أي اجعل هذا البلد أو هذا المكان { بَلَدًا آمِنًا } ذا أمن، كقوله
{ عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } [الحاقة:21]. أو آمنا من فيه، كقوله: ليل نائم. و{ مَنْ ءَامَنَ مِنْهُم } بدل من أهله، يعني وارزق المؤمنين من أهله خاصة. { وَمَن كَفَرَ } عطف على من آمن كما عطف { وَمِن ذُرّيَتِى } على الكاف في جاعلك فإن قلت: لم خصّ إبراهيم صلوات الله عليه المؤمنين حتى ردّ عليه؟ قلت: قاس الرزق على الإمامة فعرّف الفرق بينهما، لأن الاستخلاف استرعاء يختص بمن ينصح للمرعى، وأبعد الناس عن النصيحة الظالم، بخلاف الرزق فإنه قد يكون استدراجاً للمرزوق وإلزاماً للحجة له. والمعنى: وأرزق من كفر فأمتعه. ويجوز أن يكون { وَمَن كَفَرَ } مبتدأ متضمناً معنى الشرط. وقوله: { فَأُمَتّعُهُ } جواباً للشرط، أي ومن كفر فأنا أمتعه. وقرىء: «فأمتعه فأضطره» فألزه إلى عذاب النار لزّ المضطر الذي لا يملك الامتناع مما اضطر إليه، وقرأ أبيّ: «فنمتعه قليلاً ثم نضطره». وقرأ يحيى بن وثاب: «فإضطره»، بكسر الهمزة. وقرأ ابن عباس: «فأَمْتْعهُ قليلاً ثم اضطرَّه»، على لفظ الأمر. والمراد: الدعاء من إبراهيم دعا ربّه بذلك. فإن قلت: فكيف تقدير الكلام على هذه القراءة؟ قلت: في (قال): ضمير إبراهيم، أي قال إبراهيم بعد مسئلته اختصاص المؤمنين بالرزق: ومن كفر فأمتعه قليلاً ثم اضطره. وقرأ ابن محيصن: «فأطره»، بإدغام الضاد في الطاء كما قالوا: اطجع، وهي لغة مرذولة، لأنّ الضاد من الحروف الخمسة التي يدغم هي فيها ما يجاورها ولا تدغم هي فيما يجاورها، وهي حروف «ضم شفر».