التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ أُوْحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ
٦٥
بَلِ ٱللَّهَ فَٱعْبُدْ وَكُن مِّنَ ٱلشَّاكِرِينَ
٦٦
-الزمر

قرىء: «ليحبطن عملك» وليحبطنّ: على البناء للمفعول. ولنحبطنّ، بالنون والياء، أي: ليحبطنّ الله. أو الشرك. فإن قلت: الموحى إليهم جماعة، فكيف قال: { لَئِنْ أَشْرَكْتَ } على التوحيد؟ قلت: معناه أوحى إليك لئن أشركت ليحبطن عملك، وإلى الذين من قبلك مثله، أو أوحى إليك وإلى كل واحد منهم: لئن أشركت كما تقول: كسانا حلة، أي: كل واحد منّا: فإن قلت: ما الفرق بين اللامين؟ قلت: الأولى موطئة للقسم المحذوف، والثاني لام الجواب، وهذاالجواب سادّ مسدّ الجوابين، أعني: جوابي القسم والشرط، فإن قلت: كيف صحّ هذا الكلام مع علم الله أنّ رسله لا يشركون ولا تحبط أعمالهم؟ قلت: هو على سبيل الفرض، والمحالات يصحّ فرضها لأغراض، فكيف بما ليس بمحال. ألا ترى إلى قوله: { وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِى ٱلأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا } [يونس: 99] يعني على سبيل الإلجاء، ولن يكون ذلك لامتناع الداعي إليه ووجود الصارف عنه. فإن قلت: ما معنى قوله: { وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ }؟ قلت: يحتمل ولتكونن من الخاسرين بسبب حبوط العمل. ويحتمل: ولتكونن في الآخرة من جملة الخاسرين الذين خسروا أنفسهم إن مت على الردة. ويجوز أن يكون غضب الله على الرسول أشدّ، فلا يمهله بعد الردة: ألا ترى إلى قوله تعالى: { { إِذًا لأَذَقْنَـٰكَ ضِعْفَ ٱلْحَيَوٰةِ وَضِعْفَ ٱلْمَمَاتِ } [الإسراء: 75]، { بَلِ ٱللَّهَ فَٱعْبُدْ } رد لما أمروه به من استلام بعض آلهتهم، كأنه قال: لا تعبد ما أمروك بعبادته، بل إن كنت عاقلاً فاعبد الله، فحذف الشرط وجعل تقديم المفعول عوضاً منه { وَكُن مِّنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ } على ما أنعم به عليك، من أن جعلك سيد ولد آدم. وجوّز الفراء نصبه بفعل مضمر هذا معطوف عليه، تقديره: بل الله فأعبد فاعبد.