يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدّقوا الله { تُوبُوا إلى اللَّهِ } يقول: ارجعوا من ذنوبكم إلى طاعة الله، وإلى ما يرضيه عنكم { تَوْبَةً نَصُوحاً } يقول: رجوعاً لا تعودون فيها أبداً. وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله { نَصُوحاً } قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثنا هناد بن السَّريّ، قال: ثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن النعمان بن بشير، قال: سُئل عمر عن التوبة النصوح، قال: التوبة النصوح: أن يتوب الرجل من العمل السيء، ثم لا يعود إليه أبداً.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن سماك بن حرب، عن النعمان بن بشير، عن عمر، قال: التوبة النصوح: أن تتوب من الذنب ثم لا تعود فيه، أو لا تريد أن تعود.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن سماك بن حرب، قال: سمعت النعمان بن بشير يخطب، قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إلى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً } قال: يذنب الذنب ثم لا يرجع فيه.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سماك بن حرب، عن النعمان بن بشير، قال: سألت عمر عن قوله { تُوبُوا إلى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً } قال: هو العبد يتوب من الذنب ثم لا يعود فيه أبداً.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سماك بن حرب، عن النعمان بن بشير، قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: التوبة النصوح، أن يتوب من الذنب فلا يعود.
حدثنا به ابن حميد مرّة أخرى، قال: أخبرني عن عمر بهذا الإسناد، فقال: التوبة النصوح: الذي يذنب ثم لا يريد أن يعود.
حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله { تَوْبَةً نَصُوحاً } قال: يتوب ثم لا يعود.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله قال: التوبة النصوح: الرجل يذنب الذنب ثم لا يعود فيه.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إلى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً } أن لا يعود صاحبها لذلك الذنب الذي يتوب منه، ويقال: توبته أن لا يرجع إلى ذنب تركه.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثني الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: { تَوْبَةً نَصُوحاً } قال: يستغفرون ثم لا يعودون.
حدثني نصر بن عبد الرحمن الأوديّ، قال: ثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله: { تَوْبَةً نَصُوحاً } قال: النصوح: أن تحول عن الذنب ثم لا تعود له أبداً.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إلى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً } قال: هي الصادقة الناصحة.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ابن زيد، في قول الله: { تُوبُوا إلى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً } قال: التوبة النصوح الصادقة، يعلم أنها صدق ندامة على خطيئته، وحبّ الرجوع إلى طاعته، فهذا النصوح.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة الأمصار خلا عاصم: { نَصُوحاً } بفتح النون على أنه من نعت التوبة وصفتها، وذُكر عن عاصم أنه قرأه: «نُصُوحاً» بضمّ النون، بمعنى المصدر من قولهم: نصح فلان لفلان نصوحاً.
وأولى القراءتين بالصواب في ذلك قراءة من قرأ بفتح النون على الصفة للتوبة لإجماع الحجة على ذلك.
وقوله: { عَسَى رَبُّكُمْ أن يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّآتِكُمْ } يقول: عسى ربكم أيها المؤمنون أن يمحو سيئات أعمالكم التي سلفت منكم { وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تجري مِنْ تَحْتِها الأنْهارُ } يقول: وأن يدخلكم بساتين تجري من تحت أشجارها الأنهار { يَوْمَ لا يَخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ } محمداً صلى الله عليه وسلم { وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَينَ أيْدِيهِمْ } يقول: يسعى نورهم أمامهم { وبأيمَانِهِمْ } يقول: وبأيمانهم كتابهم، كما:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: { يَوْمَ لا يَخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ }... إلى قوله: { وبأيمَانِهِمْ } يأخذون كتابهم فيه البشرى.
{ يَقُولُونَ رَبَّنا أتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِر لَنا } يقول جلّ ثناؤه مخبراً عن قيل المؤمنين يوم القيامة: يقولون ربنا أتمم لنا نورنا، يسألون ربهم أن يبقي لهم نورهم، فلا يطفئه حتى يجوزوا الصراط، وذلك حين يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا
{ { انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ } . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: { رَبَّنا أتْمِمْ لَنا نُورَنا } قال: قول المؤمنين حين يُطْفأ نور المنافقين.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عاصم، عن الحسن، قال: ليس أحد إلا يعطى نوراً يوم القيامة، يعطى المؤمن والمنافق، فيطفأ نور المنافق، فيخشى المؤمن أن يطفأ نوره، فذلك قوله: { رَبَّنا أتْمِمْ لَنا نُورَنا }.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، عن يزيد بن شجرة، قال: كان يذكرنا ويبكي، ويصدّق قوله فعله، يقول: يا أيها الناس إنكم مكتوبون عند الله عزّ وجلّ بأسمائكم وسيماكم، ومجالسكم ونجواكم وخلائكم، فإذا كان يومُ القيامة قيل: يا فلانُ بْنَ فلان هاكَ نورَك، ويا فلانُ بْنَ فلان، لا نور لك.
وقوله: { وَاغْفِرْ لَنا } يقول: واستر علينا ذنوبنا، ولا تفضحنا بها بعقوبتك إيانا عليها { إنَّكَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } يقول: إنك على إتمام نورنا لنا، وغفران ذنوبنا، وغير ذلك من الأشياء ذو قدرة.