اختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: { حَقِـيقٌ عَلـى أن لا أقُولَ علـى اللَّهِ إلاَّ الـحَقَّ } فقرأه جماعة من قرّاء الـمكيـين والـمدنـيـين والبصرة والكوفة: { حَقِـيقٌ علـى أن لا أقُولَ } بإرسال الـياء من «علـى» وترك تشديدها، بـمعنى: أنا حقـيق بأن لا أقول علـى الله إلا الـحقّ، فوجهوا معنى علـى إلـى معنى البـاء، كما يقال: رميت بـالقوس وعلـى القوس، وجئت علـى حال حسنة، وبحال حسنة. وكان بعض أهل العلـم بكلام العرب يقول: إذا قرىء ذلك كذلك، فمعناه: حريص علـى أن لا أقول إلا بحقّ. وقرأ ذلك جماعة من أهل الـمدينة: «حَقِـيقٌ عَلـىَّ أنْ لا أقُولَ» بـمعنى: واجب علـيّ أن لا أقول، وحُقّ علـيّ أن لا أقول.
قال أبو جعفر: والصواب من القول فـي ذلك أنهما قراءتان مشهورتان متقاربتا الـمعنى، قد قرأ بكلّ واحدة منهما أئمة من القرّاء، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب فـي قراءته الصواب.
وقوله: { قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَـيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ } يقول: قال موسى لفرعون وملئه: قد جئتكم ببرهان من ربكم يشهد أيها القوم علـى صحة ما أقول وصدق ما أذكر لكم من إرسال الله إياي إلـيكم رسولاً، فأرسل يا فرعون معي بنـي إسرائيـل، فقال له فرعون: إن كنت جئت بآية، يقول: بحجة وعلامة شاهدة علـى صدق ما تقول. فأت بها إن كنت من الصادقـين.