التفاسير

< >
عرض

سَيَعْلَمُونَ غَداً مَّنِ ٱلْكَذَّابُ ٱلأَشِرُ
٢٦
إِنَّا مُرْسِلُواْ ٱلنَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ فَٱرْتَقِبْهُمْ وَٱصْطَبِرْ
٢٧
وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ ٱلْمَآءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ
٢٨
فَنَادَوْاْ صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَىٰ فَعَقَرَ
٢٩
فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ
٣٠
إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُواْ كَهَشِيمِ ٱلْمُحْتَظِرِ
٣١
وَلَقَد يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ
٣٢
-القمر

{ أَبَشَراً مّنَّا وٰحِداً } نصب بفعل مضمر يفسره { نَّتَّبِعُهُ } وقرىء: «أبشر منا واحد» على الابتداء. ونتبعه خبره، والأوّل أوجه للاستفهام. كان يقول: إن لم تتبعوني كنتم في ضلال عن الحق، وسعر: ونيران، جمع سعير، فعكسوا عليه فقالوا: إن اتبعناك كنا إذن كما تقول. وقيل: الضلال: الخطأ والبعد عن الصواب. والسعر: الجنون. يقال: ناقة مسعورة. قال:

كَأَنَّ بِهَا سُعْرًا إذَا الْعِيسُ هَزَّهَا ذَمِيلٌ وَإِرْخَاءٌ مِنَ السَّيْرِ مُتْعِبُ

فإن قلت: كيف أنكروا أن يتبعوا بشراً منهم واحداً؟ قلت: قالوا أبشراً: إنكاراً لأن يتبعوا مثلهم في الجنسية، وطلبوا أن يكون من جنس أعلى من جنس البشر وهم الملائكة، وقالوا: { مِّنَّا } لأنه إذا كان منهم كانت المماثلة أقوى، وقالوا: { وٰحِداً } إنكاراً لأن تتبع الأمّة رجلاً واحداً. أو أرادوا واحداً من أفنائهم ليس بأشرفهم وأفضلهم، ويدل عليه قولهم: { أَءُلْقِىَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا } أي أنزل عليه الوحي من بيننا وفينا من هو أحق منه بالاختيار للنبوّة { أَشِرٌ } بطر متكبر، حمله بطره وشطارته وطلبه التعظم علينا على ادعاء ذلك { سَيَعْلَمُونَ غَداً } عند نزول العذاب بهم أو يوم القيامة { مَّنِ ٱلْكَذَّابُ ٱلاْشِرُ } أصالح أم من كذبه. وقرىء: «ستعلمون» بالتاء على حكاية ما قال لهم صالح مجيباً لهم. أو هو كلام الله تعالى على سبيل الالتفات. وقرىء: «الأشر» بضم الشين، كقولهم حدث وحدث. وحذر وحذر، وأخوات لها. وقرىء: «الأشر» وهو الأبلغ في الشرارة. والأخير والأشر: أصل قولهم: هو خير منه وشر منه، وهو أصل مرفوض، وقد حكى ابن الأنباري قول العرب: هو أخير وأشر، وما أخيره وما أشره { مُرْسِلُواْ ٱلنَّاقَةِ } باعثوها ومخرجوها من الهضبة كما سألوا { فِتْنَةً لَّهُمْ } امتحاناً لهم وابتلاء { فَٱرْتَقِبْهُمْ } فانتظرهم وتبصر ما هم صانعون { وَٱصْطَبِرْ } على أذاهم ولا تعجل حتى يأتيك أمري { قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ } مقسوم بينهم: لها شرب يوم ولهم شرب يوم. وإنما قال: بينهم، تغليباً للعقلاء «محتضر» محضور لهم أو للناقة. وقيل: يحضرون الماء في نوبتهم واللبن في نوبتها { صَـٰحِبَهُمْ } قدار بن سالف أحيمر ثمود { فَتَعَاطَىٰ } فاجترأ على تعاطي الأمر العظيم غير مكترث له، فأحدث العقر بالناقة. وقيل فتعاطى الناقة فعقرها، أو فتعاطى السيف { صَيْحَةً وٰحِدَةً } صيحة جبريل.والهشيم؛ الشجر اليابس المتهشم المتكسر «والمحتظر» الذي يعمل الحظيرة وما يحتظر به ييبس بطول الزمان وتتوطؤه البهائم فيتحطم ويتهشم. وقرأ الحسن بفتح الظاء وهو موضع الاحتظار، أي «الحظيرة».