التفاسير

< >
عرض

يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَىٰ نُصُبٍ يُوفِضُونَ
٤٣
خَٰشِعَةً أَبْصَٰرُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ ٱلْيَوْمُ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ
٤٤
-المعارج

جامع البيان في تفسير القرآن

.

وقوله: { يَوْمَ يَخْرُجُونَ } بيان وتوجيه عن اليوم الأوّل الذي في قوله: { يَوْمُهُمُ الَّذِي يوعَدُونَ } وتأويل الكلام: حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدونه يوم يخرجون مِن الأجداث وهي القبور: واحدها جدث { سِرَاعاً كأنَّهُمْ إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ }، كما:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْداثِ سِرَاعاً }: أي من القبور سراعاً.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله.

وقد بيَّنا الجدث فيما مضى قبل بشواهده، وما قال أهل العلم فيه.

وقوله: { إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ } يقول: كأنهم إلى عَلَم قد نُصب لهم يستبقون. وأجمعت قرّاء الأمصار على فتح النون من قوله: «نَصْبٍ» غير الحسن البصري، فإنه ذكر عنه أنه كان يضمها مع الصاد وكأن من فتحها يوجه النصب إلى أنه مصدر من قول القائل: نصبت الشيء أنصبه نصباً. وكان تأويله عندهم: كأنهم إلى صنم منصوب يسرعون سعياً. وأما من ضمها مع الصاد فأنه يوجهه إلى أنه واحد الأنصاب، وهي آلهتهم التي كانوا يعبدونها.

وأما قوله: { يُوفِضُونَ } فإن الإيفاض: هو الإسراع ومنه قول الشاعر:

لأَنْعَتَنْ نَعامَةً مِيفاضَا خَرْجاءَ تَغْدو تطْلُبُ الإضَاَضَا

يقول: تطلب ملجأً تلجأ إليه والإيفاض: السرعة وقال رؤبة:

تَمْشِي بنا الجِدّ على أوْفاضٍ

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا ابن أبي عديّ، عن عوف، عن أبي العالية، أنه قال في هذه الآية { كأنَّهُمْ إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ } قال: إلى علامات يستبقون.

حدثنا محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: { كأنَّهُمْ إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ } قال: إلى علم يسعون.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: { يُوفِضُونَ } قال: يستبقون.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: { كأنَّهُمْ إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ } قال: إلى علم يسعون.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة: { كأنَّهُمْ إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ } قال: إلى عَلَم يوفضون، قال: يسعون.

حدثنا عليّ بن سهل، قال: ثنا الوليد بن مسلم، قال: سمعت أبا عمر يقول: سمعت يحيى بن أبي كثير يقول: { كأنَّهُمْ إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ } قال: إلى غاية يستبقون.

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: { إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ } إلى علم ينطلقون.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان { إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ } قال: إلى علم يستبقون.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { كأنَّهُمْ إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ } قال: النصب: حجارة كانوا يعبدونها، حجارة طوال يقال لها نصب. وفي قوله { يوفِضُونَ } قال: يُسرعون إليه كما يُسرعون إلى نصب يوفضون قال ابن زيد: والأنصاب التي كان أهل الجاهلية يعبدونها ويأتونها ويعظمونها، كان أحدهم يحمله معه، فإذا رأى أحسن منه أخذه، وألقى هذا، فقال له: كَلٌّ عَلىَ مَوْلاهُ أيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلىَ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا مرّة، عن الحسن، في قوله: { كأنَّهُمْ إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ } قال: يبتدرون إلى نصبهم أيهم يستلمه أوّل.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا حماد بن مسعدة، قال: ثنا قرّة، عن الحسن، مثله.

وقوله: { خاشِعَةً أبْصَارُهُمْ } يقول: خاضعة أبصارهم للذي هم فيه من الخزي والهوان { تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ } يقول: تغشاهم ذلة { ذَلكَ اليَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعِدُونَ } يقول عزّ وجلّ: هذا اليوم الذي وصفت صفته، وهو يوم القيامة الذي كان مشركو قريش يوعدونَ في الدنيا أنهم لاقوه في الآخرة، كانوا يُكَذّبون به.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { ذَلكَ اليَوْم } يوم القيامة { الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ }.