التفاسير

< >
عرض

أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوۤاْ أَكْـثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً فِي ٱلأَرْضِ فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ
٨٢
فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ
٨٣
-غافر

{ وَءَاثَاراً } قصورهم ومصانعهم. وقيل: مشيهم بأرجلهم لعظم أجرامهم { فَمَا أَغْنَىٰ عَنْهُمْ } ما نافية أو مضمنة معنى الاستفهام، ومحلها النصب، والثانية: موصولة أو مصدرية ومحلها الرفع، يعني أي شيء أغنى عنهم مكسوبهم أو كسبهم { فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مّنَ ٱلْعِلْمِ } فيه وجوه: منها أنه أراد العلم الوارد على طريق التهكم في قوله تعالى: { { بَلِ ادارك عِلْمُهُمْ فِى ٱلاْخِرَةِ } [النمل: 66]: وعلمهم في الآخرة أنهم كانوا يقولون: لا نبعث ولا نعذب، { وَمَا أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّجّعْتُ إِلَىٰ رَبّى إِنَّ لِى عِندَهُ لَلْحُسْنَىٰ } [فصلت: 50]، { وَمَا أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبّى لاجِدَنَّ خَيْراً مّنْهَا مُنْقَلَباً } [الكهف: 36] وكانوا يفرحون بذلك ويدفعون به البينات وعلم الأنبياء، كما قال عزّ وجلّ: { { كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } [الروم: 32] ومنها: أن يريد علم الفلاسفة والدهريين من بني يونان، وكانوا إذ سمعوا بوحي الله: دفعوه وصغروا علم الأنبياء إلى علمهم. وعن سقراط: أنه سمع بموسى صلوات الله عليه وسلامه، وقيل له: لو هاجرت إليه فقال: نحن قوم مهذبون فلا حاجة بنا إلى من يهذبنا. ومنها: أن يوضع قوله { فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مّنَ ٱلْعِلْمِ } [غافر: 83] ولا علم عندهم البتة، موضع قوله: لم يفرحوا بما جاءهم من العلم، مبالغة في نفي فرحهم بالوحي الموجب لأقصى الفرح والمسرة، مع تهكم بفرط جهلهم وخلوهم من العلماء. ومنها أن يراد: فرحوا بما عند الرسل من العلم فرح ضحك منه واستهزاء به، كأنه قال: استهزؤوا بالبينات وبما جاؤوا به من علم الوحي فرحين مرحين. ويدلّ عليه قوله تعالى: { وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ } ومنها: أن يجعل الفرح للرسل. ومعناه: أن الرسل لما رأوا جهلهم المتمادي واستهزائهم بالحق وعلموا سوء عاقبتهم وما يلحقهم من العقوبة على جهلهم واستهزائهم: فرحوا بما أوتوا من العلم وشكروا الله عليه. وحاق بالكافرين جزاء جهلهم واستهزائهم. ويجوز أن يريد بما فرحوا به من العلم: علمهم بأمور الدنيا ومعرفتهم بتدبيرها، كما قال تعالى: { { يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مّنَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ ٱلاْخِرَةِ هُمْ غَـٰفِلُونَ } [الروم: 7]، { { ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مّنَ ٱلْعِلْمِ } [النجم: 30] فلما جاءهم الرسل بعلوم الديانات - وهي أبعد شيء من علمهم لبعثها على رفض الدنيا والظلف عن الملاذ والشهوات - لم يلتفتوا إليها وصغروها واستهزؤا بها، واعتقدوا أنه لا علم أنفع وأجلب للفوائد من علمهم، ففرحوا به.