ما يَكُونُ مِنْ نَجْوَى } بالياء، خلا أبي جعفر القارىء، فإنه قرأه: «ما تَكُونُ» بالتاء. والياء هي الصواب في ذلك، لإجماع الحجة عليها، ولصحتها في العربية.