وقرىء: «والهدي» والهدي: بتخفيف الياء وتشديدها، وهو ما يهدى إلى الكعبة: بالنصب عطفاً على الضمير المنصوب في صدّوكم. أي: صدّوكم وصدّوا الهدي وبالجر عطفاً على المسجد الحرام، بمعنى: وصدّوكم عن نحر الهدى { مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ } محبوساً عن أن يباع، وبالرفع على: وصدّ الهدي. ومحله: مكانه الذي يحل فيه نحره، أي يجب. وهذا دليل لأبي حنيفة على أن المحصر محل هديه الحرم. فإن قلت: فكيف حل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه وإنما نحر هديهم بالحديبية؟ قلت: بعض الحديبية من الحرم. وروى أن مضارب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت في الحل، ومصلاه في الحرم. فإن قلت: فإذن قد نحر في الحرم، فلم قيل: { مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ }؟ قلت: المراد المحل المعهود وهو منىٰ { لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ } صفة للرجال والنساء جميعاً. و{ أَن تَطَئُوهُمْ } بدل اشتمال منهم أو من الضمير المنصوب في تعلموهم. والمعرة: مفعلة، من عره بمعنى عراه إذا دهاه ما يكره ويشق عليه. و{ بِغَيْرِ عِلْمٍ } متعلق بأن تطؤهم، يعني: أن تطئوهم غير عالمين بهم. والوطء والدوس: عبارة عن الإيقاع والإبادة. قال:
وَوَطِئْتَنَا وَطْأَ عَلَى حَنَقٍ وَطْأَ الْمُقَيَّدِ نَابِتَ الْهَرْمِ
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (1048)
"وإن آخر وطأة وطئها الله بِوَجٍّ" والمعنى: أنه كان بمكة قوم من المسلمين مختلطون بالمشركين غير متميزين منهم ولا معروفي الأماكن: فقيل: ولولا كراهة أن تهلكوا ناساً مؤمنين بين ظهراني المشركين وأنتم غير عارفين بهم، فتصيبكم بإهلاكهم مكروه ومشقة: لما كف أيديكم عنهم، وحذف جواب «لولا» لدلالة الكلام عليه. ويجوز أن يكون { لَوْ تَزَيَّلُواْ } كالتكرير للولا رجال مؤمنون، لمرجعهما إلى معنى واحد، ويكون { لَعَذَّبْنَا } هو الجواب. فإن قلت: أي معرة تصيبهم إذا قتلوهم وهم لا يعلمون. قلت: يصيبهم وجوب الدية والكفارة، وسوء قالة المشركين أنهم فعلوا بأهل دينهم مثل ما فعلوا بنا من غير تمييز، والمأثم إذا جرى منهم بعض التقصير. فإن قلت: قوله تعالى: { لّيُدْخِلَ ٱللَّهُ فِى رَحْمَتِهِ مَن يَشآءُ } تعليل لماذا؟ قلت: لما دلت عليه الآية وسيقت له: من كف الأيدي عن أهل مكة، والمنع من قتلهم؛ صوناً لمن بين أظهرهم من المؤمنين، كأنه قال: كان الكف ومنع التعذيب ليدخل الله في رحمته؛ أي: في توفيقه لزيادة الخير والطاعة مؤمنيهم. أو ليدخل في الإسلام من رغب فيه من مشركيهم { لَوْ تَزَيَّلُواْ } لو تفرقوا وتميز بعضهم من بعض: من زاله يزيله. وقرىء: «لو تزايلوا».