وقال قوم من رؤساء الكفرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: نحِّ هؤلاء الموالي الذين كأن ريحهم ريح الضأن، وهم: صهيب وعمار وخباب وغيرهم من فقراء المسلمين، حتى نجالسك كما قال نوح:
{ أَنُؤْمِنُ لَكَ وَٱتَّبَعَكَ ٱلأَرْذَلُونَ } [الشعراء: 111] فنزلت: { وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ } وأحبسها معهم وثبتها. قال أبو ذؤيب:فَصَبَرْتُ عَارِفَةً لِذَلِكَ حُرَّةً تَرْسُوا إذَا نَفْسُ الْجَبَانِ تَطَلَّعُ
{ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِىّ } دائبين على الدعاء في كل وقت. وقيل: المراد صلاة الفجر والعصر. وقرىء: «بالغدوة» وبالغداة أجود؛ لأن غدوة علم في أكثر الاستعمال. وإدخال اللام على تأويل التنكير كما قال:...... وَالزَّيْدُ زَيْدُ المَعَارِكِ
ونحوه قليل في كلامهم، يقال: عداه إذا جاوزه ومنه قولهم. عدا طوره. وجاءني القوم عدا زيداً. وإنماعدي بعن، لتضمين عدا معنى نبا وعلا، في قولك: نبت عنه عينه وعلت عنه عينه: إذا اقتحمته ولم تعلق به. فإن قلت: أي غرض في هذا التضمين؟ وهلا قيل: ولا تعدهم عيناك، أو لا تعل عيناك عنهم؟ قلت الغرض فيه إعطاء مجموع معنيين، وذلك أقوى من إعطاء معنى فذ ألا ترى كيف رجع المعنى إلى قولك: ولا تقتحمهم عيناك مجاوزتين إلى غيرهم؟ ونحوه قوله تعالى: { وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوٰلَهُمْ إِلَىٰ أَمْوٰلِكُمْ } [النساء: 2] أي ولا تضموها إليها أكلين لها. وقرىء «ولا تعد عينيك، ولا تعدّ عينيك» من أعداه نقلا بالهمزة وتثقيل الحشو. ومنه قوله:فَعُدْ عَمَّا تَرَى إذْ لاَ ارْتِجَاعَ لَهُ
لأن معناه: فعد همك عما ترى. نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزدرى بفقراء المؤمنين، وأن تنبو عينه عن رثاثة زيهم طموحاً إلى زيّ الأغنياء وحسن شارتهم { تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } في موضع الحال { مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ } من جعلنا قلبه غافلاً عن الذكر بالخذلان. أو وجدناه غافلاً عنه، كقولك: أجبنته وأفحمته وأبخلته، إذا وجدته كذلك. أو من أغفل إبله إذا تركها بغير سمة، أي: لم نسمه بالذكر ولم نجعلهم من الذين كتبنا في قلوبهم الإيمان وقد أبطل الله توهم المجبرة بقوله { وَٱتَّبَعَ هَوَاٰهُ } وقرىء «أغفلنا قلبه» بإسناد الفعل إلى القلب على معنى: حسبنا قلبه غافلين، من أغفلته إذا وجدته غافلاً { فُرُطًا } متقدّماً للحق والصواب نابذاً له وراء ظهره من قولهم «فرس فرط» متقدّم للخيل.