التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا ٱلْوُحُوشُ حُشِرَتْ
٥
وَإِذَا ٱلْبِحَارُ سُجِّرَتْ
٦
وَإِذَا ٱلنُّفُوسُ زُوِّجَتْ
٧
وَإِذَا ٱلْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ
٨
بِأَىِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ
٩
وَإِذَا ٱلصُّحُفُ نُشِرَتْ
١٠
-التكوير

جامع البيان في تفسير القرآن

.

اختلف أهل التأويل في معنى قوله: { وَإذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ } فقال بعضهم: معنى ذلك: ماتت. ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ بن مسلم الطوسي، قال: ثنا عباد بن العوّام، قال: أخبرنا حصين، عن عكرِمة، عن ابن عباس، في قول الله: { وَإذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ } قال: حَشْرُ البهائم: موتها، وحشر كل شيء: الموت، غير الجنّ والإنس، فإنهما يوقفان يوم القيامة.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي يعلى، عن ربيع بن خيثم { وَإذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ } قال: أتى عليها أمر الله، قال سفيان، قال أبي، فذكرته لعكرِمة، فقال: قال ابن عباس: حَشْرُها: موتها.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي يعلى، عن الربيع بن خيثم، بنحوه.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: وإذا الوُحوش اختلطت. ذكر من قال ذلك:

حدثنا الحسين بن حريث، قال: ثنا الفضل بن موسى، عن الحسين بن واقد، عن الربيع بن أنس عن أبي العالية، قال: ثني أُبيّ بن كعب { وَإذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ } قال: اختلطت.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: جُمعت. ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { وَإذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ } هذه الخلائق موافية يوم القيامة، فيقضي الله فيها ما يشاء.

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معنى حشرت: جمعت، فأميتت لأن المعروف في كلام العرب من معنى الحشر: الجمع ومنه قول الله { { والطَّيْرَ مَحْشُورَةً } يعني: مجموعة.

وقوله: { { فَحَشَرَ فَنادَى } وإنما يحمل تأويل القرآن على الأغلب الظاهر من تأويله، لا على الأنكر المجهول.

وقوله: { وَإذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ } اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: وإذا البحار اشتعلت ناراً وحَمِيت. ذكر من قال ذلك:

حدثنا الحسين بن حريث، قال: ثنا الفضل بن موسى، قال: ثنا الحسين بن واقد، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، قال: ثني أُبيّ بن كعب { وَإذَا الّبِحارُ سُجِّرَتْ } قال: قالت الجنّ للإنس: نحن نأتيكم بالخبر، فانطلقوا إلى البحار، فإذا هي تأجَّج ناراً.

حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن داود، عن سعيد بن المسيب، قال: قال عليّ رضي الله عنه لرجل من اليهود: أين جهنم؟ فقال: البحر، فقال: ما أراه إلا صادقاً { { والْبَحْرِ المَسَجْورِ } «وَإذَا الْبِحارُ سُجِرَتْ» مخففة.

حدثني حوثرة بن محمد المنِقريّ، قال: ثنا أبو أسامة، قال: ثنا مجالد، قال: أخبرني شيخ من بجيلة عن ابن عباس، في قوله: { { إذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ } قال: كوّر الله الشمس والقمر والنجوم في البحر، فيبعث عليها ريحاً دبوراً، فتنفخه حتى يصير ناراً، فذلك قوله: { وَإذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ }.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { وَإذَا الْبِحارُ سُجرَتْ } قال: إنها توقد يوم القيامة، زعموا ذلك التسجير في كلام العرب.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن حفص بن حميد، عن شمر بن عطية، في قوله: { { والْبَحْر المَسْجُور } قال: بمنزلة التنور المسجور { وَإذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ } مثله.

قال: ثنا مهران، عن سفيان { وَإذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ } قال: أُوقدت.

وقال آخرون: معنى ذلك: فاضت. ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي يعلى، عن ربيع بن خيثم { وَإذَا الْبحارُ سُجِّرَتْ } قال: فاضت.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي يعلى، عن ربيع، مثله.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الكلبي، في قوله: { وَإذَا الّبِحارُ سُجِّرَتْ } قال: مُلئت، ألا ترى أنه قال: { { وَالبَحْرِ المَسْجُورِ } .

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: { وَإذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ } يقول: فُجِّرت.

وقال آخرون: بل عني بذلك أنه ذهب ماؤها. ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { وإذا الْبِحارَ سُجِّرَتْ } قال: ذهب ماؤها فلم يبق فيها قطرة.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة { وَإذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ } قال: غار ماؤها فذهب.

حدثني الحسين بن محمد الذارع، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن الحسين، في هذا الحرف { وَإذَا الْبحارُ سُجِّرَتْ } قال: يبست.

حدثنا الحسين بن محمد، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا أبو رجاء، عن الحسن، بمثله.

حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: { وَإذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ } قال: يبَست.

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب: قول من قال: معنى ذلك: مُلئت حتى فاضت، فانفجرت وسالت كما وصفها الله به في الموضع الآخر، فقال: وإذا البحار فجِّرت والعرب تقول للنهر أو للرَّكيّ المملوء: ماء مسجور ومنه قول لبيد:

فَتَوَسَّطا عُرْضَ السَّرِى وَصَدَّعا مَسْجُورَةً مُتَجاوِرا قُلاَّمُها

ويعني بالمسجورة: المملوءة ماء.

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة والكوفة: { سُجِّرَتْ }: بتشديد الجيم. وقرأ ذلك بعض قرّاء البصرة: بتخفيف الجيم. والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب.

وقوله: { وَإذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ } اختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم: ألحق كلّ إنسان بشكله، وقرن بين الضُّرَباء والأمثال. ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن سماك، عن النعمان بن بشير، عن عمر رضي الله عنه { وَإذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ } قال: هما الرجلان يعملان العمل الواحد يدخلان به الجنة، ويدخلان به النار.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن سماك بن حرب، عن النعمان بن بشير، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه { وَإذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ } قال: هما الرجلان يعملان العمل، فيدخلان به الجنة، وقال: { { احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ } ، قال: ضرباءهم.

حدثنا ابن حميد، قال:ثنا مهران، عن سفيان، عن سماك بن حرب، عن النعمان بن بشير، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه { وَإذَا النُّفْوسُ زُوِّجَتْ } قال: هما الرجلان يعملان العمل، يدخلان به الجنة أو النار.

حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن سماك بن حرب أنه سمع النعمان بن بشير يقول: سمعت عمر بن الخطاب وهو يخطب، قال: { { وكُنْتُمْ أزْوَاجاً ثَلاثَةً فأصحَابُ المَيْمَنَةِ ما أصحَابُ المَيْمَنَةِ وأصحَابُ المَشأَمَة ما أصحَابُ المَشأَمَةِ والسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ المُقَرَّبُونَ } ثم قال: { وَإذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ } قال: أزواج في الجنة، وأزواج في النار.

حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن النعمان بن بشير، قال: سُئل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عن قول الله: { وَإذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ } قال: يُقْرن بين الرجل الصالح مع الرجل الصالح في الجنة، وبين الرجل السَّوء مع الرجل السَّوء في النار.

حدثني محمد بن خلف، قال: ثنا محمد بن الصباح الدَّولابيّ، عن الوليد، عن سماك، عن النعمان بن بشير، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم والنعمان عن عمر قال: { وَإذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ } قال: الضُّرَباء كلّ رجل مع كل قوم كانوا يعملون عمله، وذلك أن الله يقول: { { وكُنْتُمْ أزْوَاجاً ثَلاثَةً فأصحَابُ المَيْمَنَةِ ما أصحَابُ المَيْمَنَةِ وأصحَابُ المَشأَمَةِ ما أصحَابُ المَشأَمَةِ والسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ } قال: هم الضُّرَباء.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: { وَإذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ } قال: ذلك حين يكون الناس أزواجاً ثلاثة.

حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا هوذة، قال: ثنا عوف، عن الحسن، في قوله: { وَإذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ } قال: ألحق كلّ أمرىء بشيعته.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: { وَإذَا النُّفُوسُ زوِّجَتْ } قال: الأمثالُ من الناسُ جُمع بَينهم.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { وَإذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ } قال: لحق كلّ إنسان بشيعته، اليهود باليهود، والنصارى بالنصارى.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي يعلى، عن الربيع بن خيثم { وَإذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ } قال: يحشر المرء مع صاحب عمله.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي يعلى، عن الربيع، قال: يجيء المرء مع صاحب عمله.

وقال آخرون: بل عُنِي بذلك أن الأرواح ردّت إلى الأجساد فزوّجت بها: أي جعلت لها زوجاً. ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، عن أبي عمرو، عن عكرِمة { وَإذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ } قال: الأرواح تَرجع إلى الأجساد.

حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عديّ، عن داود، عن الشعبيّ أنه قال في هذه الآية: { وَإذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ } قال: زوّجت الأجساد فرُدّت الأرواح في الأجساد.

حدثني عبيد بن أسباط بن محمد، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن عكرِمة { وَإذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ } قال: ردّت الأرواح في الأجساد.

حدثني الحسن بن زريق الطهوي، قال: ثنا أسباط، عن أبيه، عن عكرِمة، مثله.

حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، قال: أخبرنا داود، عن الشعبيّ، في قوله: { وَإذَ النُّفُوسُ زُوِّجَتْ } قال: زوّجت الأرواح الأجساد.

وأولى التأويلين في ذلك بالصحة، الذي تأوّله عمر بن الخطاب رضي الله عنه للعلة التي اعتلّ بها، وذلك قول الله تعالى ذكره: { { وكنْتُمْ أزْوَاجاً ثَلاثَةً } ، وقوله: { { احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلمُوا وأزْوَاجَهُمْ } وذلك لا شكّ الأمثال والأشكال، في الخير والشرّ، وكذلك قوله: { وَإذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ } بالقُرَناء والأمثال في الخير والشرّ.

وحدثني مطر بن محمد الضبي، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهديّ، قال: ثنا عبد العزيز بن مسلم القسملي عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية في قوله: { { إذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ } قال: سيأتي أوّلها والناس ينظرون، وسيأتي آخرها إذا النفوس زوّجت.

وقوله: { وَإذَا المَوْءُودةُ سُئِلَتْ بأيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ }؟: اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأه أبو الضُّحى مسلم بن صبيح: «وَإذَا المَوْءُودَةُ سأَلَتْ بأيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ»؟ بمعنى: سألت الموءودة الوائدين: بأيّ ذنب قتلوها. ذكر الرواية بذلك:

حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسلم، في قوله: { وَإذَا المَوْءُودَةُ سُئِلَتْ }؟ قال: طلبت بدمائها.

حدثنا سوّار بن عبد الله العنبري، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن الأعمش، قال: قال أبو الضحى: «وَإذَا المَوْءُودَةُ سأَلَتْ»؟ قال: سألت قتلتها.

ولو قرأ قارىء ممن قرأ «سأَلَتْ بِأيّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ» كان له وجه، وكان يكون معنى ذلك معنى من قرأ { بِأيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ } غير أنه إذا كان حكاية جاز فيه الوجهان، كما يقال: قال عبد الله بأيّ ذنب ضُرب كما قال عَنترة:

الشَّاتِمَيْ عِرْضِي ولم أشْتُمْهُما والنَّاذِرَيْن إذَا لَقِيتُهُما دَمي

وذلك أنهما كانا يقولان: إذا لقينا عنترة لنقتلنَّه. فحكى عنترة قولهما في شعره وكذلك قول الآخر:

رَجُلانِ مِنْ ضَبَّةَ أخْبَرَانا إنَّا رأيْنا رَجُلاً عُرْيانا

بمعنى: أخبرانا أنهما، ولكنه جرى الكلام على مذهب الحكاية. وقرأ ذلك بعض عامة قرّاء الأمصار: { وإذَا المَوْءدَةُ سُئِلَتْ بِأيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ } بمعنى: سُئلت الموءودة بأيّ ذنب قُتلت، ومعنى قُتلت: قتلت، غير أن ذلك ردّ إلى الخبر على وجه الحكاية على نحو القول الماضي قبل، وقد يتوجه معنى ذلك إلى أن يكون: وإذا الموءودة سئلت قَتَلتُها ووائدوها، بأيّ ذنب قتلوها؟ ثم ردّ ذلك إلى ما لم يسمّ فاعله، فقيل: بأيّ ذنب قُتِلَت.

وأولى القراءتين في ذلك عندنا بالصواب: قراءة من قرأ ذلك { سُئِلَتْ } بضم السين { بِأيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ } على وجه الخبر، لإجماع الحجة من القرّاء عليه. والموءودة: المدفونة حية، وكذلك كانت العرب تفعل ببناتها ومنه قول الفرزدق بن غالب:

ومِنَّا الَّذي أحْيا الوَئِيدَ وَغائِبٌ وعَمْرٌو، ومنَّا حامِلونَ وَدافِعُ

يقال: وأده فهو يئده وأداً، ووأدة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { وَإذَا المَوْءُودَةُ سُئِلَتْ }: هي في بعض القراءات: «سأَلَتْ بأيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ» لا بذنب، كان أهل الجاهلية يقتل أحدهم ابنته، ويغذو كلبه، فعاب الله ذلك عليهم.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: جاء قيس بن عاصم التميميّ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: إني وَأَدت ثماني بنات في الجاهلية، قال: "فأعْتِقْ عَنْ كُلّ وَاحِدَةٍ بَدَنَةً" .

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي يَعلى، عن الربيع بن خيثم { وَإذَا المَوْءُودَةُ سُئِلَتْ } قال: كانت العرب من أفعل الناس لذلك.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي يعَلى، عن ربيع بن خيثم بمثله.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { وَإذَا المَوْءُودَةُ سُئِلَتْ } قال: البنات التي كانت طوائف العرب يقتلونهنّ، وقرأ: { بأيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ }.

وقوله: { وَإذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ } يقول تعالى ذكره: وإذا صحف أعمال العباد نُشرت لهم، بعد أن كانت مطوية على ما فيها مكتوب، من الحسنات والسيئات. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { وَإذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ } صحيفتك يا بن آدم، تملى ما فيها، ثم تُطَوى، ثم تُنشَر عليك يوم القيامة.

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة { نُشِرَتْ } بتخفيف الشين، وكذلك قرأه أيضاً بعض الكوفيين، وقرأ ذلك بعض قرّاء مكة وعامة قرّاء الكوفة، بتشديد الشين. واعتلّ من اعتلّ منهم لقراءته ذلك كذلك، بقول الله: { { أنْ يُؤْتَى صُحُفاً مُنَشَّرَةً } ولم يقل منشورة، وإنما حسن التشديد فيه، لأنه خبر عن جماعة، كما يقال: هذه كِباش مُذَبَّحة، ولو أخبر عن الواحد بذلك كانت مخففة، فقيل مذبوحة، فكذلك قوله منشورة.