التفاسير

< >
عرض

وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ
١٢٦
وَٱصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِٱللَّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ
١٢٧
إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ
١٢٨
-النحل

سمي الفعل الأول باسم الثاني للمزاوجة. والمعنى: إن صنع بكم صنيع سوء من قتل أو نحوه، فقابلوه بمثله ولا تزيدوا عليه. وقرىء: «وإن عقبتم فعقبوا»، أي: وإن قفيتم بالانتصار فقفوا بمثل ما فعل بكم. روي

(599) أن المشركين مثلوا بالمسلمين يوم أحد: بقروا بطونهم وقطعوا مذاكيرهم، ما تركوا أحداً غير ممثول به إلا حنظلة بن الراهب، فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمزة وقد مثل به، وروي: فرآه مبقور البطن فقال: "أما والذي أحلف به، لئن أظفرني الله بهم لأمثلن بسبعين مكانك" فنزلت، فكفر عن يمينه وكفّ عما أراده، ولا خلاف في تحريم المثلة. وقد وردت الأخبار بالنهي عنها حتى بالكلب العقور. إما أن يرجع الضمير في { لَهُوَ } إلى صبرهم وهو مصدر صبرتم. ويراد بالصابرين: المخاطبون، أي: ولئن صبرتم لصبركم خير لكم، فوضع الصابرون موضع الضمير ثناء من الله عليهم بأنهم صابرون على الشدائد. أو وصفهم بالصفة التي تحصل لهم إذا صبروا عن المعاقبة. وإما أن يرجع إلى جنس الصبر - وقد دل عليه صبرتم - ويراد بالصابرين جنسهم، كأنه قيل: وللصبر خير وللصابرين ونحوه قوله تعالى { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى ٱللَّهِ } [الشورى: 40]. { وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ } [البقرة: 237] ثم قال لرسوله صلى الله عليه وسلم { وَٱصْبِرْ } أنت فعزم عليه بالصبر { وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِٱللَّهِ } أي بتوفيقه وتثبيته وربطه على قلبك { وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ } أي على الكافرين، كقوله { { فَلاَ تَأْسَ عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَـٰفِرِينَ } [المائدة: 68] أو على المؤمنين وما فعل بهم الكافرون { وَلاَ تَكُ فِى ضَيْقٍ } وقرىء: «ولا تكن في ضيق» أي: ولا يضيقن صدرك من مكرهم والضيق: تخفيف الضيق، أي في أمر ضيق. ويجوز أن يكون الضيق والضيق مصدرين، كالقيل والقول { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ } أي هو وليّ الذين اجتنبوا المعاصي { و } ولي { ٱلَّذِينَ هُمْ مُّحْسِنُونَ } في أعمالهم. وعن هرم ابن حيان أنه قيل له حين احتضر: أوص. فقال: إنما الوصية من المال ولا مال لي، وأوصيكم بخواتم سورة النحل. عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(600) "من قرأ سورة النحل لم يحاسبه الله بما أنعم عليه في دار الدنيا وإن مات في يوم تلاها أو ليلته، كان له من الأجر كالذي مات وأحسن الوصية" .