التفاسير

< >
عرض

وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً
٧١
ثُمَّ نُنَجِّي ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّنَذَرُ ٱلظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً
٧٢
-مريم

{ وَإِن مِـّنكُمْ } التفات إلى الإنسان، يعضده قراءة ابن عباس وعكرمة رضي الله عنهما: «وإن منهم» أو خطاب للناس من غير التفات إلى المذكور، فإن أريد الجنس كله فمعنى الورود دخولهم فيها وهي خامدة، فيعبرها المؤمنون وتنهار بغيرهم. عن ابن عباس رضي الله عنه: يردونها كأنها إهالة. وروي دواية. وعن جابر بن عبد الله.

(670) أنه سألَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فقال: "إذا دخلَ أهلُ الجنةِ الجنةَ قالَ بعضُهُمْ لبعضٍ: أليسَ قدْ وعدَنَا رَبنا أنْ نردَ النارَ، فيقالُ لَهُمْ: قدْ وردتمُوها وهي خامدةٌ" وعنه رضي الله عنه أنه سُئِل عن هذه الآية؟ فقال:

(671) سمعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الورودُ الدخولُ، لا يبقَى بَرٌ ولا فاجرٌ إلاَّ دخلها، فتكونُ على المؤمنِينَ برَداً وسلامَاً كَما كانَتْ على إبراهيمَ، حتَّى إنَّ للنارِ ضجيجَاً مِنْ بردهِا" وأما قوله تعالى: { أُوْلَـئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } [الأنبياء: 101] فالمراد عن عذابها. وعن ابن مسعود والحسن وقتادة: هو الجواز على الصراط؛ لأنّ الصراط ممدود عليها. وعن ابن عباس: قد يرد الشيءُ الشيءَ ولا يدخله، كقوله تعالى: { وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ } [القصص: 23] ووردت القافلة البلد، وإن لم تدخله ولكن قربت منه. وعن مجاهد: ورود المؤمن النار هو مس الحمى جسده في الدنيا، بقوله عليه الصلاة والسلام:

(672) "الحمّى من فيح جهنم" وفي الحديث

(673) "الحمّى حظ كل مؤمن من النار" ويجوز أن يراد بالورود: جثوّهم حولها. وإن أريد الكفار خاصة، فالمعنى بيِّن.

{ :كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً } الحتم: مصدر حتم الأمر إذا أوجبه، فسمى به الموجب، كقولهم: خلق الله، وضرب الأمير، أي: كان ورودهم واجباً على الله، أوجبه على نفسه وقضى به، وعزم على أن لا يكون غيره { ثُمّ نُنَجِّي ٱ لَّذِينَ ٱ تَّقَواْ } قرىء { نُنَجِّى } و«ننجى» و«ينجى» و«ينجى» على ما لم يسم فاعله. إن أريد الجنس بأسره فهو ظاهر، وإن أريد الكفرة وحدهم فمعنى { ثُمَّ نُنَجِـّى ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ } أنّ المتقين يساقون إلى الجنة عقيب ورود الكفار، لا أنهم يواردونهم ثم يتخلصون. وفي قراءة ابن مسعود وابن عباس والجحدري وابن أبي ليلى «ثَمَّ ننجى» بفتح الثاء، أي هناك. وقوله: { وَّنَذَرُ ٱلظَّـٰلِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً } دليل على أنّ المراد بالورود الجثوّ حواليها، وأن المؤمنين يفارقون الكفرة إلى الجنة بعد تجاثيهم، وتبقى الكفرة في مكانهم جاثين.