قرىء «آية» و«آيات» أرادوا: هلا أنزل عليه آية مثل ناقة صالح ومائدة عيسى عليهما السلام ونحو ذلك { إِنَّمَا ٱلاْيَـٰتُ عِندَ ٱللَّهِ } ينزل أيتها شاء، ولو شاء أن ينزل ما تقترحونه لفعل { وَإِنَّمَا أَنَاْ نَذِيرٌ } كلفت الإنذار وإبانته بما أعطيت من الآيات، وليس لي أن أتخير على الله آياته فأقول: أنزل عليّ آية كذا دون آية كذا، مع علمي أنّ الغرض من الآية ثبوت الدلالة، والآيات كلها في حكم آية واحدة في ذلك، ثم قال: { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ } آية مغنية عن سائر الآيات - إن كانوا طالبين للحق غير متعنتين -هذا القرآن الذي تدوم تلاوته عليهم في كل مكان وزمان فلا يزال معهم آية ثابتة لا تزول ولا تضمحلّ. كما تزول كل آية بعد كونها، وتكون في مكان دون مكان[إن في ذلك] إنّ في مثل هذه الآية الموجودة في كل مكان وزمان إلى آخر الدهر { لَرَحْمَةً } لنعمة عظيمة لا تشكر[وذكرىٰ] وتذكرة { لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } وقيل: أولم يكفهم، يعني اليهود: أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم بتحقيق ما في أيديهم من نعتك ونعت دينك. وقيل:
(832) إنّ ناساً من المسلمين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتف قد كتبوا فيها بعض ما يقود اليهود، فلما أن نظر إليها ألقاها وقال: كفى بها حماقة قوم أو ضلالة قوم أن يرغبوا عما جاءهم به نبيهم إلى ما جاء به غير نبيهم، فنزلت. والوجه ما ذكرناه { كَفَىٰ بِٱللَّهِ بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً } أني قد بلغتكم ما أرسلت به إليكم وأنذرتكم، وأنكم قابلتموني بالجحد والتكذيب { يَعْلَمُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلاَّرْضِ } فهو مطلع على أمري وأمركم، وعالم بحقي وباطلكم { وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ بِٱلْبَـٰطِلِ } منكم وهو ما تعبدون من دون الله { وَكَفَرُواْ بِٱللَّهِ } وآياته { أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَـٰسِرُونَ } المغبونون في صفقتهم حيث اشتروا الكفر بالإيمان، إلا أن الكلام ورد مورد الإنصاف، كقوله:
{ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } [سبأ: 24] وكقول حسان:فَشَرُّكُمَا لِخَيْرِكُمَا الْفِدَاءُ
وروي أنّ كعب بن الأشرف وأصحابه قالوا: يا محمد، من يشهد لك بأنك رسول الله، فنزلت.