التفاسير

< >
عرض

يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ
١٠٥
-هود

قرىء: «يوم يأت» بغير ياء. ونحوه قولهم: لا أدر، حكاه الخليل وسيبويه. وحذف الياء والاجتزاء عنها بالكسرة كثير في لغة هذيل. فإن قلت: فاعل يأتي ما هو؟ قلت: الله عز وجل، كقوله: { { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ } [البقرة: 210]، { أَوْ يَأْتِىَ رَبُّكَ } [الأنعام: 158]، { وَجَاء رَبُّكَ } [الفجر: 22] وتعضده قراءة: «وما يؤخر» بالياء. وقوله: { بِإِذْنِهِ } ويجوز أن يكون الفاعل ضمير اليوم، كقوله تعالى: { أو تَأْتِيَهُمُ ٱلسَّاعَةَ } [يوسف: 107]. فإن قلت: بما انتصب الظرف؟ قلت: إمّا أن ينتصب بلا تكلم. وإما بإضمار «اذكر» وإمّا بالانتهاء المحذوف في قوله: { إِلاَّ لأَجَلٍ مَّعْدُودٍ } [هود: 104] أي ينتهي الأجل يوم يأتي، فإن قلت: فإذا جعلت الفاعل ضمير اليوم، فقد جعلت اليوم وقتاً لإتيان اليوم وحدّدت الشيء بنفسه قلت: المراد إتيان هوله وشدائده { لاَ تَكَلَّمُ } لا تتكلم، وهو نظير قوله: { لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ } [النبأ: 38]. فإن قلت: كيف يوفق بين هذا وبين قوله تعالى: { { يَوْمَ تَأْتِى كُلُّ نَفْسٍ تُجَـٰدِلُ عَن نَّفْسِهَا } [النحل: 111] وقوله تعالى: { هَـٰذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ } [المرسلات: 36]، قلت: ذلك يوم طويل له مواقف ومواطن، ففي بعضها يجادلون عن أنفسهم، وفي بعضها يكفون عن الكلام فلا يؤذن لهم، وفي بعضها يؤذن لهم فيتكلمون، وفي بعضها: يختم على أفواههم وتتكلم أيديهم وتشهد أرجلهم { فَمِنْهُمْ } الضمير لأهل الموقف ولم يذكروا؛ لأنّ ذلك معلوم، ولأنّ قوله: { لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ } يدل عليه، وقد مرّ ذكر الناس في قوله: { { مَّجْمُوعٌ لَّهُ ٱلنَّاسُ } [هود: 103] والشقى الذي وجبت له النار لإساءته، والسعيد الذي وجبت له الجنة لإحسانه.