التفاسير

< >
عرض

أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ
١٤
إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ
١٥
سَنَسِمُهُ عَلَى ٱلْخُرْطُومِ
١٦
-القلم

جامع البيان في تفسير القرآن

.

اختلفت القرّاء في قراءة قوله: { أنْ كانَ } فقرأ ذلك أبو جعفر المدنيّ وحمزة: «أأنْ كانَ ذَا مالٍ» بالاستفهام بهمزتين، وتتوجه قراءة من قرأ ذلك كذلك إلى وجهين: أحدهما أن يكون مراداً به تقريع هذا الحلاَّف المهين، فقيل: ألأن كان هذا الحلاف المهين ذا مال وبنين { إذَا تُتْلَى عَلَيْه آياتُنا قالَ أساطيرُ الأوّلين } وهذا أظهر وجهيه. والآخر أن يكون مراداً به: ألأن كان ذا مال وبنين تطيعه، على وجه التوبيخ لمن أطاعه. وقرأ ذلك بعد سائر قرّاء المدينة والكوفة والبصرة: { أنْ كانَ ذا مال } على وجه الخبر بغير استفهام بهمزة واحدة ومعناه إذا قُرىء كذلك: ولا تطع كلّ حلاف مهين { أن كان ذا مال وبنين } كأنه نهاه أن يطيعه من أجل أنه ذو مال وبنين.

وقوله: { إذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أساطِيرُ الأوَّلِينَ } يقول: إذا تقرأ عليه آيات كتابنا، قال: هذا مما كتبه الأوّلون استهزاء به وإنكاراً منه أن يكون ذلك من عند الله.

وقوله: { سَنَسِمُهُ على الخُرْطُومِ } اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: سنخطمه بالسيف، فنجعل ذلك علامة باقية، وسمة ثابتة فيه ما عاش. ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس { سَنَسِمُهُ على الخُرْطُومِ } فقاتل يوم بدر، فخُطِم بالسيف في القتال.

وقال آخرون: بل معنى ذلك سنشينه شيناً باقياً.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { سَنَسِمُهُ على الخُرْطُومِ } شَيْن لا يفارقه آخر ما عليه.

وقال آخرون: سيمَى على أنفه.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة { سَنَسِمُهُ على الخُرْطومِ } قال: سنسم على أنفه.

وأولى القولين بالصواب في تأويل ذلك عندي قول من قال: معنى ذلك: سنبين أمره بياناً واضحاً حتى يعرفوه، فلا يخفى عليهم، كما لا تخفى السمة على الخرطوم. وقال قتادة: معنى ذلك: شين لا يفارقه آخر ما عليه، وقد يحتمل أيضاً أن يكون خطم بالسيف، فجمع له مع بيان عيوبه للناس الخطم بالسيف.

ويعني بقوله: { سَنَسِمُهُ } سنكويه. وقال بعضهم: معنى ذلك: سنسمه سِمَة أهل النار: أي سنسوِّد وجهه. وقال: إن الخرطوم وإن كان خصّ بالسمة، فإنه في مذهب الوجه، لأن بعض الوجه يؤدّي عن بعض، والعرب تقول: والله لأسمنك وسماً لا يفارقك، يريدون الأنف. قال: وأنشدني بعضهم:

لأُعَلِطَنَّهُ وَسْماً لا يُفارِقهُ كما يُجَزُّ بِحَمْى المِيسَمِ النَّجِر

والنجز: داء يأخذ الإبل فتُكوى على أنفها.