فإن قلت: علام عطف قوله: { فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ }؟ قلت: على يطاف عليهم. والمعنى: يشربون فيتحادثون على الشراب كعادة الشرب قال:
وَمَا بَقِيَتْ مِنَ اللَّذَّاتِ إلاَّ أَحَادِيثُ الْكِرَامِ عَلَى الْمُدَامِ
فيقبل بعضهم على بعض { يَتَسَاءلُونَ } عما جرى لهم وعليهم في الدنيا، إلا أنه جيء به ماضياً على عادة الله في أخباره. قرىء: «من المصدّقين» من التصديق. ومن المصدَّقين مشدّد الصاد، من التصدّق، وقيل: نزلت في رجل تصدّق بماله لوجه الله، فاحتاج فاستجدى بعض إخوانه؛ فقال: وأين مالك؟ قال: تصدقت به ليعوضني الله به في الآخرة خيراً منه، فقال: أئنك لمن المصدّقين بيوم الدين. أو من المتصدّقين لطلب الثواب. والله لا أعطيك شيئاً { لَمَدِينُونَ } لمجزيون، من الدين وهو الجزاء. أو لمسوسون مربوبون. يقال: دانه ساسه. ومنه الحديث: (947)
"العاقل من دان نفسه" . { قَالَ } يعني ذلك القائل: { هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ } إلى النار لأريكم ذلك القرين. قيل: إن في الجنة كوى ينظر أهلها منها إلى أهل النار. وقيل: القائل هو الله عزّ وجلّ. وقيل: بعض الملائكة يقول لأهل الجنة: هل تحبون أن تطلعوا فتعلموا أين منزلتكم من منزلة أهل النار. وقرىء: «مطلعون» فاطلع. وفأطلع بالتشديد، على لفظ الماضي والمضارع المنصوب: ومطلعون فاطلع وفأطلع بالتحفيف على لفظ الماضي والمضارع والمنصوب يقال طلع علينا فلان، واطلع وأطلع بمعنى واحد، والمعنى: هل أنتم مطلعون إلى القرين فأطلع أنا أيضاً. أو عرض عليه الاطلاع فاعترضوه، فاطلع هو بعد ذلك. وإن جعلت الإطلاع من أطلعه غيره، فالمعنى: أنه لما شرط في اطلاعه اطلاعهم، وهو من آداب المجالسة. أن لا يستبد بشيء دون جلسائه، فكأنهم مطلعوه. وقيل: الخطاب على هذا للملائكة. وقرىء: «مطلعون» بكسر النون، أراد: مطلعون إياي؛ فوضع المتصل موضع المنفصل، كقوله:هُمُ الْفَاعِلُونَ الْخَيْرَ وَالآمِرُونَهُ
أو شبه اسم الفاعل في ذلك بالمضارع لتآخ بينهما، كأنه قال: تطلعون، وهو ضعيف لا يقع إلاّ في الشعر { فِى سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ } في وسطها، يقال: تعبت حتى انقطع سوائي، وعن أبي عبيدة: قال لي عيسى بن عمر: كنت أكتب يا أبا عبيدة حتى ينقطع سوائي (إن) مخففة من الثقيلة، وهي تدخل على «كاد» كما تدخل على «كان» { إِن كَانَ لَيُضِلُّنَا } واللام هي الفارقة بينها وبين النافية، والإرداء: الإهلاك. وفي قراءة عبد الله: لتغوينّ { نِعْمَةُ رَبّى } هي العصمة والتوفيق في الاستمساك بعروة الإسلام، والبراءة من قرين السوء. أو إنعام الله بالثواب وكونه من أهل الجنة { مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ } من الذين أحضروا العذاب كما أحضرته أنت وأمثالك.