وصف اليهود بالبخل والحسد وهما شرّ خصلتين: يمنعون ما أوتوا من النعمة ويتمنون أن تكون لهم نعمة غيرهم فقال: { أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مّنَ ٱلْمُلْكِ } على أن أم منقطعة ومعنى الهمزة لإنكار أن يكون لهم نصيب من الملك ثم قال: { فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ } أي لو كان لهم نصيب من الملك فإذاً لا يؤتون أحداً مقدار نقير لفرط بخلهم: والنقير: النقرة في ظهر النواة وهو مثل في القلة، كالفتيل والقطمير. والمراد بالملك: إما ملك أهل الدنيا. وإما ملك الله كقوله تعالى:
{ { قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبّى إِذًا لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ ٱلإِنفَاقِ } [الإسراء: 100] وهذا أوصف لهم بالشح، وأحسن لطباقه نظيره من القرآن. ويجوز أن يكون معنى الهمزة في أم: لإنكار أنهم قد أوتوا نصيباً من الملك، وكانوا أصحاب أموال وبساتين وقصور مشيدة كما تكون أحوال الملوك. وأنهم لا يؤتون أحداً مما يملكون شيئاً. وقرأ ابن مسعود: «فإذاً لا يؤتوا»، على إعمال إذا عملها الذي هو النصب، وهي ملغاة في قراءة العامة، كأنه قيل: فلا يؤتون الناس نقيراً إذاً { أَمْ يَحْسُدُونَ ٱلنَّاسَ } بل أيحسدون رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين على إنكار الحسد واستقباحه. وكانوا يحسدونهم على ما آتاهم الله من النصرة والغلبة وازدياد العزّ والتقدم كل يوم { فَقَدْ ءاتَيْنَا } إلزام لهم بما عرفوه من إيتاء الله الكتاب والحكمة { ءَالَ إِبْرٰهِيمَ } الذين هم أسلاف محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه ليس ببدع أن يؤتيه الله مثل ما آتى أسلافه. وعن ابن عباس: الملك في آل إبراهيم ملك يوسف وداود وسليمان. وقيل: استكثروا نساءه فقيل لهم: كيف استكثرتم له التسع وقد كان لداود مائة ولسليمان ثلَثمائة مهيرة وسبعمائة سرية؟ { فَمِنْهُمْ } فمن اليهود { مَنْ ءامَنَ بِهِ } أي بما ذكر من حديث آل إبراهيم { وَمِنْهُمْ مَّن صَدَّ عَنْهُ } وأنكره مع علمه بصحته. أو من اليهود من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهم من أنكر نبوّته. أو من آل إبراهيم من آمن بإبراهيم، ومنهم من كفر، كقوله: { { فَمِنْهُمْ مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مّنْهُمْ فَـٰسِقُونَ } [الحديد: 26].