التفاسير

< >
عرض

فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ
٦٧
قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلأَعْلَىٰ
٦٨
وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوۤاْ إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيْدُ سَاحِرٍ وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ
٦٩
-طه

إيجاس الخوف: إضمار شيء منه، وكذلك توجس الصوت: تسمع نبأة يسيرة منه، وكان ذلك لطبع الجبلة البشرية، وأنه لا يكاد يمكن الخلوّ من مثله. وقيل: خاف أن يخالج الناس شك فلا يتبعوه { إِنَّكَ أَنتَ ٱلأَعْلَىٰ } فيه تقرير لغلبته وقهره، وتوكيد بالاستئناف وبكلمة التشديد وبتكرير الضمير وبلام التعريف وبلفظ العلوّ وهو الغلبة الظاهرة وبالتفضيل. وقوله { مَا فِى يَمِينِكَ } ولم يقل عصاك: جائز أن يكون تصغيراً لها، أي: لا تبال بكثرة حبالهم وعصيهم، وألق العويد الفرد الصغير الجرم الذي في يمينك، فإنه بقدرة الله يتلقفها على وحدته وكثرتها، وصغره وعظمها، وجائز أن يكون تعظيماً لها أي: لا تحتفل بهذه الأجرام الكبيرة الكثيرة، فإن في يمينك شيئاًأعظم منها كلها، وهذه على كثرتها أقل شيء وأنزره عنده، فألقه يتلقفها بإذن الله ويمحقها. وقرىء { تَلْقَفْ } بالرفع على الاستئناف أو على الحال، أي: ألقها متلقفة وقرىء «تلقف» بالتخفيف. { صَنَعُواْ } ههنا بمعنى زوّروا وافتعلوا كقوله تعالى: { تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ } [الأعراف: 117] قرىء { كَيْدُ سَاحِرٍ } بالرفع والنصب. فمن رفع فعلى أنّ (ما) موصولة. ومن نصب فعلى أنها كافة. وقرىء: «كيد سحر» بمعنى: ذي سحر، أو ذوي سحر. أو هم لتوغلهم في سحرهم كأنهم السحر بعينه وبذاته. أو بين الكيد، لأنه يكون سحراً وغير سحر، كما تبين المائة بدرهم. ونحوه: علم فقه، وعلم نحو. فإن قلت: لم وحد ساحر ولم يجمع؟ قلت: لأنّ القصد في هذا الكلام إلى معنى الجنسية، لا إلى معنى العدد، فلو جمع، لخيل أنّ المقصود هو العدد. ألا ترى إلى قوله: { وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّـاحِرُ } أي هذا الجنس. فإن قلت: فلم نكر أولاً وعرف ثانياً؟ قلت: إنما نكر من أجل تنكير المضاف، لا من أجل تنكيره في نفسه كقول العَجَّاج:

في سَعْي دُنْيَا طَالَمَا قَدْ مَدَّتْ

وفي حديث عمر رضي الله عنه: لا في أمر دنيا ولا في أمر آخرة المراد تنكير الأمر، كأنه قيل: إن ما صنعوا كيد سحري. وفي سعي دنيوي. وأمر دنيوي وأخروي { حَيْثُ أَتَىٰ } كقولهم: حيث سير، وأية سلك، وأينما كان.