{ بِٱلْكِتَـٰبِ } بالقرآن { وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا } من الكتب. فإن قلت: وهل قوله: { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ ٱلاْغْلَـٰلُ فِى أَعْنَـٰقِهِمْ } إلى مثل قولك: سوف أصوم أمس؟ قلت: المعنى على إذا: إلا أن الأمور المستقبلة لما كانت في أخبار الله تعالى متيقنة مقطوعاً بها: عبر عنها بلفظ ما كان ووجد، والمعنى على الاستقبال. وعن ابن عباس: والسلاسل يسحبون بالنصب وفتح الياء، على عطف الجملة الفعلية على الإسمية. وعنه: والسلاسل يسحبون بجر السلاسل. ووجهه أنه لو قيل: إذْ أعناقهم في الأغلال مكان قوله: { إِذِ ٱلاْغْلَـٰلُ فِى أَعْنَـٰقِهِمْ } لكان صحيحاً مستقيماً، فلما كانتا عبارتين معتقبتين: حمل قوله: { وٱلسَّلَـٰسِلُ } على العبارة الأخرى. ونظيره:
مَشَائِيمُ لَيْسُوا مُصْلِحِينَ عَشِيرَةً وَلاَ نَاعِبٍ إلاَّ بِبَيْنٍ غُرَابُهَا
كأنه قيل: بمصلحين. وقرىء: «وبالسلاسل يسحبون» { فِى ٱلنَّارِ يُسْجَرُونَ } من سجر التنور إذا ملأه بالوقود. ومنه: السجير، كأنه سجر بالحب، أي: ملىء. ومعناه: أنهم في النار فهي محيطة بهم، وهم مسجورون بالنار مملوؤة بها أجوافهم. ومنه قوله تعالى: { { نَارُ ٱللَّهِ ٱلْمُوقَدَةُ ٱلَّتِى تَطَّلِعُ عَلَى ٱلاْفْئِدَةِ } [الهمزة: 7] اللهم أجرنا من نارك فإنا عائذون بجوارك { ضَـلُّواْ عَنَّا } غابوا عن عيوننا، فلا نراهم ولا ننتفع بهم. فإن قلت: أما ذكرت في تفسير قوله تعالى: { { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } [الأنبياء: 98]: أنهم مقرونون بآلهتهم، فكيف يكونون معهم وقد ضلوا عنهم؟ قلت: يجوز أن يضلوا عنهم إذا وبخوا وقيل لهم: إينما كنتم تشركون من دون الله فيغيثوكم ويشفعوا لكم، وأن يكونوا معهم في سائر الأوقات، وأن يكونوا معهم في جميع أوقاتهم؛ إلا أنهم لما لم ينفعوهم فكأنهم ضالون عنهم { بَل لَّمْ نَكُنْ نَّدْعُواْ مِن قَبْلُ شَيْئاً } أي: تبين لنا أنهم لم يكونوا شيئاً، وما كنا نعبد بعبادتهم شيئاً كما تقول: حسبت أنّ فلاناً شيء فإذا هو ليس بشيء إذا خبرته فلم تر عنده خيراً { كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلْكَـٰفِرِينَ } مثل ضلال آلهتهم عنهم يضلهم عن آلهتهم.، حتى لو طلبوا الآلهة أو طلبتهم الآلهة لم يتصادفوا { ذلكم } الإضلال بسبب ما كنا لكم من الفرح والمرح { بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } وهو الشرك وعبادة الأوثان { ٱدْخُلُواْ أَبْوٰبَ جَهَنَّمَ } السبعة المقسومة لكم. قال الله تعالى: { لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلّ بَابٍ مّنْهُمْ جُزْء مَّقْسُومٌ } [الحجر: 44]. { خَـٰلِدِينَ } مقدّرين الخلود { فَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَـبّرِينَ } عن الحق المستخفين به مثواكم أو جهنم. فإن قلت: أليس قياس النظم أن يقال: فبئس مدخل المتكبرين، كما تقول: زر بيت الله فنعم المزار، وصل في المسجد الحرام فنعم المصلى؟ قلت: الدخول المؤقت بالخلود في معنى الثواء.