{ وَمَا بِكُم مّن نّعْمَةٍ } وأيّ شيء حل بكم، أو اتصل بكم من نعمة، فهو من الله { فإلَيْهِ تَجْئَرُونَ } فما تتضرعون إلا إليه، والجؤار: رفع الصوت بالدعاء والاستغاثة. قال الأعشى يصف راهبا:
يُرَاوِحُ مِنْ صَلَوَاتِ الْمَلِيـــ ـــكِ طَوْراً سُجُوداً وَطَوْراً جُؤَارَا
وقرىء: «تجرون»، بطرح الهمزة وإلقاء حركتها على الجيم. وقرأ قتادة «كاشف الضر» على: فاعل بمعنى فعل، وهو أقوى من كشف؛ لأن بناء المغالبة يدل على المبالغة. فإن قلت: فما معنى قوله: { إِذَا فَرِيقٌ مّنْكُم بِرَبّهِمْ يُشْرِكُونَ }؟ قلت: يجوز أن يكون الخطاب في قوله: { وَمَا بِكُم مّن نّعْمَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ } عاماً، ويريد بالفريق: فريق الكفرة وأن يكون الخطاب للمشركين ومنكم للبيان، لا للتبعيض، كأنه قال فإذا فريق كافر، وهم أنتم. ويجوز أن يكون فيهم من اعتبر، كقوله { { فَلَمَّا نَجَّـٰهُمْ إِلَى ٱلْبَرّ فَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ } [لقمان: 32] { لِيَكْفُرُواْ بِمَآ ءاتَيْنَـٰهُمْ } من نعمة الكشف عنهم، كأنهم جعلوا غرضهم في الشرك كفران النعمة { فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } تخلية ووعيد. وقرىء: «فيُمَتَّعوا»، بالياء مبنيا للمفعول، عطفا على { لِيَكْفُرُواْ } ويجوز أن يكون: ليكفروا فيمتعوا، من الأمر الوارد في معنى الخذلان والتخلية، واللام لام الأمر.