التفاسير

< >
عرض

طسۤ تِلْكَ آيَاتُ ٱلْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ
١
هُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ
٢
ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُم بِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ
٣
-النمل

{ طسۤ } قرىء: بالتفخيم والإمالة، و{ تِلْكَ } إشارة إلى آيات السورة والكتاب المبين: إما اللوح، وإبانته: أنه قد خط فيه كل ما هو كائن فهو يبينه للناظرين فيه إبانة. وإما الصورة. وإما القرآن، وإبانتهما: أنهما يبينان ما أودعاه من العلوم والحكم والشرائع، وأنّ إعجازهما ظاهر مكشوف، وإضافة الآيات إلى القرآن والكتاب المبين: على سبيل التفخيم لها والتعظيم، لأنّ المضاف إلى العظيم يعظم بالإضافة إليه. فإن قلت: لم نكر الكتاب المبين؟ قلت: ليبهم بالتنكير فيكون أفخم له، كقوله تعالى: { { فِى مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرِ } [القمر: 55]. فإن قلت: ما وجه عطفه على القرآن إذا أريد به القرآن؟ قلت: كما تعطف إحدى الصفتين على الأخرى في نحو قولك: هذا فعل السخي والجواد الكريم، لأنّ القرآن هو المنزل المبارك المصدّق لما بين يديه، فكان حكمه حكم الصفات المستقلة بالمدح، فكأنه قيل: تلك الآيات آيات المنزل المبارك آي كتاب مبين. وقرأ ابن أبي عبلة: «وكتابٌ مبينٌ» بالرفع على تقدير: وآيات كتاب مبين، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. فإن قلت: ما الفرق بين هذا وبين قوله: { { الرَ تِلْكَ ءايَـٰتُ ٱلْكِتَـٰبِ وَقُرْءانٍ مُّبِينٍ } [الحجر: 1]؟ قلت: لا فرق بينهما إلا ما بين المعطوف والمعطوف عليه من التقدّم والتأخر، وذلك على ضربين: ضرب جار مجرى التثنية لا يترجح فيه جانب على جانب، وضرب فيه ترجح، فالأول نحو قوله تعالى: { { وَقُولُواْ حِطَّةٌ } [البقرة: 58]، [الأعراف: 161]، { وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّدًا } [البقرة: 58]، [الأعراف: 161] ومنه ما نحن بصدده. والثاني: نحو قوله تعالى: { { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلَـٰئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ } [آل عمران: 18]، { هُدًى وَبُشْرَىٰ } في محل النصب أو الرفع، فالنصب على الحال، أي: هادية ومبشرة؛ والعامل فيها ما في تلك من معنى الإشارة، والرفع على ثلاثة أوجه، على: هي هدى وبشرى، وعلى البدل من الآيات، وعلى أن يكون خبراً بعد خبر، أي: جمعت أنها آيات، وأنها هدى وبشرى. والمعنى في كونها هدى للمؤمنين: أنها زائدة في هداهم. قال الله تعالى: { { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً } [التوبة: 124] فإن قلت: { وَهُم بِٱلأَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } كيف يتصل بما قبله؟ قلت: يحتمل أن يكون من جملة صلة الموصول، ويحتمل أن تتم الصلة عنده ويكون جملة اعتراضية، كأنه قيل: وهؤلاء الذين يؤمنون ويعملون الصالحات من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة: هم الموقنون بالآخرة، وهو الوجه. ويدل عليه أنه عقد جملة ابتدائية وكرّر فيها المبتدأ الذي هو { وَهُمْ } حتى صار معناها: وما يوقن بالآخرة حق الإيقان إلا هؤلاء الجامعون بين الإيمان والعمل الصالح، لأنّ خوف العاقبة يحملهم على تحمل المشاق.