يقول تعالى ذكره: وأنفقوا أيها المؤمنون بالله ورسوله من الأموال التي رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول إذا نزل به الموت: يا ربّ هلا أخرتني فتُمْهِلَ لي في الأجل إلى أجل قريب. فأصدّق يقول: فأزكي مالي { وأكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ } يقول: وأعمل بطاعتك، وأؤدّي فرائضك.
وقيل: عنى بقوله { وَأكُنْ مِنَ الصالِحِينَ } وأحجّ بيتك الحرام. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس وسعيد بن الربيع، قال سعيد، ثنا سفيان، وقال يونس: أخبرنا سفيان، عن أبي جناب عن الضحاك بن مزاحم، عن ابن عباس، قال: ما من أحد يموت ولم يؤدّ زكاة ماله ولم يحجّ إلا سأل الكرّة، فقالوا: يا أبا عباس لا تزال تأتينا بالشيء لا نعرفه قال: فأنا أقرأ عليكم في كتاب الله: { وأنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أنْ يأْتِيَ أحَدَكُمْ المَوْتُ فَيَقُولَ رَبّ لَوْلا أخَّرْتَنِي إلى أجَلٍ قَرِيبٍ فأصَّدَّقَ } قال: أؤدي زكاة مالي { وأكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ } قال: أحجّ.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي سنان، عن رجل، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: ما يمنع أحدكم إذا كان له مال يجب عليه فيه الزكاة أن يزكي، وإذا أطاق الحجّ أن يحجّ من قبل أن يأتيه الموت، فيسأل ربه الكرّة فلا يُعطاها، فقال رجل: أما تتقي الله، يسأل المؤمن الكرّة؟ قال: نعم، أقرأ عليكم قرآناً، فقرأ:
{ { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أمْوَالُكُمْ وَلا أوْلادُكُم عَن ذِكْرِ اللَّهِ } فقال الرجل: فما الذي يوجب عليّ الحجّ، قال: راحلة تحمله، ونفقة تبلغه. حدثنا عباد بن يعقوب الأسديّ وفضالة بن الفضل، قال عباد: أخبرنا يزيد أبو حازم مولى الضحاك.
وقال فضالة: ثنا بزيع عن الضحاك بن مزاحم في قوله: { لَوْلا أخَّرْتَنِي إلى أجَلٍ قَرِيبٍ فأصَّدَّقَ } قال: فأتصدّق بزكاة مالي { وأكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ } قال: الحجّ.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله:
{ { لا تُلْهِكُمْ أمْوَالُكُمْ وَلا أوْلاَدُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ } إلى آخر السورة: هو الرجل المؤمن نزل به الموت وله مال كثير لم يزكه، ولم يحجّ منه، ولم يعط منه حق الله يسأل الرجعة عند الموت فيزكي ماله، قال الله: { وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إذَا جاءَ أجَلُها }. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله
{ { لا تُلْهِكُمْ أمْوَالُكُمْ وَلا أوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ } ... إلى قوله { وأنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أنْ يَأْتي أحَدُكُمُ المَوْتُ } قال: هو الرجل المؤمن إذا نزل به الموت وله مال لم يزكه ولم يحجّ منه، ولم يعط حقّ الله فيه، فيسأل الرجعة عند الموت ليتصدّق من ماله ويزكي، قال الله { وَلَنْ يؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إذَا جاءَ أجَلُها }. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان { فَأصَّدَّقَ وأكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ } قال: الزكاة والحج.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: { وأكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ } فقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الأمصار غير ابن محيصن وأبي عمرو: وأكن، جزماً عطفاً بها على تأويل قوله { فأصَّدَّقَ } لو لم تكن فيه الفاء، وذلك أن قوله: فأصَّدَّقَ } لو لم تكن فيه الفاء كان جزماً. وقرأ ذلك ابن محيصن وأبو عمرو: «وأكُونَ» بإثبات الواو ونصب «وأكونَ» عطفاً به على قوله { فأصَّدَّق } فنصب قوله «وأكُونَ» إذ كان قوله { فأصَّدَّقَ } نصباً.
والصواب من القول في ذلك: أنهما قراءتان معروفتان، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب.
وقوله: { وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إذَا جاءَ أجَلُها } يقول: لن يؤخر الله في أجل أحد فيمدّ له فيه إذا حضر أجله، ولكنه يخترمه { وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } يقول: والله ذو خبرة وعلم بأعمال عبيده هو بجميعها محيط، لا يخفى عليه شيء، وهو مجازيهم بها، المحسنَ بإحسانه، والمسيىء بإساءته.