{ رَهْبَةً } مصدر رهب المبني للمفعول، كأنه قيل: أشد مرهوبية. وقوله: { فِى صُدُورِهِمْ } دلالة على نفاقهم، يعني أنهم يظهرون لكم في العلانية خوف الله وأنتم أهيب في صدورهم من الله. فإن قلت: كأنهم كانوا يرهبون من الله حتى تكون رهبتهم منهم أشدّ. قلت: معناه أن رهبتهم في السر منكم أشدّ من رهبتهم من الله التي يظهرونها لكم - وكانو يظهرون لهم رهبة شديدة من الله - ويجوز أن يريد أنّ اليهود يخافونكم في صدورهم أشدّ من خوفهم من الله؛ لأنهم كانوا قوماً أولى بأس ونجدة، فكانوا يتشجعون لهم مع إضمار الخيفة في صدورهم { لاَّ يَفْقَهُونَ } لا يعلمون الله وعظمته حتى يخشوه حق خشيته { لاَ يُقَـٰتِلُونَكُمْ } لا يقدرون على مقاتلتكم { جَمِيعاً } مجتمعين متساندين، يعني اليهود والمنافقين { إِلاَّ } كائنين { فِى قُرًى مُّحَصَّنَةٍ } بالخنادق والدروب { أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ } دون أن يصحروا لكم ويبارزوكم، لقذف الله الرعب في قلوبهم، وأن تأييد الله تعالى ونصرته معكم. وقرىء: «جدر»، بالتخفيف. وجدار. وجدر وجدر، وهما: الجدار { بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ } يعني أنّ البأس الشديد الذي يوصفون به إنما هو بينهم إذا اقتتلوا؛ ولو قاتلوكم لم يبق لهم ذلك البأس والشدّة؛ لأنّ الشجاع يجبن والعزيز يذل عند محاربة الله ورسوله { تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً } مجتمعين ذوي ألفة واتحاد { وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ } متفرقة لا ألفة بينها، يعني. أنّ بينهم إحنا وعداوات، فلا يتعاضدون حق التعاضد، ولا يرمون عن قوس واحدة. وهذا تجسير للمؤمنين وتشجيع لقلوبهم على قتالهم { قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ } أن تشتت القلوب مما يوهن قواهم ويعين على أرواحهم { كَمَثَلِ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } أي مثلهم كمثل أهل بدر في زمان قريب. فإن قلت: بم انتصب { قَرِيبًا }؟ قلت: بمثل، على: كوجود مثل أهل بدر قريباً { ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ } سوء عاقبة كفرهم وعداوتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، من قولهم كلأ وبيل: وخيم سيء العاقبة، يعني ذاقوا عذاب القتل في الدنيا { وَلَهُمْ } في الآخرة عذاب النار. مثل المنافقين في إغرائهم اليهود على القتال ووعدهم إياهم النصر، ثم متاركتهم لهم وإخلافهم { كَمَثَلِ ٱلشَّيْطَـٰنِ } إذا استغوى الإنسان بكيده ثم تبرأ منه في العاقبة، والمراد استغواؤه قريشاً يوم بدر؛ وقوله لهم: { لاَ غَالِبَ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَإِنّي جَارٌ لَّكُمْ }إلى قوله
{ إِنِّى بَرِىۤءٌ مِّنكَ } [الأنفال: 48] وقرأ ابن مسعود: «خالدان فيها»، على أنه خبر أنّ، و{ فِى ٱلنَّارِ } لغو، وعلى القراءة المشهورة: الظرف مستقر، وخالدين فيها: حال. وقرىء: «أنا بريء» وعاقبتهما بالرفع.