فإن قلت: كيف صحّ أن يقول لهم { إِنّى خَـٰلِقٌ بَشَرًا } وما عرفوا ما البشر ولا عهدوا به قبل؟ قلت: وجهه أن يكون قد قال لهم: إني خالق خلقاً من صفته كيت وكيت، ولكنه حين حكاه اقتصر على الاسم { فَإِذَا سَوَّيْتُهُ } فإذا أتممت خلقه وعدلته { وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى } وأحييته وجعلته حساساً متنفساً { فَقَعُواْ } فخروا، كل: للإحاطة. وأجمعون: للاجتماع، فأفادا معاً أنهم سجدوا عن آخرهم ما بقي منهم ملك إلا سجد وأنهم سجدوا جميعاً في وقت واحد غير متفرّقين في أوقات. فإن قلت: كيف ساغ السجود لغير الله؟ قلت: الذي لا يسوغ هو السجود لغير الله على وجه العبادة، فأما على وجه التكرمة والتبجيل فلا يأباه العقل، إلاّ أن يعلم الله فيه مفسدة فينهى عنه، فإن قلت: كيف استثنى إبليس من الملائكة وهو من الجنّ؟ قلت: قد أمر بالسجود معهم فغلبوا عليه في قوله: { فَسَجَدَ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ } ثم استثنى كما يستثنى الواحد منهم استثناء متصلاً { وَكَانَ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ } أريد: وجود كفره ذلك الوقت وإن لم يكن قبله كافراً؛ لأن (كان) مطلق في جنس الأوقات الماضية، فهو صالح لأيها شئت. ويجوز أن يراد: وكان من الكافرين في الأزمنة الماضية في علم الله.