التفاسير

< >
عرض

قَدْ جَآءَكُمْ بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ
١٠٤
-الأنعام

جامع البيان في تفسير القرآن

وهذا أمر من الله جلّ ثناؤه نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقول لهؤلاء الذين نبههم هذه الآيات من قوله: { { إنَّ اللّهَ فالِقُ الحَبّ والنَّوَى } }... إلى قوله: { { وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ } على حججه عليهم، وعلى تبيين خلقه معهم، العادلين به الأوثان والأنداد، والمكذّبين بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم وما جاءهم من عند الله. قل لهم يا محمد: قد جاءكم أيها العادلون بالله والمكذّبون رسوله { بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ } أي ما تبصرون به الهدى من الضلال والإيمان من الكفر. وهي جمع بصيرة، ومنه قول الشاعر:

حَمَلُوا بَصَائِرَهُمْ على أكْتافِهِمْوبَصِيرَتِي يَعْدُو بِها عَتَدٌ وَأَي

يعني بالبصيرة: الحجة البينة الظاهرة. كما:

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { قَدْ جاءَكُمْ بَصَائرُ مِنْ رَبكُمْ } قال: البصائر: الهدى بصائر في قلوبهم لدينهم، وليست ببصائر الرؤوس. وقرأ: فإنَّها { لا تَعْمَى الأبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى القُلُوبُ التي فِي الصُّدُورِ } قال: إنما الذي بصره وسمعه في هذا القلب.

حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: { قَدْ جاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ } أي بينة.

وقوله: { فَمَنْ أبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ } يقول: فمن تبين حجج الله وعرفها وأقرّ بها وآمن بما دلته عليه من توحيد الله وتصديق رسوله وما جاء به، فإنما أصاب حظّ نفسه ولنفسه عمل، وإياها بغى الخير. { وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها } يقول: ومن لم يستدلّ بها ولم يصدّق بما دلته عليه من الإيمان بالله ورسوله وتنزيله، ولكنه عمي عن دلالتها التي تدلّ عليها، يقول: فنفسَه ضرّ وإليها أساء لا إلى غيرها.

وأما قوله: { وَما أنا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } يقول: وما أنا عليكم برقيب أحصي عليكم أعمالكم وأفعالكم، وإنما أنا رسول أبلغكم ما أُرسلت به إليكم، والله الحفيظ عليكم الذي لا يخفى عليه شيء من أعمالكم.