هذا من التشبيه المركب، شبهت حال الدنيا في سرعة تقضيها وانقراض نعيمها بعد الإقبال، بحال نبات الأرض في جفافه وذهابه حطاماً بعد ما التف وتكاثف، وزين الأرض بخضرته ورفيفه { فَٱخْتَلَطَ بِهِ } فاشتبك بسببه حتى خالط بعضه بعضاً { أَخَذَتِ ٱلأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَٱزَّيَّنَتْ } كلام فصيح: جعلت الأرض آخذة زخرفها على التمثيل بالعروس، إذا أخذت الثياب الفاخرة من كل لون، فاكتستها وتزينت بغيرها من ألوان الزين. وأصل { ازّينت } تزينت، فأدغم. وبالأصل قرأ عبد الله. وقرىء: «وأزينت»، أي أفعلت، من غير إعلال الفعل كأغيلت أي صارت ذات زينة. وازيانت، بوزن ابياضت { قَادِرُونَ عَلَيْهَا } متمكنون من منفعتها محصلون لثمرتها، رافعون لعلتها { أَتَاهَا أَمْرُنَا } وهو ضرب زرعها ببعض العاهات بعد أمنهم واستيقانهم أنه قد سلم { فَجَعَلْنَاهَا } فجعلنا زرعها { حَصِيداً } شبيهاً بما يحصد من الزرع في قطعه واستئصاله { كَأَن لَّمْ تَغْنَ } كأن لم يغن زرعها، أي لم ينبت على حذف المضاف في هذه المواضع لا بدّ منه، وإلاّ لم يستقم المعنى. وقرأ الحسن: «كأن لم يغن» بالياء على أن الضمير للمضاف المحذوف، الذي هو الزرع. وعن مروان أنه قرأ على المنبر: «كأن لم تتغن» بالأمس، من قول الأعشى:
طَوِيلُ الثّوَاءِ طَوِيلُ التَّغَنِّي
والأمس مثل في الوقت القريب كأنه قيل: كأن لم تغن آنفاً.