التفاسير

< >
عرض

وَٱلسَّمَآءِ وَٱلطَّارِقِ
١
وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلطَّارِقُ
٢
ٱلنَّجْمُ ٱلثَّاقِبُ
٣
إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ
٤
فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ
٥
خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ
٦
يَخْرُجُ مِن بَيْنِ ٱلصُّلْبِ وَٱلتَّرَآئِبِ
٧
إِنَّهُ عَلَىٰ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ
٨
يَوْمَ تُبْلَىٰ ٱلسَّرَآئِرُ
٩
فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ
١٠
-الطارق

جامع البيان في تفسير القرآن

.

أقسم ربنا بالسماء وبالطارق الذي يطرق ليلاً من النجوم المضيئة، ويخفى نهاراً، وكلّ ما جاء ليلاً فقد طرق. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس { والسَّماءِ والطَّارِقِ } قال: السماء وما يطرق فيها.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { والسَّماءِ والطَّارِق وَما أدْرَاك ما الطَّارِقُ } قال: طارق يطرق بليل، ويخفى بالنهار.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: { والطَّارِقِ } قال: ظهور النجوم، يقول: يطرقك ليلاً.

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: { الطَّارِق } النجم

. { وَما أدْرَاكَ ما الطَّارِقُ } يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وما أشعرك يا محمد ما الطارق الذي أقسمت به؟ ثم بين ذلك جلّ ثناؤه، فقال: هو النجم الثاقب، يعني: يتوقد ضياؤه ويتوهَّج. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: { النَّجْمُ الثَّاقِبُ } يعني: المضيء.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس { النَّجْمُ الثاقِبُ } قال: هي الكواكب المضيئة، وثقوبه: إذا أضاء.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرِمة، في قوله: { النَّجْمُ الثَّاقِبُ } قال: الذي يثقب.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: { الثَّاقِبُ } قال: الذي يتوهَج.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: ثقوبه: ضوءه.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة { النَّجْمُ الثَّاقِبُ }: المضيء.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { النَّجْمُ الثَّاقِبُ } قال: كانت العرب تسمي الثُّريَّا النجم، ويقال: إن الثاقب النجم الذي يقال له زُحَل. والثاقب أيضاً: الذي قد ارتفع على النجوم، والعرب تقول للطائر: إذا هو لحق ببطن السماء ارتفاعاً: قد ثَقَب، والعرب تقول: أثقِب نارك: أي أضئها.

وقوله: { إنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ } اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأه من قرّاء المدينة أبو جعفر، ومن قرّاء الكوفة حمزة { لَمَّا عَلَيْها } بتشديد الميم. وذُكِر عن الحسن أنه قرأ ذلك كذلك.

حدثني أحمد بن يوسف، قال: ثنا أبو عبيد، قال: ثنا حجاج، عن هارون، عن الحسن أنه كان يقرؤها: { إنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ } مشدّدة، ويقول: إلاَّ عليها حافظ، وهكذا كلّ شيء في القرآن بالتثقيل.

وقرأ ذلك من أهل المدينة نافع، ومن أهل البصرة أبو عمرو: «لَمَا» بالتخفيف، بمعنى: إن كلّ نفس لعليها حافظ. وعلى أن اللام جواب «إن» و«ما» التي بعدها صلة. وإذا كان ذلك كذلك لم يكن فيه تشديد.

والقراءة التي لا أختار غيرها في ذلك: التخفيف، لأن ذلك هو الكلام المعروف من كلام العرب، وقد أنكر التشديد جماعة من أهل المعرفة بكلام العرب، أن يكون معروفاً من كلام العرب، غير أن الفرّاء كان يقول: لا نعرف جهة التثقيل في ذلك، ونرى أنها لغة من هُذَيل، يجعلون إلا مع إن المخففة لَمَا، ولا يجاوزون ذلك، كأنه قال: ما كلّ نفس إلاَّ عليها حافظ، فإن كان صحيحاً ما ذكر الفرّاء، من أنها لغة هُذَيل، فالقراءة بها جائزة صحيحة، وإن كان الاختيار أيضاً إذا صحّ ذلك عندنا، القراءة الأخرى، وهي التخفيف، لأن ذلك هو المعروف من كلام العرب، ولا ينبغي أن يترك الأعرف إلى الأنكر. وقد:

حدثني أحمد بن يوسف، قال: ثنا أبو عبيد، قال: ثنا معاذ، عن ابن عون، قال: قرأت عند ابن سيرين: «إنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَا عَلَيْها حافِظٌ» فأنكره، وقال: سبحان الله، سبحان الله.

فتأويل الكلام: إذن: إن كلّ نفس لَعَليها حافظ من ربها، يحفظ عملها، وَيَحْصِي عليها ما تكسب من خير أو شرّ. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: «إنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَا عَلَيْها حافِظٌ» قال: كلّ نفس عليها حفظة من الملائكة.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: «إنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَا عَلَيْها حافِظٌ»: حفظة يحفظون عملك ورزقك وأجلك إذا توفيته يا بن آدم قبضت إلى ربك.

وقوله: { فَلْيَنْظُرِ الإنْسانُ مِمَّ خُلِقَ } يقول تعالى ذكره: فلينظر الإنسان المكذّب بالبعث بعد الممات، المُنكر قُدرة الله على إحيائه بعد مماته، { مِمَّ خُلِقَ } يقول: من أيّ شيء خلقه ربه؟ ثم أخبر جلّ ثناؤه عما خلقه منه، فقال: { خُلِقَ مِنْ ماءٍ دَافِقٍ } يعني: من ماء مدفوق، وهو مما أخرجته العرب بلفظ فاعل، وهو بمعنى المفعول، ويقال: إن أكثر من يستعمل ذلك من أحياء العرب، سكان الحجاز إذا كان في مذهب النعت، كقولهم: هذا سرّ كاتم، وهمُّ ناصب، ونحو ذلك.

وقوله: { يَخْرُجُ مِنْ بَينِ الصُّلْبِ والتَّرَائِبِ } يقول: يخرج من بين ذلك، ومعنى الكلام منهما، كما يقال: سيخرج من بين هذين الشيئين خير كثير، بمعنى: يخرج منهما.

واختلف أهل التأويل في معنى الترائب وموضعها، فقال بعضهم: الترائب: موضع القِلادة من صدر المرأة. ذكر من قال ذلك:

حدثني عبد الرحمن بن الأسود الطُّفاويّ، قال: ثنا محمد بن ربيعة، عن سَلَمة بن سابور، عن عطية العَوْفيّ، عن ابن عباس { الصُّلْبِ والتَّرَائِبِ } قال: الترائب: موضع القِلادة.

حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: { يَخْرُجُ مِنْ بَينِ الصُّلْبِ والترائِبِ } يقول: من بين ثدي المرأة.

حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، عن أبي رجاء، قال: سُئل عكرِمة عن الترائب، فقال: هذه، ووضع يده على صدره بين ثدييه.

حدثني ابن المثنى، قال: ثني سلم بن قتيبة، قال: ثني عبد الله بن النُّعمان الحُدَانيّ أنه سمع عكرِمة يقول: { يَخْرُجُ مِنْ بَين الصُّلْبِ والتَّرَائِبِ } قال: صُلْب الرجل، وترائب المرأة.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن شريك، عن عطاء، عن سعيد بن جُبير، قال: الترائب: الصدر.

قال: ثنا ابن يمان، عن مِسْعر، عن الحكم، عن أبي عياض، قال: التَّرَائِبِ: الصدر.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { يَخْرُجُ مِنْ بَينَ الصُّلْبِ والتَّرائِبِ } قال: الترائب: الصدر، وهذا الصلب، وأشار إلى ظهره.

وقال آخرون: الترائب: ما بين المَنْكِبين والصدر. ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن إسرائيل، عن ثَوَير، عن مجاهد، قوله: { التَّرَائِبِ } ما بين المنكبين والصدر.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: { التَّرَائِبِ } قال: أسفل من التراقي.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، قال: الصُّلْب للرجل، والترائب للمرأة، والترائب فوق الثديين.

وقال آخرون: هو اليدان والرجلان والعينان. ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: { يَخْرُجُ مِنْ بَينِ الصُّلْبِ والتَّرَائِبِ } قال: فالترائب أطراف الرجل واليدان والرجلان والعينان، فتلك الترائب.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي رَوْق، عن الضحاك { يَخْرُجُ مِنْ بَينِ الصُّلْبِ والتَّرَائِبِ } قال: الترائب: اليدان والرجلان.

قال: ثنا مهران، عن سفيان، قال: قال غيره: الترائب: ماء المرأة وصلب الرجل.

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: { يَخْرُجُ مِنْ بَين الصُّلْبِ والتَّرَائِبِ }: عيناه ويداه ورجلاه.

وقال آخرون: معنى ذلك، أنه يخرج من بين صلب الرجل ونحره. ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { يَخْرُجُ مِنْ بَين الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ } يقول: يخرج من بين صُلْب الرجل ونحره.

وقال آخرون: هي الأضلاع التي أسفل الصلب. ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد، في قوله: { يَخْرُجُ مِنْ بَين الصُّلْب والتَّرَائِبِ } قال: الترائب: الأضلاع التي أسفل الصلب.

وقال آخرون: هي عصارة القلب. ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني الليث أن معمر بن أبي حَبِيبة المَدِيني حدّثه، أنه بلغه في قول الله: { يَخْرُجُ مِنْ بَين الصُّلْب والتَّرَائِبِ } قال: هو عُصارة القلب، ومنه يكون الولد.

والصواب من القول في ذلك عندنا: قول من قال: هو موضع القِلادة من المرأة، حيث تقع عليه من صدرها، لأن ذلك هو المعروف في كلام العرب، وبه جاءت أشعارهم، قال المثقِّب العبدي:

ومِنْ ذَهَبٍ يُسَنُّ على تَرِيب كَلَوْنِ العاج ليسَ بذي غُضُونِ

وقال آخر:

والزَّعْفَرَانُ عَلى تَرَائِبِهَا شَرِقاً بِهِ اللَّبَّاتُ والنَّحْرُ

وقوله: { إنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ } يقول تعالى ذكره: إن هذا الذي خلقكم أيها الناس من هذا الماء الدافق، فجعلكم بشراً سويّاً، بعد أن كنتم ماء مدفوقاً، على رجعه لقادر.

واختلف أهل التأويل في الهاء التي في قوله: { عَلى رَجْعِهِ } على ما هي عائدة، فقال بعضهم: هي عائدة على الماء. وقالوا: معنى الكلام: إن الله على ردّ النطفة في الموضع التي خرجت منه { لَقادِرٌ }. ذكر من قال ذلك:

حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، عن أبي رجاء، عن عكرِمة، في قوله: { إنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ } قال: إنه على رَدّه في صُلْبه لقادر.

حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله، قال: ثنا شعبة، عن أبي رجاء، عن عكرِمة في قوله: { إنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ } قال: للصُّلب.

حدثني عُبيد بن إسماعيل الهباريّ، قال: ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربيّ، عن ليث، عن مجاهد في قوله: { إنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ } قال: على أن يرد الماء في الإحليل.

حدثني نصر بن عبد الرحمن الأَوْدِيّ الوشاء، قال: ثنا أبو قَطَن عمرو بن الهيثم، عن ورقاء، عن عبد الله ابن أبي نجيح، عن عبد الله بن أبي بكر، عن مجاهد، في قوله: { إنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ } قال: على ردّ النطفة في الإحليل.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: { إنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ } قال: في الإحليل.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد { إنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ } قال: ردّه في الإحليل.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: إنه على ردّ الإنسان ماء كما كان قبل أن يخلقه منه. ذكر من قال ذلك:

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: { إنَّهُ عَلى رَجْعه لَقادِرٌ } إن شئتُ رددتُه كما خلقته من ماء.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: إنه على حبس ذلك الماء لقادر. ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { إنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ } قال: على رجع ذلك الماء لقادر، حتى لا يخرج، كما قدر على أن يخلق منه ما خلق، قادر على أن يرجعه.

وقال آخرون: بل معنى ذلك أنه قادر على رجع الإنسان من حال الكبر إلى حال الصغر. ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن مقاتل بن حَيّان، عن الضحاك قال: سمعته يقول في قوله: { إنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ } يقول: إن شئت رددته من الكبر إلى الشباب، ومن الشباب إلى الصِّبا، ومن الصبا إلى النطفة.

وعلى هذا التأويل تكون الهاء في قوله: { عَلى رَجْعِهِ } من ذكر الإنسان.

وقال آخرون ممن زعم أن الهاء للإنسان معنى ذلك أنه على إحيائه بعد مماته لقادر. ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: { إنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لقادِرٌ } إن الله تعالى ذكره على بعثه وإعادته قادر.

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب: قول من قال معنى ذلك: إن الله على ردّ الإنسان المخلوق من ماء دافق من بعد مماته حياً، كهيئته قبل مماته لقادر.

وإنما قلت هذا أولى الأقوال في ذلك بالصواب، لقوله: { يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ } فكان في إتباعه قوله: { إنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ } نبأ من أنباء القيامة، دلالة على أن السابق قبلها أيضاً منه، ومنه { يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ } يقول تعالى ذكره: إنه على إحيائه بعد مماته لقادر، يوم تُبلى السرائر فاليوم من صفة الرجع، لأن المعنى: إنه على رجعه يوم تبلى السرائر لقادر.

وعُنِي بقوله: { يَوْمَ تُبْلى السَّرَائِرُ } يوم تُخْتَبرُ سرائر العباد، فيظهر منها يومئذٍ ما كان في الدنيا مستخفياً عن أعين العباد، من الفرائض التي كان الله ألزمه إياها، وكلَّفه العمل بها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

حُدثت عن عبد الله بن صالح، عن يحيى بن أيوب، عن ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح، في قوله: { يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ } قال: ذلك الصوم والصلاة وغُسْل الجنابة، وهو السرائر ولو شاء أن يقول: قد صُمْتُ وليس بصائم، وقد صلَّيتُ ولم يصلّ، وقد اغتسلت ولم يغتسل.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ } إن هذه السرائر مختبرة، فأسِرّوا خيراً وأعلنوه إن استطعتم، ولا قوّة إلا بالله.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان { يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ } قال: تُخْتَبر.

وقوله: { فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ } يقول تعالى ذكره: فما للإنسان الكافر يومئذٍ من قوّة يمتنع بها من عذاب الله، وأليم نكاله، ولا ناصر ينصره، فيستنقذه ممن ناله بمكروه، وقد كان في الدنيا يرجع إلى قوّة من عشيرته، يمتنع بهم ممن أراده بسوء، وناصر من حليف ينصره على من ظلمه واضطهده. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِر } ينصره من الله.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: { وَلا ناصِرٍ } قال: من قوّة يمتنع بها، ولا ناصر ينصره من الله.

حدثني عليّ بن سهل، قال: ثنا ضَمْرة بن ربيعة، عن سفيان الثوريّ، في قوله: { مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ } قال: القوّة: العشيرة، والناصر: الحليف.