قرىء: {أَلَمْ يَرَوْاْ } بغير واو. و{رَتْقاً } بفتح التاء، وكلاهما في معنى المفعول، كالخلق والنقض، أي: كانتا مرتوقتين. فإن قلت: الرتق صالح أن يقع موقع مرتوقتين لأنه مصدر، فما بال الرتق؟ قلت: هو على تقرير موصوف، أي: كانتا شيئاً رتقاً ومعنى ذلك: أن السماء كانت لاصقة بالأرض لا فضاء بينهما. أو كانت السموات متلاصقات، وكذلك الأرضون لا فرج بينها ففتقها الله وفرّج بينها. وقيل: ففتقناها بالمطر والنبات بعد ما كانت مصمتة، وإنما قيل: كانتا دون كنّ، لأنّ المراد جماعة السموات وجماعة الأرض، ونحوه قولهم: لقاحان سوداوان، أي: جماعتان، فعل في المضمر نحو ما فعل في المظهر. فإن قلت: متى رأوهما رتقا حتى جاء تقريرهم بذلك؟ قلت: فيه وجهان، أحدهما: أنه وارد في القرآن الذي هو معجزة في نفسه، فقام مقام المرئيِّ المشاهد. والثاني: أن تلاصق الأرض والسماء وتباينهما كلاهما جائز في العقل، فلا بدّ للتباين دون التلاصق من مخصص وهو القديم سبحانه {وَجَعَلْنَا } لا يخلو أن يتعدى إلى واحد أو اثنين، فإن تعدّى إلى واحد، فالمعنى: خلقنا من الماء كل حيوان، كقوله:
{ وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مّن مَّاء } [النور: 45] أو كأنما خلقناه من الماء لفرط احتياجه إليه وحبه له وقلة صبره عنه، كقوله تعالى: { خُلِقَ ٱلإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ } } [الأنبياء: 37] وإن تعدى إلى اثنين فالمعنى: صيرنا كل شيء حيّ بسبب من الماء لا بدّ له منه. و«من» هذا نحو «من» في قوله عليه السلام: (696)
"مَا أنَا مِنْ ددٍ ولا الددُ مِنْي" وقرىء «حيا» وهو المفعول الثاني. والظرف لغو.