التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ
١
قُمْ فَأَنذِرْ
٢
وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ
٣
وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ
٤
وَٱلرُّجْزَ فَٱهْجُرْ
٥
وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ
٦
وَلِرَبِّكَ فَٱصْبِرْ
٧
-المدثر

جامع البيان في تفسير القرآن

.

يقول جلّ ثناؤه: { يا أيُّها المُدَّثِّرُ }: يا أيها المتدثر بثيابه عند نومه.

وذُكر أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم قيل له ذلك، وهو متدثر بقطيفة. ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، عن المغيرة، عن إبراهيم { يا أيُّها المُدَّثِّرُ } قال: كان متدثراً في قطيفة.

وذُكر أن هذه الآية أوّل شيء نزل من القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه قيل له: { يا أيُّها المُدَّثِّرُ }، كما:

حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا يونس، عن ابن شهاب، قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، أن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدّث عن فترة الوحي: "بَيْنا أنا أمْشِي سَمِعْت صَوْتاً مِنَ السَّماءِ فَرَفَعْتُ رأسِي، فإذَا المَلَك الَّذِي جاءَنِي بِحِرَاءَ جالِسٌ على كُرْسِيّ بَينَ السَّماءِ والأرْضِ" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فَجُثِثْتُ مِنْهُ فَرَقاً، وجِئْتُ أهْلي فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي زَمِّلُوني، فدَثَّرُونِي" فأنزل الله: { يا أيُّها المُدَّثِّرُ قُمْ فأنْذِرْ وَرَبِّكَ فَكَبِّرْ }... إلى قوله: { وَالرُّجْزَ فاهْجُرْ } قال: ثم تتابع الوحي.

حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا الوليد بن مسلم، قال: ثنا الأوزاعي، قال: ثني يحيى بن أبي كثير، قال: سألت أبا سلمة: أيّ القرآن أُنزل أوّل، فقال: { يا أيُّها المُدَّثِّرُ } فقلت: يقولون { { اقْرأ باسْمِ رَبِّكَ الَّذي خَلَقَ } ، فقال أبو سلمة: سألت جابر بن عبد الله: أيّ القرآن أنزل أوّل؟ فقال: { يا أيُّها المُدَّثِّرُ }، فقلت يقولون: { { اقْرأ باسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } فقال: لا أخبرك إلا ما حدثنا النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: "جاورت في حِراء فلما قضيت جواري هبطت، فاستبطنت الوادي، فنوديت، فنظرت عن يميني وعن شمالي وخلفي وقدّامي، فلم أر شيئاً، فنظرت فوق رأسي فإذا هو جالس على عرش بين السماء والأرض، فخشيت منه" هكذا قال عثمان بن عمرو، إنما هو: «فجثثت منه، ولقيت خديجة، فقلت: دثروني، فدثروني، وصبوا عليّ ماءً، فأنزل الله عليّ: { يا أيُّها المُدَّثِّرُ قُمْ فأنْدِرْ }.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن عليّ بن مبارك، عن يحيى بن أبي كثير، قال: سألت أبا سلمة عن أوّل ما نزل من القرآن، قال: نزلت { يا أيُّها المُدَّثِّرُ } أوّل قال: قلت: إنهم يقولون { اقْرأ باسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ }، فقال: سألت جابر بن عبد الله، فقال: لا أحدّثك إلا ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "جاوَرْتُ بِحِرَاءً فلمَّا قَضَيْتُ جِوَارِي هَبَطْتُ، فَسَمِعْتُ صَوْتاً، فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِيِني فَلَمْ أرَ شَيْئاً، وَنَظَرْتُ خَلْفِي فَلَمْ أرَ شَيْئاً، فَرَفَعْتُ رأسي فرأيْتُ شَيْئاً، فأتَيْتُ خَدِيجَةَ، فَقُلْتُ: دَثِّرُونِي وَصبُّوا عَليَّ ماء بارِداً، فنزلت { يا أيُّها المُدَّثِّرُ }" .

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهريّ، قال: فتر الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فترة، فحزن حزناً، فجعل يعدو إلى شواهق رؤوس الجبال ليتردّي منها، فكلما أوفي بذروة جبل تبدّى له جبريل عليه السلام فيقول: إنك نبيّ الله، فيسكن جأشه، وتسكن نفسه فكان النبيّ صلى الله عليه وسلم يحدّث عن ذلك، قال: "بَيْنَما أنا أمْشِي يَوْماً إذْ رأيْتُ المَلَكَ الَّذِي كان يأتِيني بِحرَاءَ على كُرْسِيّ بَينَ السَّماءِ والأرْضِ، فَجُثِثْتُ مِنْهُ رُعْباً، فَرَجَعْتُ إلى خَدِيجَةَ فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي، فزمِّلناه" : أي فدثرناه، فأنزل الله { يا أيُّها المُدَّثِّرُ، قُمْ فأنْذِرْ، وَرَبِّكَ فَكَبِّرْ، وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ } قال الزهري: فكان أوّل شيء أنزل عليه: { { اقْرأ باسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } ... حتى بلغ { { ما لَمْ يَعْلَمْ } .

واختلف أهل التأويل في معنى قوله: { يا أيُّها المُدَّثِّرُ }، فقال بعضهم: معنى ذلك: يا أيها النائم في ثيابه.

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: { يا أيُّها المُدَّثِّرُ } قال: يا أيها النائم.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { يا أيُّها المُدَّثِّرُ } يقول: المتدثر في ثيابه.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: يا أيها المتدثر النبوّة وأثقالها.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الأعلى، قال: وسُئل داود عن هذه الآية: { يا أيُّها المُدَّثِّرُ } فحدثنا عن عكرمة أنه قال: دثِّرت هذا الأمر فقم به.

وقوله: { قُمْ فأنْذِر } يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قم من نومك فأنذر عذاب الله قومك الذين أشركوا بالله، وعبدوا غيره. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { قُمْ فأنْذِرْ }: أي أنذر عذاب الله ووقائعه في الأمم، وشدّة نقمته.

وقوله: { وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ } يقول تعالى ذكره: وربك يا محمد فعظم بعبادته، والرغبة إليه في حاجاتك دون غيره من الآلهة والأنداد.

وقوله: { وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ } اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: لا تلبس ثيابك على معصية، ولا على غدرة.

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس { وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ } قال: أما سمعت قول غَيلان بن سَلَمة:

وإنّى بِحَمْدِ اللَّهِ لا ثَوْبَ فاجِرٍ لَبِسْتُ وَلا مِنْ غَدْرَةٍ أتَقَنَّعُ

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا مُصْعَب بن سلام، عن الأجلح، عن عكرِمة، عن ابن عباس، قال: أتاه رجل وأنا جالس فقال: أرأيت قول الله: { وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ } قال: لا تلبسها على معصية ولا على غدرة، ثم قال: أما سمعت قول غيلان بن سلمة الثقفيّ:

وإنّى بِحَمْدِ اللَّهِ لا ثَوْبَ فاجِرٍ لَبِسْتُ وَلا مِنْ غَدْرَةٍ أتَقَنَّعُ

حدثنا سعيد بن يحيى، قال: ثنا حفص بن غياث، عن الأجلح، عن عكرِمة، قوله: { وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ } قال: لا تلبسها على غدرة، ولا على فجرة، ثم تمثَّل بشعر غيلان بن سلمة هذا.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، قال: ثنا سفيان، عن الأجلح بن عبد الله الكندي، عن عكرِمة { وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ } قال: لا تلبس ثيابك على معصية، ألم تسمع قول غيلان بن سَلَمَةَ الثقفّي:

وإنّى بِحَمْدِ اللَّهِ لا ثَوْبَ فاجِرٍ لَبِسْتُ وَلا مِنْ غَدْرَةٍ أتَقَنَّعُ

_@_ حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: ثنا حجاج، قال ابن جريج، أخبرني عطاء، أنه سمع ابن عباس يقول: { وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ } قال: من الإثم، ثم قال: نقيّ الثياب في كلام العرب.

حدثنا سعيد بن يحيى، قال: ثنا حفص بن غياث القاضي، عن ابن جُرَيج، عن عطاء، عن ابن عباس، قوله { وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ } قال: في كلام العرب: نقيّ الثياب.

حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، عن مغيرة، عن إبراهيم { وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ } قال: من الذنوب.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس { وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ } قال: من الذنوب.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة { وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ } قال: هي كلمة من العربية كانت العرب تقولها: طهر ثيابك: أي من الذنوب.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ } يقول: طهِّرها من المعاصي، فكانت العرب تسمى الرجل إذا نكث ولم يف بعهد أنه دَنِس الثياب، وإذا وفى وأصلح قالوا: مطهَّر الثياب.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس: { وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ } قال: من الإثم.

قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم { وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ } قال: من الإثم.

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: { وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ } يقول: لا تلبس ثيابك على معصية.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن جُريج، عن عطاء، عن ابن عباس { وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ } قال: من الإثم.

قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: من الإثم.

قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن الأجلح، سمع عكرمة قال: لا تلبس ثيابك على معصية.

قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن جابر، عن عامر وعطاء قالا: من الخطايا.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: لا تلبس ثيابك من مكسب غير طيب. ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس { وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ } قال: لا تكن ثيابك التي تلبس من مكسب غير طائب، ويقال: لا تلبس ثيابك على معصية.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: أصلح عملك.

ذكر من قال ذلك:

حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي، قال: ثنا فضيل بن عياض، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: { وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ } قال: عملك فأصلح.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن أبي رَزِين في قوله: { وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ } قال: عملك فأصلحه، وكان الرجل إذا كان خبيث العمل، قالوا: فلان خبيث الثياب، وإذا كان حسن العمل قالوا: فلان طاهر الثياب.

وقال آخرون في ذلك ما.

حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: { وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ } قال: لست بكاهن ولا ساحر، فأعرض عما قالوا.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: اغسلها بالماء، وطهرها من النجاسة. ذكر من قال ذلك:

حدثني عباس بن أبي طالب، قال: ثنا عليّ بن عبد الله بن جعفر، عن أحمد بن موسى بن أبي مريم صاحب اللؤلؤ، قال: أخبرنا ابن عون، عن محمد بن سيرين { وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ } قال: اغسلها بالماء.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ } قال: كان المشركون لا يتطهرون، فأمره أن يتطهر، ويطهِّر ثيابه.

وهذا القول الذي قاله ابن سيرين وابن زيد في ذلك أظهر معانيه، والذي قاله ابن عباس وعكرِمة وابن زكريا قول عليه أكثر السلف من أنه عُنِيَ به: جسمك فطهر من الذنوب، والله أعلم بمراده من ذلك.

{ وَالرُّجْزَ فاهْجُرْ } اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأه بعض قرّاء المدينة وعامة قرّاء الكوفة: «والرِّجْز» بكسر الراء، وقرأه بعض المكيين والمدنيين { والرُّجْزَ } بضم الراء، فمن ضمّ الراء وجهه إلى الأوثان، وقال: معنى الكلام: والأوثان فاهجر عبادتها، واترك خدمتها، ومن كسر الراء وجَّهه إلى العذاب، وقال: معناه: والعذاب فاهجر، أي ما أوجب لك العذاب من الأعمال فاهجر.

والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب، والضمّ والكسر في ذلك لغتان بمعنى واحد، ولم نجد أحداً من متقدّمي أهل التأويل فرّق بين تأويل ذلك، وإنما فرّق بين ذلك فيما بلغنا الكسائيّ.

واختلف أهل التأويل في معنى { الرُّجْزَ } في هذا الموضع، فقال بعضهم: هو الأصنام.

ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: { وَالرُّجْزَ فاهْجُرْ } يقول: السخط وهو الأصنام.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: { وَالرّجْزَ فاهْجُرْ } قال: الأوثان.

حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل قال أبو جعفر: أحسبه أنا عن جابرٍ عن مجاهد وعكرِمة { وَالرّجْزَ فاهْجُرْ } قال: الأوثان.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { وَالرُّجْزَ فاهْجُرْ }: إساف ونائلة، وهما صنمان كانا عند البيت يمسح وجوههما من أتى عليهما، فأمر الله نبيَّهُ صلى الله عليه وسلم أن يجتنبهما ويعتزلهما.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهريّ { وَالرُّجْزَ فاهْجُرْ } قال: هي الأوثان.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { وَالرُّجْزَ فاهْجُرْ } قال: الرجز: آلهتهم التي كانوا يعبدون أمره أن يهجرها، فلا يأتيها، ولا يقربها.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: والمعصية والإثم فاهجر.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم { وَالرُّجْزَ فاهْجُرْ } قال الإثم.

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: { وَالرُّجْزَ فاهْجُرْ } يقول: اهجر المعصية.

وقد بيَّنا معنى الرجز فيما مضى بشواهده المغنية عن إعادتها في هذا الموضع.

وقوله: { وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ } اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: ولا تُعطِ يا محمد عطية لتعطَى أكثر منها.

ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: { وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ } قال: لا تُعط عطية تلتمس بها أفضل منها.

حدثنا أبو حميد الحمصي أحمد بن المُغيرة، قال: ثني أبو حيوة شريح بن يزيد الحضرميّ، قال: ثني أرطاة عن ضمرة بن حبيب وأبي الأحوص في قوله: { وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ } قال: لا تعط شيئاً، لتُعْطي أكثر منه.

حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن عكرِمة، في قوله: { وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ } قال: لا تعطِ شيئاً لتُعْطَي أكثر منه.

حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، قال: أخبرني من سمع عكرِمة يقول: { وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ } قال: لا تعط العطية لتريد أن تأخذ أكثر منها.

حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي، قال: ثنا فضيل، عن منصور، عن إبراهيم { وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ } قال: لا تعط كيما تَزداد.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سفيان، عن مُغيرة، عن إبراهيم، في قوله { وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ } قال: لا تعط شيئاً لتأخذ أكثر منه.

حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سلمة، عن الضحاك { وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ } قال: لا تعطِ لتُعْطَي أكثر منه.

قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم، في قوله { وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ } قال: لا تعطِ لتُعْطَى أكثر منه.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، في قوله { وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ } قال: لا تعط شيئاً لتزداد.

حدثنا أبو كُرَيْبٍ قال: ثنا وكيع، عن ابن أبي روّاد، عن الضحاك، قال: هو الربا الحلال، كان للنبيّ صلى الله عليه وسلم خاصّة.

حدثنا أبو كُرَيْبٍ، قال: ثنا وكيع، عن أبي حجيرة، عن الضحاك، هما رِبَوَان: حلال، وحرام فأما الحلال: فالهدايا، والحرام: فالربا.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ } يقول: لا تعط شيئاً، إنما بك مجازاة الدنيا ومعارضها.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة { وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ } قال: لا تعط شيئاً لتثاب أفضل منه، وقاله أيضا طاوس.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاًعن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله { وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ } قال: تعطي مالاً مصانعة رجاء أفضل منه من الثواب في الدنيا.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: لا تعط لتُعْطى أكثر منه.

قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم { وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ } قال: لا تعط لتزداد.

قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن رجل، عن الضحاك بن مزاحم { وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ } قال: هي للنبيّ صلى الله عليه وسلم خاصّة، وللناس عامَّة مُوَسَّع عليهم.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولا تمنن عملك على ربك تستكثر.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا مجاهد بن موسى، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سفيان بن حسين، عن الحسن، في قوله: { وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ } قال: لا تمنن عملك تستكثره على ربك.

حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا هوذة، قال: ثنا عوف، عن الحسن { وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ } قال: لا تمنن تستكثر عملك.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا يونس بن نافع أبو غانم، عن أبي سهل، كثير بن زياد، عن الحسن { وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ } يقول: لا تمنن تستكثر عملك الصالح.

حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس { وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ } قال: لا يكثر عملك في عينك، فإنه فيما أنعم الله عليك وأعطاك قليل.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: لا تضعف أن تستكثر من الخير. ووجَّهوا معنى قوله: { وَلا تَمْنُنْ } أي لا تضعف، من قولهم: حبل منين: إذا كان ضعيفاً.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو حميد بن المغيرة الحمصي، قال: ثنا عبد الله بن عمرو، قال: ثنا محمد بن سلمة، عن خَصِيف عن مجاهد، في قوله: { وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ } قال: لا تضعف أن تستكثر من الخير، قال: تمنن في كلام العرب: تضعف.

وقال آخرون في ذلك: لا تمنن بالنبوّة على الناس، تأخذ عليه منهم أجراً.

ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ } قال: لا تمنن بالنبوّة والقرآن الذي أرسلناك به تستكثرهم به، تأخذ عليه عوضاً من الدنيا.

وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب في ذلك قول من قال: معنى ذلك: ولا تمنن على ربك من أن تستكثر عملك الصالح.

وإنما قلت ذلك أولى بالصواب، لأن ذلك في سياق آيات تقدمّ فيهنّ أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالجدّ في الدعاء إليه، والصبر على ما يَلْقَى من الأذى فيه، فهذه بأن تكون من أنواع تلك، أشبه منها بأن تكون من غيرها. وذُكر عن عبد الله بن مسعود أن ذلك في قراءته: «وَلا تَمْنُنْ أنْ تَسْتَكْثِرُ».

وقوله: { وَلِرَبَكَ فاصْبِرْ } يقول تعالى ذكره: ولربك فاصبر على ما لقيت فيه من المكروه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل على اختلاف فيه بين أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: { وَلِرَبِّكَ فاصْبِرْ } قال: على ما أوتيت.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { وَلِرَبِّكَ فاصْبِرْ } قال: حمل أمراً عظيماً محاربة العرب، ثم العجم من بعد العرب في الله.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولربك فاصبر على عطيتك.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم { وَلِرَبِّكَ فاصْبِرْ } قال: اصبر على عطيتك.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: اصبر على عطيتك لله.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم، في قوله: { وَلِرَبِّكَ فاصْبِرْ } قال: عطيتك اصبر عليها.