{ أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ ٱلذّكْرَ صَفْحاً } يعني: أفننحي عنكم الذكر ونذوده عنكم على سبيل المجاز، من قولهم: ضرب الغرائب عن الحوض. ومنه قول الحجاج: ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل. وقال طرفة:
اضْرِبَ عَنْكَ الْهُمُومَ طَارِفَهَا ضَرْبَكَ بِالسَّيْفِ قَوْنَسَ الْفَرَسِ
والفاء للعطف على محذوف، تقديره: أنهملكم فنضرب عنكم الذكر، إنكاراً لأن يكون الأمر على خلاف ما قدّم على إنزاله الكتاب. وخلقه قرآناً عربياً؛ ليعقلوه ويعملوا بمواجبه. وصفحاً على وجهين. إما مصدر من صفح عنه: إذا أعرض، منتصب على أنه مفعول له، على معنى: أفنعزل عنكم إنزال القرآن وإلزام الحجة به إعراضاً عنكم. وإمّا بمعنى الجانب من قولهم: نظر إليه بصفح وجهه وصفح وجهه، على معنى: أفننحيه عنكم جانباً، فينتصب على الظرف كما تقول: ضعه جانباً، وامش جانباً. وتعضده قراءة من قرأ «صفحاً» بالضم. وفي هذه القراءة وجه آخر: وهو أن يكون تخفيف صفح جمع صفوح، وينتصب على الحال، أي: صافحين معرضين { إِن كُنتُمْ } أي: لأن كنتم. وقرىء «أَن كنتم» وإذ كنتم. فإن قلت: كيف استقام معنى إن الشرطية، وقد كانوا مسرفين على البتّ؟ قلت: هو من الشرط الذي ذكرت أنه يصدر عن المدل بصحة الأمر، المتحقق لثبوته، كما يقول الأجير: إن كنت عملت لك فوفني حقي، وهو عالم بذلك؛ ولكنه يخيل في كلامه أن تفريطك في الخروج عن الحق: فعل من له شك في الاستحقاق، مع وضوحه استجهالاً له.